بأي “غَلاء” عدت يا عيد؟!

كتبت – علياء عصام الدين

“إذا لاحت في الأفقِ القريب بشائر عيد الفطر، خَفَّت وطأة رمضان عن النفوس، وهوّن الفرحُ الموعود من جفاف شهر الصوم، واهتزت صرامةُ التقشفِ في الصدورِ تحت موجة طربٍ آن انطلاقُها، هناك تَجِدُ رباتِ البيوتِ أنفسهن في مكانة الساحر، يتطلعُ إليهن الصغارُ بأعينهم الحالمة، هاتفةً بهن أن يبدعن آيات الكعك اللذيذ، وأن يخلقن من العجين كهيئة العرائس والحيوان والطير”… هكذا وصف أديبنا الكبير نجيب محفوظ أجواء العيد.

تكبيرات العيد، صلاة العيد، فطور صباح أول يوم العيد بعد صيام رمضان، كوب الشاي بالحليب مع الكعك، تجمع الأسرة المصرية، الزيارات المتبادلة؛ جميعها مشاهد كانت تطبع العيد المصري بطابع فريد من نوعه، فما إن يبُثّ العيد روحه في كل شيء حوله، تنتشر الألوان ويصبح الكون أكثر بهجة، وينجلي الجفاف ونودع ملامح الوهن والتعب، وتبتل العروق وينتشر شذى العيد في الأجواء.

في العيد يرقص الأطفال فرحًا، يهرولون إلى الشوارع بملابسهم الملونة، فنسمع دوي زماراتهم ومفرقعاتهم المسالمة، تلوك أفواههم الحلوى ويصنع ضجيجهم البهجة في الأرجاء ليعيد لذكرانا أيامًا كانت ولا أحلى، أيامًا كانت فيها أساريرنا تنتفض فرحًا عندما نسمع مقطع “يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا يا ليلة العيد” فنهرول لنعد العُدة ونستعد للاحتفال.

ولا يخلو العيد من التنزهات في الحدائق العامة وركوب المراجيح واللعب في الملاهي، فطالما كانت طقوس العيد انعكاسًا للمجتمع وكاشفة لطبيعته، فالآباء يجهزون عباءتهم البيضاء النظيفة بعد كيِّها جيدًا حتى يُصلّون العيد، والأبناء يبتاعون الثياب الجديدة، أما فرحة السيدات فتتجلى في العجن والنقش ورشّ السكر وحشو الكعك، وتبادل الهدايا بين الجيران والأحبة والأقارب، ويظهر التنافس في تهادي الكعك والبسكويت وتحضيره وتقديمه، فمشهد صاجات وصواني الكعك التي تجوب الشوارع والتي كانت مظهرًا أساسيًّا من مظاهر الاحتفال بالعيد تلاشى أو كاد، اللهم إلا في بعض المناطق الشعبية والأرياف.

“لمّة العيلة” طقس آخر شارف على الاندثار، فبعد أن كانت العائلات المصرية تتسابق لزيارة بعضها البعض وتبادل “العيدية” والسهر واللعب ومشاهدة المسرحيات التلفزيونية المضحكة، أصبحت الأسر تتنصل من الالتزامات الاجتماعية لضيق الوقت، وتكتفي برسائل التهنئة “الباهتة” ” المقولبة” والجاهزة عبر “الفيسبوك” و”الواتساب”.

وتزيد الأوضاع السياسية والاقتصادية “العيد بلةً” فهي مرآة تعكس فرحة العيد أو ثقله على النفوس، فحزمة الزيادات الجديدة في الأسعار والتي جاءت في غمرة انشغال الناس بموسم العيد كانت كفيلة بتعكير فرحة المصريين به، فمن أسعار الكعك، مرورًا بأسعار السلع الغذائية والمواصلات والمترو والكهرباء، انتهاء بأسعار المحروقات لا زال المواطن المصري يئن تحت وطأة الغلاء، لا سيما أن الأسعار شهدت قفزة وصلت نحو أكثر من 40% عن العام السابق، لينتهي الحال بخيبة أمل كبرى طالت الجميع، وزادت العبء على كاهل المصريين.

وبين تلاشي “روح” العيد، وخواء ” الجيب”، فَقَدَ العيد بهجته وذاكرته الطيبة في الوجدان وأطل علينا بوجهٍ “شاحبٍ” متسول التهمت فيه الأسعار كل جميل فيه لتطفئ نوره وينعدم أثره في النفوس.

قديمًا كان المتنبي يهنئ سيف الدولة الحمداني بقدوم العيد قائلًا: “الصوم والفطر والأعياد والعصر منيرة بك حتى الشمس والقمر” .

وهو ذاته القائل: “عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيد؟!” في هجاء كافور الإخشيدي!

فبأي “غلاء” عدت يا عيد؟!

ربما يعجبك أيضا