مع تراجع نفوذ أمريكا.. روسيا تعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط

إسراء عبدالمطلب
الجيش الروسي

شهدت بعض دول المنطقة تحولات جيوسياسية كبيرة خلال العقد الماضي، حيث لعبت روسيا دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية للمنطقة.

واستفادت موسكو من تراجع النفوذ الأمريكي لتحجز لنفسها مكانة هامة في صراعات الشرق الأوسط، وكان التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 نقطة تحول بارزة في سياستها الخارجية، التي أصبحت أكثر حزمًا ومرونة.

الدور المتنامي لروسيا

حسب مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، شهدت بعض دول المنطقة على مدى العقد الماضي تحولاً كبيراً في دور روسيا ومشاركتها في سياسات القوة في المنطقة، وجاء هذا التحول نتيجة للتطورات الجيوسياسية والإقليمية التي خلقت فرصاً جديدة لروسيا، خاصة مع تحوّل السياسة الخارجية الأمريكية بعيداً عن الشرق الأوسط.

وفتحت هذه التطورات المجال أمام موسكو لتوسيع نفوذها في المنطقة المضطربة، وتحديداً بعد انسحاب الولايات المتحدة التدريجي الذي أصبح واضحاً في أعقاب فشل “الخط الأحمر” الشهير للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي لم يمنع الرئيس السوري بشار الأسد من شن هجمات بالأسلحة الكيميائية على الشعب السوري في 2013.

التراجع الأمريكي وملء الفراغ

في هذا السياق، اغتنمت روسيا الفرصة لتبني سياسة خارجية أكثر فعالية في بعض دول المنطقة، حيث بدأت في حجز مساحة لها ضمن النظام المتغير، وفي 2013، أطلق نظام الرئيس فلاديمير بوتين مبادرة دبلوماسية لنزع السلاح الكيميائي لنظام الأسد، وهي خطوة بارزة سبقت التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في 2015.

وكان هذا التدخل بمثابة استعراض للسياسة الخارجية الروسية الأكثر حزماً على المستوى العالمي، كما كان واضحًا في أفعالها السابقة في جورجيا وأوكرانيا عامي 2008 و2014.

نقطة تحول في السياسة الخارجية

لعب التدخل الروسي في سوريا دورًا محوريًا في إعادة تشكيل مسار الصراع هناك، حيث عملت موسكو كوسيط بين مختلف الأطراف المتنازعة، بينما حافظت على موازنة دقيقة بين مصالحها الوطنية والعلاقات مع جميع اللاعبين الإقليميين، وعلى الرغم من أن روسيا نجحت في استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية لصالح نظام الأسد، إلا أنها واجهت قيودًا اقتصادية وسياسية حدّت من قدرتها على تحقيق سلام دائم أو إعادة بناء الدولة السورية بشكل كامل.

كانت عملية أستانا، التي أطلقتها روسيا لمعالجة الأزمة السورية، مثالاً على محاولات موسكو لإعادة تعريف بنية الأمن الإقليمي لصالحها، ولكن على الرغم من هذه الجهود، فإن نجاح موسكو كان محدوداً بسبب القيود الاقتصادية والسياسية التي واجهتها في المنطقة.

مزيج من الحزم والمرونة

بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، أعادت روسيا تقييم استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، حيث سعت لتعزيز علاقاتها مع القوى الإقليمية مثل إيران والمملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، ومع ذلك، تباينت درجة النجاح التي حققتها موسكو في هذه المساعي.

ومن الناحية التكتيكية، حاولت روسيا أن تكون وسيطاً بين الفصائل المتحاربة في سوريا، بما في ذلك الفصائل المحظورة على القوى الغربية، إضافة إلى السعي لبناء علاقات مع الدول الإقليمية، ورغم نجاحها في بعض الملفات، إلا أن تأثيرها تضاءل بمرور الوقت، خاصة مع القيود التي تواجهها موسكو على المستوى الاقتصادي والسياسي.

التحالف الروسي الإيراني

من جانبه، قال المحلل السياسي الأردني، الدكتور خالد شنيكات، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إن روسيا حافظت دائمًا على نفوذها التقليدي في المنطقة، خصوصًا في سوريا، دون أن تتوسع بشكل كبير في دول عربية أخرى، مشيرًا إلى أن الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل قد فتح الباب أمام روسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة، لكن هذا لم يتجسد بتطور ملموس في علاقاتها مع العديد من الدول العربية، حيث بقيت العلاقات الروسية العربية عند مستوياتها المعتادة.

وتطرق شنيكات إلى التطور الملحوظ في العلاقات الروسية الإيرانية، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة هي جزء من تحالف أكبر يضم الصين أيضًا، والذي قد يشكل، وفق بعض المحللين الغربيين، قطبًا منافسًا للولايات المتحدة والغرب عمومًا، وشمل هذا التحالف توقيع اتفاقيات أمنية، وتبادل خبرات عسكرية، وتوريد أسلحة وقطع غيار، وكان من أبرز نتائجه تزويد روسيا لإيران بمنظومة الدفاع الجوي S-400.

الدكتور خالد شنيكات

الدكتور خالد شنيكات

التركيز الروسي حاليًا

أضاف شنيكات أن الأولوية القصوى لروسيا حاليًا هي الحرب مع أوكرانيا، حيث تركز جهودها على مواجهة “المتشددين الأوكرانيين”، وفق تعبيره، ما يعني أن المنطقة العربية ليست على رأس اهتماماتها في الوقت الحالي باستثناء سوريا، وبيّن أن روسيا لا تزال تحتفظ بوجودها التقليدي في سوريا وتواصل دعم النظام السوري، كما استخدمت الطيران لقصف مواقع المعارضة في إدلب مؤخرًا.

وأشار شنيكات إلى أن النفوذ الروسي في المنطقة العربية لم يترجم إلى تأثير قوي، حتى في مجلس الأمن، وأن الافتراض الذي كان سائدًا خلال الحرب الباردة بأن “ما تخسره الولايات المتحدة تكسبه روسيا” لم يعد ينطبق على الوضع الحالي. روسيا اليوم تركز بشكل أساسي على أمنها القومي ومناطق نفوذها القريبة من حدودها، بينما في المنطقة العربية، بقي نفوذها محدودًا باستثناء علاقاتها المتعمقة مع إيران وسوريا.

ربما يعجبك أيضا