إفلاس “توماس كوك”.. أولى صدمات بريكست العالمية

حسام عيد – محلل اقتصادي

أُسدل الستار اليوم عن شركة كانت في القلب من مشهد السياحة العالمي بعد أن أرهقتها المصاعب المالية ولم تجد من يمد لها العون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

توماس كوك؛ شركة السياحة والسفر الأقدم في العالم، ذات 178 عامًا، تعلن إفلاسها، وتوقف عملياتها بأثر فوري، وسط تعثر مفاوضات حزم الإنقاذ.

إفلاس بمثابة صدمة قوية لقطاع السياحة العالمي؛ إذ كانت الشركة تستأثر بحصة لا بأس بها من حركة الحجوزات والطيران بالقطاع.
وتدير الشركة فنادق ومنتجعات وشركات طيران وتقدم خدمات إلى أكثر من 19 مليون شخص سنويا في 16 دولة. وهناك أكثر من 600 ألف عميل لها خارج بلادهم بالفعل في عطلات حاليًا، مما يضطر الحكومات وشركات التأمين لتنسيق عملية إعادة ضخمة.

التقدم بإعلان الإفلاس والوقف الفوري

– الشركة البريطانية للسفر والرحلات والتي تعد الأقدم بالعالم تقدمت بطلب للتصفية الإجبارية إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة ، بعد أن تعثرت المحادثات بين المساهمين في الشركة ودائنين للحصول على نحو 200 مليون جنيه إسترليني للإبقاء على الشركة بالسوق.

– كان هناك نوع من الحزم لإنقاذ شركة توماس كوك عبر عرض شركة فوسون الصينية ما يقارب 900 مليون جنيه إسترليني في محاولة لإنقاذ الشركة البريطانية من ديونها الكبيرة، لكن بآخر اللحظات قامت توماس كوك بالحديث عن حاجتها لـ 200 مليون جنيه إسترليني إضافية، وهو ما عارضته الشركة الصينية التي في الأساس مستثمرة بحصة 18% في توماس كوك.

فيما اشترطت شركة فوسون الصينية تحويل جزء من هذه الديون إلى أسهم، وهو الأمر الذي سيجعل من “فوسون” صاحبة الحصة الأغلبية الأكبر في شركة توماس كوك.

– صاحب إعلان الشركة وقف العمليات ورحلات الطيران التابعة لها حالة من الجدل والهلع في بريطانيا.

– إعلان الإفلاس هدد 22 ألف وظيفة، منها 9 آلاف في بريطانيا.

– هناك 600 ألف عميل يقضون عطلاتهم في الخارج، منهم أكثر من 150 ألف بريطاني في رحلات سياحية خارج البلاد.

– الإفلاس دفع الحكومة البريطانية لإعلان حالة طوارئ تهدف لإعادة البريطانيين المتواجدين بالخارج.

رحلة تدهور “قلب” السياحة العالمية

رحلة سقوط الشركة لم تأت على قدر تاريخها؛ إذ بدأت إيراداتها في التراجع خلال الأعوام القليلة الماضية وهو ما عزته الشركة إلى مشاكل عدة، من بينها الاضطرابات السياسية في المقاصد السياحية وتأخير العملاء لحجز رحلات إجازاتهم بسبب أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واضطرابات بأسواقها الرئيسية على غرار تونس وتركيا.

وبالنظر إلى البيانات المالية للشركة البريطانية، يتضح أنه هناك صورة متضاربة، ففي الوقت الذي تشهد توماس كوك تراجعًا كبيرًا في أرباحها، وتحديدًا خلال النصف الأول من 2019 بما يعادل (-1.5%)، بعد أن حققت إيرادات قدرها 9.6 مليار جنيه إسترليني في 2018، البعض قد ينظر إلى السيولة النقدية ورأس المال العامل السالب على أنه إشارة سلبية، في حين أن هذا الشكل يعد مثاليًا بالنسبة للشركات العاملة في قطاع السفر.

ويتداول رأس المال العامل لـ”توماس كوك” بالنطاق السالب، يعود لالتزامات الشركة التي تمثل الضعفين بالنسبة لأصولها قصيرة الأجل، فهي تعتمد على ودائع في صورة دفعات أولية تتلقاها في أشهر الصيف قبل القيام بتسيير رحلات سياحية لعملائها، وهو أمر طبيعي.

لكن التراجع الحاد في القيمة السوقية للشركة، هو العامل السلبي الأبرز، فالتراجعات تعود لشهر مايو 2018، فبعد أن لامست القيمة السوقية 1.85 مليار جنيه إسترليني، اتخذت مسارًا هابطًا بوتيرة قياسية خلال الأشهر الماضية، لتسجل 53 مليون جنيه إسترليني.

الديون “معضلة هائلة”

جزء من معضلة شركة توماس كوك يتعلق بمقدار ديونها الكبير والذي يتجاوز 1.7 مليار إسترليني، وكان جزء من حزم الإنقاذ المعروضة على الشركة يتحدث عن إلغاء هذه الديون، وجزء أخر يتحدث عن تحويل بعض الديون إلى أسهم، وهو الأمر الذي ضغط على صناديق التحوط التي قامت بشراء تكلفة التأمين على ديون الشركة لـ3 أعوام، وهي سندات بآجال استحقاق حتى 2023، ومن ثم إذا قامت “توماس كوك” بالتخلف عن سداد ديونها سيكون أمرًا إيجابيًا لتلك الصناديق.

وحينما تحدثت الشركة عن حزم الإنقاذ وقدرتها على دفع ديونها، قامت صناديق التحوط بمعارضة تلك الفكرة حتى لا تفقد استثماراتها.

وتتوزع حصص أسهم “توماس كوك” والبالغة 1.54 مليار سهم إلى؛ 18.1% لشركة فوسون الصينية وهي الحصة الأكبر، و15% لشركة إنفيسكو، و6.15% لشركة ستاندرد لايف، و5.03% لشركة ماراثون، و4.99% لشركة أوربس، بينما بلغت حصة كابيتال جارديان 4.97%.

السوق التركي الخاسر الأكبر

انهارت توماس كوك، أقدم شركة رحلات في العالم، اليوم لتتقطع السبل بنحو نصف مليون من السائحين في أنحاء العالم وتنطلق أضخم مساعي إعادة مواطنين من الخارج في زمن السلم في التاريخ البريطاني.

ويعد وقف توماس كوك بيع الرحلات، تهديدًا بالغًا لأسواقها الرئيسية، وفي مقدمتها تركيا، فهناك 45 ألف سائح في تركيا قدموا من بريطانيا وباقي دول أوروبا من خلال توماس كوك.

وبدوره، قال رئيس اتحاد الفندقيين في تركيا، إن انهيار شركة السياحة البريطانية توماس كوك يعني أن تركيا قد تشهد فقدان ما بين 600 و700 ألف سائح سنويا.

كما أن الشركة مدينة بما بين 100 و200 ألف جنيه إسترليني لبعض الفنادق الصغيرة، والتي قد تعاني نتيجة الانهيار.

وفي السوق التونسي، قال وزير السياحة إن شركة توماس كوك تدين للفنادق التونسية بمبلغ 60 مليون يورو (65.9 مليون دولار) عن إقامة سياح في شهري يوليو وأغسطس، مضيفا أن 4500 عميل من شركة توماس كوك ما زالوا في البلاد يقضون عطلاتهم.

وقال سياح بريطانيون إن فندقًا تونسيًا منعهم من المغادرة قبل أن يتم الاتفاق مع توماس كوك.
 

ربما يعجبك أيضا