بعد مسلسل الجرائم.. هل يحمي الأكراد “الإيزيديين القتلة”؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

قبل بضعة أشهر، عرف العالم الإيزيديين ضحايا لتنظيم داعش الإرهابي وتقدمه بمناطق واسعة شمالي العراق، ما دعا المجتمع الدولي للتحرك لإغاثتهم بعد تهجيرهم من ديارهم في منطقة سنجار وسط تقارير عن تعرضهم لانتهاكات واسعة من قبيل سبي النساء.

عندما يتحول الضحية لـ”جلاد”

المنتهكون أصبحوا منتهكين في غضون وقت قصير هذا ما تقوله الوقائع في عراق اليوم بعدما كشفت الأحداث عن قيام مسلحين يزيديين قاموا بمهاجمة قرى عربية في مناطق سنجار وربيعة غرب محافظة نينوى رداً على فعله تنظيم داعش.

 لكن يبدو أن الضحية يمكن أن تتحول إلى جلاد أيضاً !

على الأقل المسلحون الإيزيديون المنضوون في إطار فصائل الحشد الشعبي، فهؤلاء ارتكبوا جرائم حرب عندما قتلوا العشرات من المدنيين العراقيين العرب من قبيلة متيوت في يونيو حزيران الماضي، وذلك حسب تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش التي تعنى بحقوق الإنسان.

شهود عيان ومراقبون عراقيون قالوا إن أفراد ميلشيا يزيدية قاموا بقتل الرجال وسبي النساء والأطفال .

حكومة الإقليم في مرمى النيران

أسئلة كثيرة تدور حول مسؤولية حكومة إقليم كردستان وقوات البشمركة فيما دار مؤخراً من اعتداءات ضد العرب السنة شمال العراق.

فالكثير من المراقبين يحمل السلطات الكردية مسؤولية السماح للميليشيات الإيزيدية بالقيام بالانتهاكات تحت غطاء قوات البشمركة لاعتبارات عدة أهمها أن المنطقة التي تجري فيها هذه الانتهاكات تقع بالأساس تحت سيطرتها.

ويرجح كثيرون أن العلميات التي استهدفت حرق وقتل قرى مدنيين في مناطق عربية وسنجار على أيدي قوات إيزيدية وقوات الـ”بي كي كي” التابعة لحزب العمال الكردستاني تدخل تحت بند تطهير عرقي في مناطق تعتبر وفق الدستور مناطق متنازع عليها.

فوجود العرب في مناطق شمال العراق قد يكون عقبة أمام انضمامها لإقليم كردستان في أي استفتاء محتمل وتعتقد قوى عربية أن القوى الكردية تستخدم فزاعة احتمال تعاون مع تنظيم داعش لإفراغ تلك المناطق من المكون العربي السني وهو ما يحدث فعلياً الآن بعد نزوح عائلات من قرى سنية في شمال وغرب الموصل.

دانت حكومة إقليم كردستان الجريمة وشكلت لجنة للتحقيق في هذ الأمر لكن نتائج أياً من ذلك لم تحدث وسط تأكيدات من أبناء القبائل العربية بأن قراهم تعرضت وتتعرض لهجمات من الميلشيات الإيزيدية بقيادة قاسم شيشو المعتمد من قبل البشمركة.

وما يثير استغراب القبائل العربية أن يكون القتل والتدمير والتهجير واختطاف الرجال والنساء جزاء وقوفهم إلى جانب الإيزيدين وحماية ممتلكاتهم وأرزاقهم بعد سيطرة تنظيم داعش على سنجار .

ويتهم البعض قوات البشمركة بالتمهيد لما قامت به الميليشيات الإيزيدية من انتهاكات واعتداءات على القرى العربية لسببين: أولها أنها قامت بتفتيش تلك القرى وتجريد الأهالي من أي سلاح ما يجعلهم غير قادرين على حماية أنفسهم.

وثانيهما أن هذه القرى تخضع بكاملها لسيطرة البشمركة ما يعني أنها تتحمل مسؤولية الدفاع عنها خصوصاً وأن إدارة الإقليم تعتبر هذه المناطق جزءاً لا يتجزأ من إقليم كردستان.

ورغم تعبير حكومة الإقليم عن غضبها جراء ما حدث للعرب السنة، إلا أن ذلك لم يحد من النزوح الذي لا يتوقف من قبل سكان هذه القرى التي تجد نفسها قسراً غير قادرة على المشاركة في تحالف ضد داعش.

تسليح الإيزيديين

الانتهاكات التي تعرض لها أفراد الأقلية الإيزيدية على يد تنظيم داعش أب/ أغسطس من العام الماضي دفعت المجلس الروحاني لهذه الطائفة إلى مطالبة حكومة إقليم كردستان العراق لتسليح شباب الطائفة وضمهم إلى تشكيلات قوات البشمركة وهو ما قوبل بترحيب المسؤولين وفتح الباب أمام الراغبين من شباب الإيزيدين في الالتحاق بالجبهات.

تقول مصادر عراقية إن نحو 2500 مقاتل من الإيزيدين التحقوا بصفوف من يحاربون تنظيم داعش شمال العراق بعد تلقيهم تدريبات على أيدي ميليشيات وحدات الحماية الكردية داخل سوريا وهو الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتزعمه حليف نظام دمشق صالح مسلم كما أنه يوصف أيضا بأنه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني.

التقارير الواردة من شمال العراق أثارت تساؤلات عن أهدافها ومستقبل التعايش بين أطياف الشعب العراقي وتماسك النسيج الاجتماعي في ظل الاتهامات التي تطال الحشد الشعبي.

جريمة حرب

رفضت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن يكون للمقاتلين الإيزيدين الحق في ارتكاب انتهاكات إنسانية بحجة أنهم تعرضوا لانتهاكات في السابق.

واعتبرت أن فرض عقوبات جماعية على الأسر والقرى والمجتمعات ينتهك القوانين الدولية ويشكل جريمة حرب بكل المقاييس.

المنظمة طالبت الحكومة العراقية بالحفاظ على سلطة القانون ووقف الانتهاكات، وقالت إنه لايحق أبداً للإيزيديين ارتكابُ الانتهاكات بذريعة تعرضهم هم أنفسُهم لانتهاكات في أوقات سابقة.

الحقيقة أن حمل السلاح لم يقتصر على الإيزيدين فحسب، إذ طالب الشبك والمسيحيون في سهل نينوى بتسليح فوج منهم لحماية مناطقهم.

المجتمع الدولي.. ازدواجية المعايير

لفترة من الزمن استقطبت مأساةُ الإيزيديين في العراق الأضواءَ والاهتمامَ العالميين بعد الانتهاكات التي تعرضوا لها على أيدي داعش ومطالبات المجتمع الدولي بسرعة التحرك لإغاثتهم وتقديم الدعم اللازم لهم.

والسؤال: لماذا تحرك المجتمع الدولي بشكل لافت لحماية الأقلية في العراق ومنهم الإيزيديون بينما يغض الطرف عن نفس الممارسات بحق عراقيين آخرين من المكون العربي ؟

 يبقى الخوف عند كثيرين أن تنجر هذه الممارسات إلى أعمال تطهير عرقي بين الفصائل والطوائف الموجودة لا تبقي العراق كما عرفه أهله طوال تاريخه.

وفي واقع عراقي لا يعرف فيه عوام الناس من سيكون مظلوماً اليوم ومن سيكون ظالما غداً ويعجز الساسة عن تسويات تحقق الاستقرار في هذا البلد، هناك علامات استفهام عدة حول تأثير هذه التعقيدات على المواجهة ضد داعش.

ربما يعجبك أيضا