بعد حادث قبرشمون.. شبح “فتنة الدم” يخيم على جبل لبنان

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

قطع طرق واحتجاجات غاضبة تشهدها منطقة الجبل في لبنان منذ أمس، رغم تحذيرات الجميع من خطورة انهيار مصالحة الجبل الشهيرة بين الدروز والمسيحيين، لكن الأمر ليس بهين موكب وزير تعرض لإطلاق نار وسقط اثنين من مرافقيه ضحية، والفاعل مجهول، والمسؤولية جريمة يحاول الجميع التبرأ منها دون وعي لخطورة إيقاذ فتنة الدم في منطقة مثل الجبل لا يفارقها كابوس الحرب الأهلية.

 في لبنان، يكفي أن تتفوه بكلمة واحدة لتشعل الأجواء وتوترها، والطائفية وندوب الحرب الأهلية هي كلمة السر على الدوام لفهم مشاهد الغضب التي باتت سمة لشوارع لبنان، بالأمس شهد جبل لبنان احتجاجات واسعة على زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل  إلى المنطقة لافتتاح عدد من المقار الحزبية والتأكيد على تحالفه مع الحزب الديمقراطي، وأثناء توجه وزير الدولة لشؤون المهجرين صالح الغريب إلى قرية كفرمتى للقاء باسيل في منزل الشيخ ناصر الدين الغريب شيخ عقل الطائفة الدرزية، تعرض موكبه لإطلاق نار.

وقع إطلاق النار قرب صيدلية الحسام بين بلدتي قبرشمون والبساتين،وأدى إلى مقتل اثنين من مرافقي الغريب هما رامي سلمان وسامر أبو فراج، وإصابة كريم الغريب، وسامر غصن عضو التقدمي الاشتراكي، وفي ضوء هذا ألغى باسيل زيارته إلى كفرمتى وغادر المنطقة بعد أن أشعالها.

نبش قبور الحرب
باسيل بدأ زيارته -غير الميمونة-  إلى الجبل من قضاء عاليه تحديدا من “الكحالة”، وبحسب ما تناقلته وسائل إعلام محلية قال في إحدى خطاباته أمام عدد من مناصريه ومستضفيه: تعرفون تاريخ الرئيس عون في الكحالة وسوق الغرب وضهر الوحش وكل هذه المنطقة التي حمت الشرعية بمعناها العميق، ونحن خلفيتنا الفكرية هي مع الشرعية والدولة والدستور والقانون وفي عز نفينا الجسدي والسياسي لم نخرج على الدستور.

وأضاف كان قراركم هنا، أنتم قررتم البقاء والصمود، وبقيتم وصمدتم، وكوع الكحالة لنا فيه ذكريات كثيرة نحن في التيار الحر، فمن هذا الكوع كانت شرارة توقيفنا في أغسطس 2001، ودائما كان هذا الكوع مركز أحداث فيها نضال وتضحية ومؤشرات تاريخية مهمة.

هذا الكلام اعتبره جمهور “التقدمي الاشتراكي ” بزعامة وليد جبنلاط تذكير بحقبة الحرب الأهلية، فمن المعروف أن الرئيس ميشيل عون هو أحد جنرالات هذه الحرب، والمسيحيون الموارنة عموما وتحديدا حزب القوات اللبنانية  تورط في الحرب الأهلية في سفك دماء الدروز بالجبل، والذين ردوا بدورهم بمجازر طالت المسيحين وأسفرت عن تهجيرهم لسنوات، أنتهت بمصالحة عقدها جبنلاط مع البطريرك الماروني نصرالله صفير عام 2000 ويبدو أنها مهددة الآن بالانهيار.

تبادل للاتهامات وتصريحات نارية
تقاذف فريقي “التقدمي” و”الديمقراطي” مسؤولية حادث موكب الغريب، فالأول طالب بتحقيق عاجل متحدثا عن مؤامرة تحاك لتفجير الوضع بالجبل، فيما وجه الثاني أصابح الاتهام مباشرة لأنصار التقدمي.

 جنبلاط قال في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”: لن أدخل في أي سجال إعلامي، وأطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيدا عن الأبواق الإعلامية.. واتمنى على حديثي النعمة في السياسة أن يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كل التيارات السياسية دون استثناء، لكنه يرفض لغة نبش الاحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم.

من جانبه قال رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان: نحن نجمع المعطيات، وأدعو إلى وقف المزايدات، ووقف أكل الهوا والمرجلة من وليد جنبلاط وأكرم شهيب وغيرهم، فالجبل لم يعد يحتمل على الإطلاق، ولن نسكت، والجبل ليس ساحة مفتوحة لكل من يريد تنفيذ مخططه، فسلم الجبل هو الأساس، ومن يتحدث عن البوابات، فمع احترامي لكل البوابات، لا أرى أكبر من بوابة خلدة، لا عند الدروز ولا عند غيرهم، في إشارة إلى غضب أنصار جنبلاط من أن زيارة باسيل كان يجب أن تكون من خلال بوابة جنبلاط باعتباره زعيم الدروز، على الرغم من عدم الوفاق بين الطرفين.

وتابع أرسلان: صالح الغريب هو ابن أخ شيخ العقل، وابن كفرمتى الذي دفع أثمانا باهظة جدا في الحرب، لذلك كفى مزايدة، صالح الغريب وطلال أرسلان لن يستغلا دماء الناس لتحقيق المصالحات المشبوهة بالشكل، والمفخخة في المضمون.

الوزير الغريب من جهته، قال في مقابلة تلفزيونية: ما جرى اليوم هو محاولة اغتيال متعمّد بعد ذهابي إلى شملان للقاء الوزير جبران باسيل والطلب منه تأجيل زيارته، تفاجأت بكمين مسلّح، الشباب الذين كانوا معي لم يطلقوا النار على أنفسهم واثنان منهم أصيبا برأسيهما، ما ينفي إدّعاء أنّنا نحن من قام بإطلاق النار.

وأضاف يبدو أن هناك من اتخذ قرار تفجير البيت الداخلي لتحصين موقفه ونحن لسنا تلامذة عند أحد، ولا نخجل من تحالفنا مع باسيل، وكأننا اليوم عدنا إلى قصة بدك فيزا لتفوت، وهذا ما لن نسلم به، ونحن لا نرضى أن تقطع علينا الطرقات في الجبل، بل نحن بي الصبي عند الدروز، ولا يزايدن أحد علينا.

التيار الوطني الحر أدلى بدلوه أيضا فقال في بيان: ألغى رئيس التيار الوزير جبران باسيل زيارة كانت مقررة إلى كفرمتى من ضمن الجولة التي يقوم بها في قضاء عاليه، تفادياً لأي اشكال أمني بدت بوادر حدوثه بين القوى الأمنية وعناصر الحزب التقدمي الاشتراكي الذين عمدوا إلى القيام بأعمال أمنية مشبوهة، وقد وقع المحظور فعلاً وحصل إطلاق نار على موكب الوزير صالح الغريب.. نعتذر من اهلنا ومناصرينا في الجبل عن عدم إكمال الزيارة تفادياً للأسوأ ونعزي الأمير طلال أرسلان والحزب الديمقراطي بشهدائه.

وأضاف أن رئيس التيار، وهو يزور مناصريه التيار والمنتسبين إليه من مسيحيين ومسلمين في قضاء عاليه، قد دعا في كلماته الى الانفتاح والتلاقي والوحدة ببن اللبنانيين وقد قوبل بهذه التحركات التي تذكر اللبنانيين بزمن حرب مضت وانتجت أحزاناً ومأسي وتهجير، تهجير لم يقفل ملفه بعد، لا بالوزارة ولا بالنفوس.

محاولات رأب الصدع
 وبعد الحادث بقليل بدأ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سلسلة اتصالات لاحتواء الوضع في “عالية”، شملت قيادات “التقدمي” و”الديمقراطي” وقيادات الأجهزة الأمنية في محاولة لإعادة الهدوء إلى الشارع، وصباح اليوم عقد الرئيس ميشيل عون اجتماعا للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا، لمتابعة التطورات.

ووجهت وزيرة الداخلية والبلديات ​ريا الحسن​، أمس، ​الأجهزة الأمنية​ بالبدء فورا في التحقيق في حادثة موكب الوزير الغريب بقبرشمون، والعمل على إعادة فتح كل الطرقات التي عمد أنصار من الفريقين إلى قطعها منذ الصباح الباكر في حمدون وبعلشميه وصوفر.
إلى ذلك قام الجيش اللبناني بتكثيف دورياته في بلدات وقرى عاليه، خشية من انفجار الأوضاع.

 يطرح الحادث تساؤلات عدة حول حقيقة المصالحات السياسية في لبنان، وأزمة الطائفية والاستغلال السياسي للنعرات الطائفية، فضلا عن ملف السلاح.. نستطيع أن نقول أن السلاح في لبنان في يد الجميع جماهير الأحزاب وجماعات الوزراء والعشائر وغيرهم، وبالطبع حزب الله وهو بحد ذاته إشكال لسنا في معرض الحديث عنه، يكفي أن نعرف أن لبنان هو التاسع عالميا من حيث امتلاك السلاح فبحسب دراسة لمؤسسة “مسح الأسلحة الصغيرة” نشرت يونيو 2018، بحوزة كل 100 مدني في لبنان 31.9 قطعة سلاح!

ربما يعجبك أيضا