استطلاع.. الدين في مجتمعات الشرق الأوسط معضلة في فكر الشباب العربي

محمد عبد الدايم

ترجمة – شهاب ممدوح

يعتقد ثُلُثا الشباب العربي أن الدين مؤثر للغاية في الشرق الأوسط، كما يعتقد ثمانية من كل عشرة شباب أن المؤسسات الدينية تحتاج لإصلاح، وفقًا لنتائج دراسة استقصائية كبرى.

وحسب صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، فقد كشف “استطلاع رأي الشباب العربي لعام 2019″، الذي نُشر يوم الثلاثاء الماضي، أن المواقف تجاه الدين ودوره في المجتمع تتغير بسرعة وسط الشباب البالغين، مع تزايد جاذبية التوجهات العلمانية وسط الشريحة العمرية بين 18 و24 سنة في دول الخليج وبلاد الشام وشمال أفريقيا.

وقال باحثون مرموقون إن الشباب المسلم يواجه “أزمة فكرية عميقة” تجعلهم عالقين بصورة متزايدة بين العالم الحديث والمترابط من جهة، والقواعد البالية التي وضعها علماء محافظون من جهة أخرى.
 
من جهة أخرى، حُثت المؤسسات الدينية لاعتناق الإصلاح والحداثة إذا كانت ترغب فعلًا في أن تظل ذات أهمية.

كما ألقى هؤلاء الباحثون أيضًا باللوم على الجوانب الدينية والطائفية للصراعات في عموم المنطقة.

هناك نتيجة أخرى مهمة جرى التوصل إليها، وهي الرغبة في إنهاء الصراع في سوريا- بغض النظر عن بقاء بشار الأسد في السلطة. في غضون ذلك، تنظر الغالبية في المنطقة الآن  للولايات المتحدة بوصفها عدوًّا لا حليفًا، فيما يُنظر إلى النفوذ الروسي على أنه يشهد تصاعدًا ملحوظًا.

وتشير نتائج الاستطلاع أيضًا إلى تزايد انفتاح العالم العربي نحو قضايا الصحة النفسية، إذ يقول 31 بالمائة من المستطلعين إنهم يعرفون شخصًا يعاني من حالة نفسية مثل الاكتئاب أو القلق. وفي نتيجة ستفاجئ الكثيرين، قال 57 بالمائة من الشباب في العالم العربي (من بينهم 32 بالمائة في دول الخليج) إنه من السهل الحصول على المخدرات.

لقد أُجري هذا الاستطلاع السنوي، وهو الآن في عامه الحادي عشر وتم تنفيذه  بطلب من وكالة “أصداء بيرسون كون ولف” للعلاقات العامة في دبي، عبر مقابلات مباشرة مع 3,300 شخص، في شهر يناير في 15 دولة ومنطقة. لم تكن سوريا وقطر ضمن الدول التي شملها استطلاع هذا العام. لقد طُلب من المستطلعين التعبير عن رأيهم بشأن طائفة من القضايا، من بينها الأحداث والصراعات والعلاقات الدولية الراهنة.

مع ذلك، اعتبر الباحثون أن النتائج المتعقلة بالدين هي الأكثر أهمية. إذ أن نسبة الشباب الذين قالوا إن الدين يلعب دورًا مبالغًا فيه في الشرق الأوسط، ارتفعت من 50 بالمائة عام 2015 لتصل إلى 66 بالمائة في هذا العام. يتفق نصف المستطلعين الآن أن “القيم الدينية في العالم العربي تعطل عملية تقدم العالم العربي” مقارنة مع 42 بالمائة يختلفون مع هذا الرأي.

يقول “آدم رامي”، أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة نيويورك أبوظبي: إن الرغبة في تقليل دور الدين والأمل في إنهاء الصراع مرتبطان ببعضهما البعض.

وأضاف “آدم” أن المستطلعين ربما يُلقون باللوم على الدين بوصفه المتسبب في صراعات مثل الحرب الأهلية السورية والأعمال العدائية في اليمن. وأشار البحث إلى أن غياب الوحدة العربية هو ثالث أكثر الشواغل إلحاحًا لشباب المنطقة، ولا يسبقه في الأهمية سوى القلق من تصاعد تكلفة المعيشة والبطالة.

ويضيف “رامي”: “إن رؤية هذه الأرقام (المتعلقة بتراجع دور الدين) وهي تتزايد بمرور الزمن، هو أمر مذهل”، وتابع: هناك اختلافات إقليمية، لكن ارتفاع هذه الأرقام من 50 بالمائة إلى 66 بالمائة في بضع سنوات هو نتيجة مثيرة للاهتمام.

أعتقد أن رؤية هؤلاء الشباب لكل هذه الصراعات والخلافات الإقليمية، لا سيما في سوريا واليمن اللذين أخذ صراعهما بُعدًا طائفيًّا قويًّا، دفع الشباب للاعتقاد أن هناك مشكلة.

أتصور أن يكون هناك اتجاه مماثل بمرور الزمن وسط الأجيال الأكبر سنًا- بخصوص أن الدين يلعب دورًا مُبالغًا فيه- لكنني أعتقد أن الأرقام ستكون أقل كثيرًا.

ولو فكرت في الأمر، ستجد أن الشاب البالغ من العمر 18 عامًا في المنطقة قد وُلد في وقت قريب من تاريخ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد عايش هؤلاء الشباب في الغالبية العظمى من فترة حياتهم حرب العراق والحرب الأهلية السورية واضطرابات الربيع العربي والآن حرب اليمن. لهذا فإن الصراع هيمن بصورة أساسية على حياتهم بأكملها.

أنا أعتقد أن الكثير منهم لديه رغبة في العودة للوضع الطبيعي، هم يريدون السلام والوظائف والتعليم الجيد والاستقرار”.

لقد وُصِفت نتائج الاستطلاع الخاصة بالدين بأنها “مذهلة” من جانب “أفشين مولوي”، وهو زميل كبير في “معهد السياسة الخارجية” التابع لكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة “جونز هوبكينز” في واشنطن.
 
يقول “مولوي”: “هذا لا يعني أن الشباب العربي أصبح غير متدين- فالبيانات لا تشير إلى ذلك”.

وأضاف: “لكن هذا الأمر يُظهر بوضوح أن الشباب العربي بدأ يفقد الثقة في حكم مؤسساته الدينية، ويريد دورًا أقل للدين في إدارة الشؤون الوطنية”.

فيما يعتقد نصف الشباب العربي تقريبًا (49 بالمائة) أن الدين يفقد تأثيره في الشرق الأوسط، مقارنةً مع نسبة 29 بالمائة يعتقدون أن نفوذ الدين يتزايد.

إن نتائج هذا الاستطلاع كانت “حُلوة ومرّة”، وفقًا لما يقوله “محمد شحرور”، وهو أكاديمي في جامعة دمشق وعالم إسلامي مثير للجدل في بعض الأحيان؛ بسبب مطالبته منذ زمن طويل لإجراء إصلاحات دينية.

يقول “شحرور”: إن الاستطلاع أظهر أن الدين لا يزال مهمًا للشباب العربي، لكن هذا الجيل يواجه أيضًا “معضلة فكرية عميقة” عندما يتعلق الأمر بالتوفيق بين التعاليم المحافظة والعالم الذي يعيشون فيه.

ويضيف شحرور في مقال كتبه بطلب من مؤلفي هذا البحث: “نرى أن الشباب العربي ما يزال مرتبطًا ومخلصًا لدينه بالرغم من عدم اقتناعه ببعض الأفكار والأصول الدينية الموروثة، التي لا تشجع على التفكير الفردي، ما يدفع الشباب للعيش ضمن حدود الحلال والحرام”.

ويستكمل حديثه بالقول: “لقد ترعرع هذا الجيل من العرب وسط اضطرابات حضاراتية بعيدة الأثر، مستفيدًا بتقنيات متزايدة التطور. هذا الأمر سمح لهذا الجيل بمواكبة التطورات العالمية، وجعل عقله منفتحًا على كل الثقافات والحضارات تقريبا”.

وأردف قائلًا: “بينما نرى نحن حاجة وضرورة ملحّة لتلبية الدعوات المطالبة بالإصلاح، تتجاهل هذه المؤسسات والقادة الدينيين، بكل أسف، هذه الدعوات، بحجة المحافظة على الدين. إن الإصلاح قد يكون فعلا هو النهج الأفضل للحفاظ على الدين واستمراره”.

ويستكمل “شحرور” حديثه قائلا: “لقد جاء الإسلام نعمة للعالم، وليس من الحكمة حصره في منظور يعود للقرن السابع الميلادي”.

وفي السياق؛ أظهرت نتائج الاستطلاع أن ما يزيد قليلاً على الثلث، 35 بالمائة، يعتقدون أن قتل جمال خاشقجي، الصحفي والمعارض السعودي، ستكون له تداعيات سلبية طويلة الأمد على نظرة العالم للسعودية؛ فيما يعتقد 16 بالمائة من المستطلعين أن مقتل “خاشقجي” لن يكون له تأثير سلبي حقيقي، بيد أن 44 بالمائة قالوا إن مقتله سيكون له تأثير سلبي مؤقت فقط. لقد قُتل خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر الماضي، وتصرّ السعودية أن هذا الحادث كان “عملية مارقة” غير مصرّح بها.

في غضون هذا، تضاعفت تقريبًا نسبة الشباب العربي الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة بوصفها خصمًا منذ عام 2016، وهو العام الذي انتُخب فيه دونالد ترامب رئيسًا، حيث وصلت النسبة إلى 59 بالمائة.

وعلى النقيض من ذلك، يَعتبر 64 بالمائة من هؤلاء روسيا دولة حليفة.

ويرغب نحو ثلاثة أرباع المستطلعين (73 بالمائة) في إنهاء الحرب الأهلية السورية، بغض النظر عن بقاء الأسد في السلطة.

بينما لا يزال نحو 80 بالمائة قلقين بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لقد كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يعتقدون أن العلاقات الشيعية – السُّنيّة تزداد سوءًا، إذْ ذكر 59 بالمائة أن العلاقات زادت سوءًا خلال العقد الماضي – بزيادة قدرها 11 بالمائة مقارنةً مع العام الماضي.

يقول “ناثان براون”، الأستاذ المتخصص في سياسات الشرق الأوسط في جامعة “جورج تاون” بالولايات المتحدة: إن هناك قادة مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دعوا أيضًا لإصلاح المؤسسات الدينية.

ويذكر الأستاذ براون، وهو رئيس سابق لجمعية دراسات الشرق الأوسط، أن “استطلاعات الرأي دائمًا ما تحمل بعض الغموض”، مضيفًا: “إن تبنّي عملية إصلاح المؤسسات الدينية، يبدو خطوة كبيرة – لكن هذه الخطوة أيضًا قد تعني الكثير من الأشياء المختلفة”.

ويستكمل حديثه قائلا: “الأمر الأكثر ذهولًا هو التعليقات الخاصة بدور الدين. ومن الواضح أن الجيل الصاعد في العالم العربي يناقش قضية الدين انطلاقًا من أرضية تختلف من تلك التي انطلق منها آباؤهم الذين عاشوا أثناء عهد أُطلق عليه اسم “الصحوة الدينية”، وربما تكون هناك فجوات آخذة في الاتساع وسط أفراد المجتمع”.  

المصدر – thenational
للاطلاع على الرابط الأصلي
.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا