جدار عفرين العازل.. محاولات أنقرة لتتريك الشمال السوري

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

تتوالى أنباء متواترة عن إقامة تركيا لجدار عازل في عفرين بريف حلب الشمالي، بدءاً من قرى مريمين، شمالاً إلى كيمار، جنوباً بهدف عزل المدينة. واستمر الجيش التركي بالزج بالكتل الإسمنتية إلى داخل قرى عفرين رغم علو أصوات أكراد سوريا المنددة بالجدار في قرية كشتعار، وتؤكد الأنباء، أن الجدار قضم جزءاً كبيراً من الأراضي، وأشجار الزيتون التي تمثل رمزاً للسلام اشتهر بزراعتها تاريخياً أهالي مدينة عفرين.

لا يقتصر الوجود التركي في المناطق الشمالية في سوريا على الجانب العسكري فقط، بل تعمل السلطات التركية بالتعاون مع الفصائل السورية المعارضة الموالية لها على نشر الثقافة واللغة التركية إلى جانب احتكار المشاريع الاقتصادية الرئيسية في المنطقة.

كيف بدأت العملية؟

في أغسطس 2016، أطلقت تركيا عملية عسكرية سمتها “درع الفرات” بالاشتراك مع جماعات سورية مسلحة في المناطق التي كانت وقتها خاضعة لسيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية”. وفي بداية عام 2017، استولت القوات التركية وحلفاؤها على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، الممتد بين جرابلس في الشرق واعزاز من الغرب ومنطقة الباب إلى الجنوب.

كان هدف تركيا العلني وقتها، محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، أما هدفها الاستراتيجي الأهم، فكان منع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من التوسع في المناطق الواقعة غربي نهر الفرات.

وفي يناير 2018، أطلقت تركيا وجماعات مسلحة موالية لها عملية عسكرية جديدة في المنطقة، وكانت هذه المرة تهدف إلى السيطرة على منطقة عفرين الكردية، التي كانت تحت حماية المقاتلين الأكراد منذ بداية الأزمة السورية.  ومنذ ذلك الحين، تحدثت عدة منظمات حقوقية عالمية ووسائل إعلام عن تردّي الحالة الاقتصادية والأمنية والإنسانية في هذا الجزء من سوريا.

جدار فصل

خطة بناء الجدار العازل تمتد 70 كيلومتراً يحتوي أيضاً على أبراج مراقبة متصلة مع مراكز لقيادة القوات التركية في إدلب، على أن تستكمل تركيا بناءه على طول الحدود التركية السورية ليصل إلى 711 كيلومتراً أنجزت منه 564 كيلومتراً في خطة وصفتها بالسد التركي.

في المقابل، أعلنت العاصمة السورية أن القوات التركية طردت جزءاً من أهالي عفرين بهدف إحلال فصائل تتبع لتركيا وصفتهم بمجموعات إرهابية، متهمة أنقرة بقطع أشجار الزيتون وتشريد الأهالي في عفرين وأغلب قاطنيها من الأكراد السوريين، وأن هدف أنقرة طرد الوحدات الكردية، التي تصنفها أحزاباً إرهابية وعلى صلة بحزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا منذ عقود، بينما تنفي روسيا على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف أن يكون أكراد سوريا مصنفين لدى روسيا الاتحادية على قوائم الإرهاب.

تتريك ممنهج

أن تركيا لا تستخدم أساليب الاحتلال فقط بل والتتريك الممنهج سعياً منها إلى طمس هوية سوريا، وأضاف “من عمليات التتريك استبدال الهوية السورية والمناهج التربوية وتغيير معالم المدينة ونشر الثقافة التركية، على طول الأراضي التي تسيطر عليها”.

الأمر المرفوض عربياً وحتى كردياً إذ تشي الأنباء الواردة من الشمال أن أحزاباً كردية تتحضر لعمليات عسكرية لاستعادة السيطرة على عفرين بعد تفرغ الوحدات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من حربها في آخر معاقل داعش، في الباغوز، شرق سوريا في التاسع من فبراير، وجاء ذلك على لسان القيادي ألدار خليل منوهاً بالإسراع بالعمليات العسكرية نحو المدينة لاستعادتها.

هوية تركية

تشرف تركيا بشكل مباشر على المجالس المحلية التي تدير المناطق الواقعة بين جرابلس والباب وعفرين. تتبع هذه المجالس لما يسمى بـ “الحكومة السورية المؤقتة” التي تتخذ من تركيا مقرًا لها، وتستلم رواتب موظفيها من الحكومة التركية.  وقال مسؤول من الجماعات المعارضة الموالية لتركيا في مارس الماضي بأن مجلس عفرين يتبع إدارياً لمقاطعة أنطاكيا (هاتاي) التركية المجاورة.

وجاء في تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في يونيو2018 بأن حاكم هاتاي قد عيّن أثنين من المسؤولين الأتراك للإشراف على الحكم في منطقة عفرين. وفي منطقة الباب، تقدم السكان بطلب الحصول على بطاقات هوية جديدة صادرة عن السلطات التركية. وفي حال نجاح هذا المشروع، سيُطبق في المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرتها.

مشهد الجدار العازل يذكّر بجدار الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، فعلى الرغم من أنه ثالث أطول جدار في العالم، ومخاوف إسطنبول من هجمات مسلحة على حدودها، يتنادى السوريون عرباً وأكراداً مشدّدين على أنه في حال لا بد من بناء الجدار، فيجب أن يكون على الحدود وليس على الأراضي السورية لفرض أمر واقع مع حتمية انهياره، كما انهارت جدران عازلة في التاريخ، ومنها جدار برلين، فالجدران العازلة تهدمها الشعوب المحبة للأمن والسلام والتي هي بحاجة ليس لجدران عازلة بل لجسور إنسانية على مرّ الزمان.

ربما يعجبك أيضا