دبابات ألمانية في عفرين تثير الجدل في أوروبا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

اتخذ أردوغان “قضية مكافحة الإرهاب” ومحاربة  تنظيم داعش واجهة للتدخل في سوريا والعراق، لكن الحقائق كشفت، أن حكومة أردوغان تهدف الى مقاتلة الاكراد في العراق وسوريا، واتخاذ تنظيم داعش والجماعات الإسلاموية المتطرفة جدار صد أو حزام أمني ضد الأكراد في المنطقة، وجاءت عمليات “غصن الزيتون” وفرض سيطرة الجماعات المسلحة الموالية إلى تركيا والقوات التركية على عفرين لتؤكد طموحات أردوغان في سوريا منذ اندلاع الفوضى 2011.

شنت القوات التركية بالتحالف مع “الجيش السوري الحر” هجومًا على عفرين نهاية شهر فبراير 2018، عملية “غصن الزيتون” وقال أردوغان  يوم 28 يناير 2018 : [إن تركيا ستطهر حدودها بالكامل مع سوريا من الإرهابيين ] الهجوم في عفرين ممكن أن يتواصل حتى إدلب، وفق رأي المراقبين.

 وفي إطار العمليات البرية  في عفرين فتح الجيش التركي جبهة جديدة في أعزاز يوم 22 يناير 2018. وبدأ الجيش التركي عملية برية بالتعاون مع الجيش السوري الحر انطلاقا من مدينة أعزاز بريف حلب، باتجاه عفرين، فيما تمددت العملية لتشمل مناطق في الحسكة، شرق الفرات.

وتسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” على مساحات حدودية شمال سوريا تمتد من القامشلي وحتى مدينة تل أبيض ثم منبج التي تعتبر أقرب نقطة لمدينة عفرين.

لماذا مدينة عفرين؟

تقع مدينة عفرين ضمن منطقة جبلية شمال غرب سوريا. وتبعد عن مركز مدينة حلب بنحو ستين كيلومترا في الجهة الشمالية الغربية، وهي منطقة حدودية محاذية لولاية هاتاي التركية. تشكل 2% من مساحة سوريا، ويصل ارتفاعها إلى 1296مترا، يعتبر بجبل كرية مازن (الجبل الكبير) أعلى قممها.

بلغ عدد سكانها، قبل عام 2011، نصف مليون نسمة تقريبا. عفرين تلك المدينة التي تسكنها غالبية كردية وتسيطر عليها “قوات حماية الشعب الكردية”.

ولعفرين أهمية كبيرة لدى كل الأطراف، سواء تركيا أو المعارضة السورية المدعومة من مناطق درع الفرات أو الأكراد. وتعتبر مدينة عفرين نقطة جغرافية مهمة أيضا بالنسبة لمحافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة “تحرير الشام”.

وأدى غياب طرق سالكة توصل إدلب بمنطقة الجزيرة إلى الاعتماد على عفرين التي صارت تمر عبرها مختلف عمليات شراء النفط الخام . ويروج أردوغان لفكرة أن قوات حماية الشعب الكردية تحاول إقامة “ممر للإرهاب” على الحدود الجنوبية لتركيا، يربط عفرين بمنطقة كبيرة يسيطر عليها الأكراد إلى الشرق، بعد أن أقامت عملية “درع الفرات” التركية عام 2016، منطقة عازلة بين الأراضي الخاضعة لسيطرتهم.

قلق  أوروبي

أصدر البرلمان الأوروبي قرارا يعرب فيه عن قلقه إزاء “العواقب الوخيمة” للعمليات العسكرية التركية في عفرين بسوريا. وحذر نواب البرلمان في القرار من “استمرار الأعمال غير المتناسبة” التي تقوم بها تركيا في المنطقة.

وحذر أيضا وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل يوم 21 فبراير 2018، من “مخاطر لا يمكن توقعها” بسبب المواجهة العسكرية التي تقوم بها تركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية.

وأعرب وزير الخارجية الفرنسي عن قلقه من “الوضع المتدهور” في سوريا، كما دعا إلى وقف المعارك في عفرين. وكان ماكرون أثار غضب أنقرة، عندما قال في مقابلة صحافية أن بلاده سيكون لديها “مشكلة حقيقية” في حال تبين أن الحملة العسكرية “عملية اجتياح”.

وفي جانب المواقف لبعض الساسة، قالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية ألريكه ديمير يوم 24 يناير 2018 إن الحكومة الألمانية “تنظر للتقارير التي تتحدث عن العملية العسكرية التركية في شمال غرب سوريا بقلق كبير”. وطالبت الحكومة الألمانية بإنهاء المعارك.

أما “يورغن هارت” خبير شؤون السياسة الخارجية بالاتحاد المسيحي، فيقول :ضرورة طرح الموضوع في مجلس الناتو، ويعتقد هارت أن الأمر قد يكون مخالفا للقانون الدولي؛ لأنه لا يتم الحفاظ على مبدأ التناسبية في مكافحة الإرهاب.

وعبر البرلماني “رولف موتسنيش” خبير الشؤون الخارجية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بألمانيا معارضته إلى تحديث دبابات “ليوبارد 2” الألمانية في الجيش التركي على خلفية هذه العملية،  وقال “أعتقد أن ذلك سيكون إشارة خاطئة في هذا التوقيت”.

كما طالب موتسنيش الناتو بمناقشة توغل القوات التركية في الأراضي السورية، واختتم تصريحاته بالقول: “لأن ما تفعله تركيا حاليا قد يرقى إلى نزاع دولي”.

أما صحيفة “شتوتغارتر تسايتونغ” فقد علقت بالقول: “إن حكومة أردوغان مصرة على تدمير كل ما يمكن أن يشكل تهديدا لتركيا وإنها لغة سياسي يبدو أنه فقد الموازين. إذ توجد توتر في العلاقة بين حكومة أردوغان وفرنسا، وهناك أيضا توتر في العلاقات مع ألمانيا.  

ملف صادرات الدبابات الألمانية إلى تركيا

وفي إطار استخدام القوات التركية للدبابات الألمانية ، أكد خبير أسلحة في الجيش الألماني أن القوات المسلحة التركية تستخدم في عمليتها العسكرية في منطقة عفرين شمالي سورية دبابات ألمانية أيضًا.

وذكر الخبير، أن صور العملية العسكرية تظهر فيها دبابات من طراز “ليوبارد 2 إيه 4” المنتجة في ألمانيا.

يذكر أن تركيا استخدمت من قبل دبابات من طراز “ليوبارد 2”  في عملياتها العسكرية داخل سوريا.

وصدرت ألمانيا لتركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي 751 دبابة من طراز “ليوبارد”، من بينها 354 دبابة من طراز “ليوبارد 2” الأحدث، والتي تم توريدها خلال الفترة من 2006 و2011.

 وقالت متحدثة باسم الخارجية الألمانية إنها لن تعلق على حالات بعينها لصادرات السلاح، وإن كل قرار تتخذه ألمانيا بشأن صادرات السلاح يتم خلاله موازنة اعتبارات تتعلق بالسياسة الأمنية والخارجية وتقييم الوضع على نحو دقيق”.

وفي هذا الإطار تمنح الحكومة الألمانية تصاريح لتصدير أسلحة لتركيا على نحو مقيد منذ تفاقم الخلاف مع الحكومة التركية عام 2016 .

تداعيات اجتياح القوات التركية الى مدينة عفرين

إن اجتياح القوات التركية إلى مدينة عفرين والعمليات العسكرية الأخرى التي تنفذها داخل الأراضي التركية، هي وليدة أطماع تركية في الأراضي السورية، خاصة المناطيق التي يعيش فيها الأكراد ومنها عفرين. فأردوغان لم يخف طموحاته بإيجاد مناطق آمنة أو منطقة عازلة مع سوريا.

المشكلة لا تكمن في العمليات العسكرية فقط بل بجهود أردوغان بأعادة تأهيل مقاتلي داعش من جديد وإعادتهم ضمن عمليات “غصن الزيتون” وغيرها من التسميات، وهذا يعني أن ما يهدف إليه أردوغان الآن، هو استبدال تنظيم داعش بقوات تعطي الولاء إلى تركيا تحت عملية “غصن الزيتون”.

ردود أفعال أوروبية لم تنتبه إلى ما يفعله أردوغان، واعتبرتها عمليات عسكرية تتركز باحتلال أراضي داخل سوريا. العلاقات ما بين تركيا مع ألمانيا هي في الأصل متأزمة، ولا تتحمل مزيدًا من التصعيد، في أعقاب مشهد “الانقلاب العسكري في تركيا 2016″، وذات الشيء ينطبق على العلاقات التركية مع فرنسا ومع الاتحاد الأوروبي. هذه التداعيات بدون شكك سوف تنعكس سلبًا في علاقات حكومة أنقرة مع بروكسل، الاتحاد الأوروبي.

الأكراد في ألمانيا يمثلون واحدة من الأقليات التي لها تواجد كبير، ولها أنشطتها، عبرت بمسيرات واسعة عمت المقاطعات الألمانية احتجاجا على عملية “غصن الزيتون” واستخدام دبابات طراز “ليوبارد 2”  ألمانية الصنع وحديثة ضد المدنيين والأكراد في عفرين.

ملف صادرات الأسلحة الألمانية إلى تركيا، أثار الكثير من الجدل والضغوطات على حكومة ميركل، بمطالبة الأكراد في ألمانيا إيجاد ضغوطات سياسية، بسبب ملف الأسلحة، لايقاف عملياتها في عفرين. هذه المطالب حظيت باهتمام أعضاء في البرلمان الألماني، خاصة من الحزب الاشتراكي بالطلب من الحكومة الألمانية بتعليق صادراتها من الأسلحة إلى حكومة أنقرة، وإيقاف تحديث دباباتها، رغم أن تركيا وألمانيا عضوان في حلف الناتو.

الحقيقة، إن تركيا مهتمة بعفرين لوجود عناصر يتبعون لحزب العمال الكردستاني فيها وتأتي جهود تركيا بالسيطرة على عفرين ضمن جهودها بربط  مثلث جرابلس والباب وأعزاز. إن اجتياح تركيا عسكريا الى مدينة عفرين يعني  فقدان حكومة أردوغان إلى الموازين الدولية بتعاملها مع الأحداث في سوريا، وأصبح وجود تركيا داخل حلف الناتو مصدر قلق وصداع إلى الدول الأعضاء، أثارت الكثير من الصعوبات داخل هذا الحلف، وهذا وحده ممكن أن يحدث انشقاقات وانقسامات داخل حلف الناتو، ربما يدفع بالدول الأعضاء إلى المطالبة بضبط سياسة حكومة أردوغان.

عمليات “غصن الزيتون” في عفرين أكدت الأطماع التركية وحكومة أردوغان بإثارة الفوضى بالتحالف مع الجماعات الإسلاموية وإعادة رسم الحدود في المنطقة.

* باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات*

ربما يعجبك أيضا