بعد صدمة التصنيع الأمريكي.. الاقتصاد العالمي يشعل “الضوء الأحمر”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

أرسل الاقتصاد العالمي، أمس الثلاثاء، مؤشرات تحذيرية لا تقبل الشك بشأن الدخول في نفق الركود، مع الإعلان عن موجة من البيانات القاتمة من أقصى آسيا إلى قلب أوروبا وصولا إلى أمريكا، التي تشكل إلى حد كبير الداء والدواء لكثير من المشاكل التي تكبل حركة النمو العالمي.

في واشنطن، بحلول مساء أمس، أظهرت بيانات معهد إدارة الإمدادات تراجع مؤشر نشاط قطاع التصنيع خلال سبتمبر الماضي إلى 47.8 نقطة مقابل 49.1 نقطة خلال أغسطس الماضي، وهو أقل مستوى له منذ يونيو 2009، أي منذ الأزمة المالية، وتشير قراءة هذا المؤشر دون مستوى ال 50 نقطة إلى انكماش القطاع، في حين تشير القراءة أعلى من الـ50 نقطة إلى نمو القطاع.

كما تراجع المؤشر الفرعي لقياس نشاط التوظيف في قطاع التصنيع في سبتمبر إلى أقل مستوى له منذ يناير 2016، وكذلك تراجع مؤشر الإنتاج بالقطاع إلى 47.3 نقطة، ومؤشر طلبيات التصدير إلى 41 نقطة، وهو أقل مستوى له منذ مارس 2009.

لعنة الحرب التجارية
بحسب “بلومبرج” يعود هذا الأداء المتراجع لقطاع التصنيع في جزء كبير منه إلى الحرب التجارية التي شنها ترامب تحت شعار “أمريكا أولا” لعلاج عجز الميزان التجاري الأمريكي، لكن يبدو أن هذه الحرب التي استهدفت بشكل أساسي واردات الصين منذ أكثر من عام بوابل من الرسوم الجمركية، قابلته بكين أيضا بحزمة من الرسوم العكسية على السلع الأمريكية، جاءت بنتيجة عكسية للغاية، إذ أضرت بشكل أساسي بالمنتجين الأمريكيين، وسط تراجع الطلبيات الخارجية وتراجع الانفاق داخليا، فضلا عن ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات المنافسة.  

في الصين، أظهرت بيانات سبتمبر، ارتفاع مؤشر مديري المشتريات للقطاع التحويلي إلى 49.8 في سبتمبر، لكنه ظل دون مستوى الـ50 نقطة، ما يشير إلى انكماش القطاع، وفي أغسطس تراجعت الصادرات بنسبة 1%، وهي أكبر وتيرة هبوط شهري منذ يونيو الماضي، وبالنسبة للصادرات إلى أمريكا وحدها فتراجعت بـ16%، وفي المقابل تراجعت  الواردات الصنية من أمريكا بنحو 22.4%، تحت وطأت إجراءات حمائية من الطرفين.

هذه الحرب طالت أيضا الاتحاد الأوروبي وبدأت تؤثر فعليا على اقتصاد اليورو المنهك في الأساس بسبب ضبابية ملف الخروج البريطاني من الاتحاد، بيانات سبتمبر المعلن عنها أخيرا، تكشف عن دخول قطاع الصناعة في ألمانيا إلى مرحلة الركود رسميا، وتراجع الثقة الاقتصادية بمنطقة اليورو إلى أدنى مستوياتها في 5 أعوام، وتراجع الثقة في القطاع الصناعي إلى -8.8 نقطة من -5.8 نقطة في أغسطس، وهو أدنى مستوياتها منذ يوليو 2013.  

المفوضية الأوروبية قالت -في تقرير لها الجمعة الماضية- هذه الأرقام تعكس “تدهور كبير” للثقة في الصناعة، إذ تعاني المصانع المنطقة من تداعيات توترات التجارة العالمية وتأثيرها على حركة التصدير، وبالتبعية الإنتاج.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، خلال الأيام الماضية أعلنت كوريا الجنوبية عن هبوط معدلات تجارتها الخارجية إلى ما دون التوقعات، وفي اليابان واصلت الثقة في قطاع التصنيع تراجعها للشهر الرابع على التوالي، فيما اضطر المركزي الأسترالي إلى تخفيض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوى في تاريخها، لتحفيز الأسواق، ويستعد عدد من البنوك المركزية في اقتصاديات أوروبا إلى مزيد من الخفض، وسط فشل الاقتصاد العالمي في التعافي من التباطؤ، وسط الشكوك التي تكتنف البريكست واستمرار الحرب التجارية بلا أفق للحل.

تخفيضات لآفاق التجارة والنمو
أمام هذا اضطرت منظمة التجارة العالمية إلى خفض توقعاتها لنمو التجارة الدولية هذا العام بأكثر من النصف، وقالت في بيان أمس: المزيد من جولات الرسوم والإجراءات الانتقامية وتباطؤ الاقتصاد وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بشكل غير منظم، ربما يؤدي إلى مزيد من الخفض في توقعات النمو، مطالبة الدول الأعضاء بحل الخلافات التجارية والتعاون لإصلاح المنظمة.

وتوقعت المنظمة زيادة للتجارة الدولية بنسبة 1.2%، انخفاضا من 2.6%، وبلغ نمو التجارة العالمية 3% خلال 2018، وبالنسبة لعام 2020، تتوقع المنظمة نموا قدره 2.7%، مقابل 3% في تقديرات سابقة.

وفي مسح شمل 12 ألفا و897 شركة من 133 دولة، أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، ارتفعت نبرات التحذير من خطورة استمرار ضعف النشاط الصناعي وهبوط الصادرات وتدهور ثقة المستثمرين والمستهلكين على مستوى العالم، وسط توقعات بتراجع النمو العالمي بنهاية العام بوتيرة أقسى مما عليه اليوم “2.3%”، بعد أن هبط بحوالي 1.% بداية الربع الثالث، فيما يتوقع محللون ببنك دانيسك البولندي أنه بنسبة 30% قد يحدث ركود عالمي في غضون العامين المقبلين.

بحسب نتائج المسح، تعاني الشركات الصناعية في اليابان وروسيا وألمانيا وإيطاليا من انكماش النشاط الصناعي، وسط استمرار حرب الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم، فعلى سبيل المثال اضطرت شركة “كونتننتال” الألمانية -عملاق صناعة مكونات السيارات- إلى تنفيذ خطة إعادة هيكلة ضخمة سينجم عنها الاستغناء عن 20 ألف عامل من فروعها المحلية والعالمية.

بريان كولتون، الخبير الاقتصادى بوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني قال لـ”بلومبرج”: إن واشنطن وبكين وحتى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يتوجب عليهم التحرك باتجاه حل الخلافات المحتدمة فيما بينهم، لإنقاذ الاقتصاد العالمي من موجة ركود باتت وشيكة، كما  يتعين على البنوك المركزية والحكومات أن تبحث عن الوسائل اللازمة لدعم الطلب وتعزيز التجارة عالميا.

فيما يعتقد جون ستولتسفوس، الخبير الاستراتيجيي في إدارة الأصول، أن تراجع النشاط التصنيعي في أمريكا سيكون بمثابة الضوء الأحمر على لوحة القيادة الأمريكية، ليتوجه المركزي الأمريكي صوب خفض الفائدة لدعم الأسعار، وسط استمرار ضغوط الحرب التجارية.

أمام هذه الضبابية هناك أجزاء من الاقتصاد العالمي تظهر بعض المرونة، أبرزها قطاع الخدمات الذي يسجل نموا في أغلب الاقتصاديات، كما لا يزال هناك فرصة لوضع حد للحرب التجارية، إذ من المقرر أن يزور وفد صيني واشنطن هذا الشهر لإجراء محادثات بهدف التوصل إلى اتفاق، قطعا من شأنه أن يحدث خرقا إيجابيا في آفاق النمو العالمي.

  

ربما يعجبك أيضا