قبل أيام من انتخابات الكنيست.. غزة المحاصرة بين المساومة السياسية والدعاية

محمد عبد الدايم
كتب – د محمد عبدالدايم
اندلعت -صباح الأحد الماضي- جولة تصعيد خاطفة، شنت فيها فصائل المقاومة بغزة قذائف صاروخية باتجاه إسرائيل، اعترضت منظومة القبة الحديدة بعضها دون خسائر بشرية إسرائيلية.

وفي مساء اليوم نفسه أطلقت فصائل فلسطينية وابلا إضافيا من الصواريخ على مناطق جنوبي إسرائيل، وبالطبع ردت قوات الجيش الإسرائيلي بغارات جوية على مواقع لحركة الجهاد الإسلامي في غزة ودمشق، وأعلنت الحركة عن مقتل اثنين من عناصرها قرب مطار دمشق.

جاءت نوبة التصعيد الأخيرة بعدما قتلت قوات الاحتلال شابًا فلسطينيًا على حدود قطاع غزة، زعمت أنه “كان يهم بوضع عبوة ناسفة”، وبعد قتله جرفته القوات وسحلته بجرافة ضخمة في مشهد ليس غريبًا عن ممارسات الجيش الإسرائيلي.

وفقًا لبيان الجيش الإسرائيلي؛ فإن العملية استهدفت منع الفلسطيني من زرع العبوة الناسفة، وقتل اثنين آخرين حاولا التسلل عبر السياج الحدودي الفاصل مع القطاع، وقد ردت الفصائل الفلسطينية بوابل من الصواريخ بلغ 20 صاروخًا اعترضت القبة الحديدية نصفها، فيما لم تسبب بقية القذائف خسائر بشرية.

أخذت قوات الجيش جثة الفلسطيني الذي قتلته وسحلته بالجرافة، وهي سياسة إسرائيلية لاحتجاز جثث الناشطين من غزة، لاستخدامها فيما بعد في إطار عمليات التبادل مع حماس التي تحتجز جنديين منذ 2014.

لا تصعيد في الوقت الراهن
رغم زعمه أن الجيش الإسرائيلي قتل 8 عناصر من المقاومة الفلسطينية خلال التصعيد الأخير؛ فإن نفتالي بينط وزير الدفاع قد صرح بأنه ضد التصعيد مع قطاع غزة حاليا لأنه لا يفيد، ومع ذلك فإن الجيش قد أعد خطة عسكرية سيتم تنفيذها عما قريب؛ لأن الوضع –على حد قوله- “لا يُطاق منذ 20 عامًا”.
العودة إلى التهدئة السريعة يبدو أنه كان خيارًا مشتركًا للطرفين، إسرائيل وحماس تحديدًا، فقد نقلت تقارير صحفية أن حماس أرسلت، عبر الوسطاء، رسالة إلى إسرائيل بضرورة فتح المعابر والالتزام بالتهدئة، وإلا ستبدأ في استخدام وسائلها الأخرى.
رغم النبرة المُهددة من بنيامين نتنياهو ونفتالي بينط؛ فإنه من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لم ترغب في توسيع نطاق التصعيد أو استمرار تبادل إطلاق الصواريخ في هذا الوقت تحديدًا، قبل أيام من انتخابات الكنيست، بالإضافة إلى أن التراشق بالصواريخ أظهر أن القبة الحديدية لا يمكنها بحال أن تتصدى بنسبة 100% للقذائف المنطلقة من غزة باتجاه مستوطنات “الغلاف” أو المدن الإسرائيلية ومنها تل أبيب.
كابوس الصواريخ والبالونات

لا تعني الرغبة في التهدئة أن إسرائيل مطمئنة تمامًا لاستمرار الأوضاع تحت سيطرتها، فالقذائف الصاروخية تحديدًا تثير قلقًا متزايدًا، مع تهديد حماس بأنها تستطيع إطلاق رشقات صاروخية على تل أبيب لمدة متواصلة تمتد إلى ستة أشهر خلال أي مواجهة قادمة، وهذه التهديدات تدفع إسرائيل للعمل على عدم التصعيد “الشديد”، خصوصًا وأن الفصائل الفلسطينية باتت تملك تهديدًا من نوع آخر يتمثل في البالونات الحارقة.

إسرائيل تهدد بأنها لن تصمت أمام المزيد من الرشقات الصاروخية والبالونات، بينما تضغط حماس والفصائل الأخرى في غزة بهاتين الوسيليتن لانتزاع بعض التسهيلات للقطاع المحاصر، وهذا ما دفع، بعد هذه الجولة الخاطفة، كميل أبوركن، منسق أعمال حكومة إسرائيل في المناطق الفلسطينية، للإعلان عن إعادة فتح معبري كرم أبي سالم وإيرتز، وتوسيع مساحة الصيد في المتوسط بدءًا من صبيحة الخميس لتعود إلى 15 ميلا بحريًا. 

التصريحات التهديدية لنتنياهو وحكومته تُواجه بتهديدات من غزة، فيما يبدو إذن سياسة تتبعها الفصائل الفلسطينية لانتزاع بعض المكاسب التي تمنح متنفسًا ضئيلا لسكان غزة، وتفسح مجالا للتفاوض حول التهدئة كل مرة، خصوصًا بعدما أصبحت الرشقات والبالونات تسبب ضغطًا كبيرا على الحكومة الإسرائيلية والجيش، من سكان “غلاف غزة” الذين يرتعبون مع كل صافرة إنذار، ومن المعارضة السياسية لبنيامين نتنياهو الذي يدخل معركة الانتخابات بعد أيام، ويبدو أنه يشتري مزيدًا من الهدوء، ويتحاشى أي خسارة بشرية قد تكون عواقبها وخيمة عليه.

أظهرت استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة تفوقًا، لأول مرة منذ فترة، لحزب هاليكود على كاحول لافان، ومن ثم أدرك بيني جانتس أنه يجب أن يستثمر صور الصواريخ التي سقطت على مستوطنات “غلاف غزة” كي يحاول تحسين وضع تكتله، وإعادته للصدارة مرة أخرى، خصوصًا وأن نتنياهو وتابعيه من أحزاب اليمين والحريديم قد شنوا هجومًا مستمرًا على كاحول لافان تحت زعم أنه يلقى تأييدًا من القائمة العربية المشتركة، حتى خرجت شعارات تقول إن من يدعم جانتس في الواقع يدعم حكومة يكون أحمد الطيبي عضوًا فيها.
من هنا كان التحرك السريع من قادة كاحول لافان، خصوصًا الثلاثي بيني جانتس وموشيه يعلون وجابي أشكنازي، رؤساء أركان الجيش السابقين، لكبح التراجع السلبي “النسبي” لصورة التكتل الذي يتنافس في الانتخابات بهدف إسقاط نتنياهو.

في الأيام الأخيرة كان بيني جانتس ينتقل من استوديو إلى آخر، يلقي تصريحات مفادها بأن “قوة الردع الإسرائيلية تتآكل” وسياسة نتنياهو تجاه غزة تفشل يومًا بعد يوم”، ويؤكد بأن الدورة القادمة من الانتخابات ستكون الأخيرة، ويجب بعدها وضع سياسية “صارمة” تجاه غزة؛ لأن “هنية يعدد ونتنياهو يتراجع”، على حد زعمه.

لكن مع ذلك؛ ما زال نتنياهو يتمتع بجماهيرية معضدة، استنادًا إلى سياساته الأمنية “الناجحة” في العديد من الملفات، خصوصًا الملف الإيراني، فقد استطاع بيبي تحقيق تفوق كبير في الفترة الأخيرة على إيران على أكثر من صعيد، لعل من أهمها استلاب أسرار الملف النووي من قلب طهران، وتوجيه ضربات موجعة لإيران في سوريا، ويظل موقفه بالنسبة لغزة “مريحًا بعض الشيء” لأنه لم يجنح لمغامرات عسكرية تكلفه خسائر بشرية كبيرة.
لكن التدهور الأمني في غزة، قبل أيام من الانتخابات، سبب قلقًا مفاجئًا لبيبي، وانتعاشًا إعلاميًا وجماهيريًا لجانتس الذي ووجه بهجوم مباغت بعد الحديث عن التحقيق في قضية شركة “البعد الخامس” التي كان شريكًا بها، وخرج حديث عن صفقة “مزعومة” بين الشركة وبين الشرطة الإسرائيلية.

ستشهد الفترة القريبة المقبلة اتضاح الرؤية حول مسألة غزة، ومدى استعداد إسرائيل لاستمرار التهدئة، أو الدفع لعودة سياسة الاغتيالات، أو حتى التفكير في حرب جديدة، فقد أصبح القطاع محاصرًا أمنيًا، ورهنًا للدعاية السياسية.

غزة.. ورقة انتخابية

قبل أيام من انتخابات الكنيست الـ23 احتدم الجدل السياسي بين الأطراف المتنافسة حول غزة ووضع مستوطنات “الغلاف”. تكتل كاحول لافان الذي يقوده بيني جانتس استغل صور القذائف الصاروخية التي سقطت ومشاهد “الفزع” التي بدت على وجوه السكان الإسرائيليين من أجل مهاجمة سياسية نتنياهو تجاه القطاع المحاصر، لتحسين وضعه في استطلاعات الرأي، ولكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات

ربما يعجبك أيضا