في تونس.. “الأليكا” تثير الجدل وتهدد حياة “الشاهد”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

اتهامات بـ”الخيانة العظمى” وتهديدات بالقتل رميا بالرصاص تلقاها، أخيرا، رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، والسبب اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي، من المفترض أنها تأتي استكمالا لاتفاقية أبرمت عام 1995 لتحرير التجارة بين البلدين.

تطالب قوى المجتمع المدني والمعارضة، الحكومة بالتراجع عن توقيع اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي، المعروفة اختصارا بـ”الأليكا”، بسبب عدم توازن القوى الإنتاجية بين تونس وأوروبا خاصة في قطاعي الزراعة والخدمات.

ما هي الأليكا؟
الأليكا هي اتفاقية ثنائية بين الاتحاد الأوروبي و”تونس” كشريك تجاري، هدفها ضمان اندماج اقتصاد الدولة الشريكة في السوق الأوروبية الداخلية، ومواءمة تشريعاتها مع تشريعات الاتحاد، تحديدا التشريعات الخاصة بالمعايير الفنية للإنتاج الزراعي والصناعي وحقوق الملكية.

أسباب الرفض التونسي
المرصد التونسي للفلاحة التابع للوزارة المختصة بقطاع الزراعة نشر -مطلع الشهر الجاري- دراسة خلصت إلى أن تونس ستتحمل العبء الأكبر لرفع الحواجز الجمركية في إطار هذه الاتفاقية، لعدة أسباب لعل أهمها حقيقة أن الرسوم الجمركية لتونس أعلى بكثير من تلك التي يطبقها الاتحاد الأوروبي، ومهما كان طول المدة الانتقالية لرفعها بشكل كامل -المدى المقترحة 10 سنوات- فإن تونس ستقوم بمجهود أكبر لإزالة هذه الحواجز.

وأضافت سيكون إلغاء الحواجز الجمركية من قبل بروكسل أقل ثقلا عليها، وسيكون له انعكاسات ضعيفة جدا على السوق الداخلية خاصة، في حين سيهدد هذا الإلغاء قطاع الزراعة التونسي بمزيد من عدم الاستقرار والإغراق بالمنتجات الأوروبية.

تتابع الدراسة منذ 2011 تمثل نسبة إغراق السوق بالذرة والقمح الأوروبي 40%، والشعير والدقيق بنسبة تتراوح بين 20 و30%، وفي حال تحرير التجارة إلى جانب المنح الأوروبية التي تتخذ شكل تمويل مباشر، ستزيد تنافسية صادرات الحبوب الأوروبية مقارنة بالمنتج المحلي، وتشكل واردات الحبوب نحو 50% من الواردات الزراعية بتونس.

ويتوقع مكتب تابع للحكومة الألمانية تراجع الناتج المحلي لتونس بنسبة 0.5%، في حالة تحرير التجارة مع أوروبا بشكل كامل، فضلا عن زيادة العجز التجاري لصالح بروكسل، وتزايد حجم البطالة.

فيما توقع المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية في دراسة له، تحسنا في نمو الناتج الداخلي على المدى البعيد تحديد في 2030، محذرا من أن “الأليكا” ستهدد بشكل مباشر قطاعات الحبوب والزيوت النباتية وزيت الزيتون، بشكل قد يعمق من عجز الميزان التجاري ليرتفع ما بين 2%  إلى 3%، في حال اعتماد اقتصاد حر بالكامل.

وفي هذا الصدد يوصي المرصد التونسي للفلاحة بتعليق التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على “الأليكا”، أو على الأقل تعليق التفاوض فيما يتعلق بتحرير تجارة المنتجات الزراعية، إلى حين توفير إجراءات حمائية تعزز من تنافسيتها أمام المنتجات الأوروبية، كما تقترح الدراسة أن يتم التفاوض بأنظمة تفاضلية أو على كل منتج زراعي على حدا على غرار زيت الزيتون، والتوصل إلى مقاربة تقوم على تحديد قائمة إيجابية للجانب التونسي.

الأصوات الرافضة للاتفاقية، تعتبرها أيضا، عودة للاستعمار، بما تشترطه من تقارب تشريعي بين بروكسل وتونس، على الرغم من أن الأخيرة ليس لها أي فرصة لتصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي، وعلى هذا التخوف تحديدا أجابت بعثة الاتحاد في تونس، بالقول أن التعديل التشريعي  يتعلّق بما تختاره تونس كأولوية.

وقالت دراسة لـ”مؤسسة النمسا للأبحاث التنمية”: إن تبني تونس لتشريعات أوروبية وإن كان من شأنه أن يخفض تكاليف المعاملات بالنسبة للمصدرين التونسيين، فإن تنفيذه سيكون عبئاً ثقيلا على الحكومة والقطاع الخاص، وقد يؤدي إلى انخفاض في الدخل القومي بنحو 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتؤكد الدراسة أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم حتى الآن أي تعهدات بشأن القضايا ذات الأهمية بالنسبة لتونس، مثل تبسيط قواعد المنشأ لصناعة الملابس، وإصلاح نظام حصص الاتحاد الأوروبي لتصدير زيت الزيتون التونسي، ووضع ضمانات لحق تونس – في ظل الاتفاقية-  في تطوير الصناعات الدوائية المحلية ومنظومتها البحثية والتكنولوجية.

الحكومة تحارب وحدها
في أبرز تصعيد ضد “الأليكا”، هدد النائب فيصل التبّيني، رئيس حزب الفلاحين، بقتل رئيس الوزراء يوسف الشاهد في حال تم التوقيع على الاتفاقية، وقال -في فيديو نشره عبر صفحته على “فيسبوك” أمس السبت- إذا تمّ الإمضاء على “الأليكا”، فسيكون ما لك عندي غير الإعدام رميا بالرصاص في شارع الحبيب بورقيبة، على مرأى من كل التونسيين.

واعتبر التبّيني أن هذه الاتفاقية استعمار جديد من أوروبا، وفي حال الإمضاء عليها فسيصبح التونسيون عبيدا، داعيا الفلاحين للثورة، ومطالبا الرئيس التونسي بالتدخل لمنع تمرير الاتفاقية.

وردا قال حزب الشاهد -“نداء تونس” في بيان- نستنكر هذا الخطاب التحريضي والدعوة إلى العنف التي بلغت مداها اليوم بالدعوة إلى القتل، معتبرا أن الجنوح إلى مثل هذه الشعبوية من بعض الأطراف في المعارضة دليل على إفلاس سياسي.

كان الشاهد قد وعد العام الماضي، بتمرير الاتفاقية في 2019، واعترف في تصريحات سابقة بأن تونس ليست في مستوى نمو دول الاتحاد الأوروبي، وليست على نفس المستوى فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية، لكنه يرى أن الاتفاقية سيكون لها مردودا إيجابيا على الاقتصاد الوطني.

الاتحاد الأوروبي هو شريك تاريخي لتونس، فهو يمثل نحو 60% من حجم التجارة الثنائية و70% من الاستثمار الأجنبي المباشر بالبلاد، وعلى أرض الواقع تم رفع الحواجز الجمركية بنسبة كبيرة عن المنتجات الصناعية تحديدا منذ توقيع اتفاقية الشراكة عام 1995، وتبقى المنتجات الزراعية والصحية والخدمات، وفي حال تمتعت تونس ببعض الإصلاحات المتعلقة بقوانين العمل وحرية حركة الأموال واليد العاملة، سيكون في مقدور منتجاتها منافسة نظائرها الأوروبية، فضلا عن استفادتها من تدفقات المال الأوروبي على السوق المحلي في حال تحرير التجارة.

ربما يعجبك أيضا