اتفاق “الاختراق”.. ترامب يدير الحرب التجارية لصالحه

حسام عيد – محلل اقتصادي

بوادر حلول للحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر قطبين في الاقتصاد العالمي تلوح في الأفق، وذلك عبر توقيع واشنطن وبكين اتفاقًا جزئيًا يوم الجمعة الموافق 11 أكتوبر 2019.

اتفاق كبير نسبيًا مقارنة مع ما كان مطروحًا في جولات المفاوضات السابقة لا سيما الأجزاء المتعلقة بالخدمات المالية والمنتجات الزراعية الأمريكية، حيث تم الاتفاق على زيادة بكين المشتريات الزراعية، والتوقف عن استخدام آلية خفض عملتها (اليوان) لدعم صادراتها، والإقرار بحماية الملكية الفكرية للمنتجات والسلع الأمريكية.

هدنة مؤقتة وصفقة محدودة

فبعد شهور من حرب التعريفات الجمركية وجولات المفاوضات المضنية أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق جزئي يعالج قضايا حماية حقوق الملكية الفكرية والخدمات المالية.

كما يتضمن تعهدات بشراء منتجات زراعية بقيمة تتراوح بين 40 و50 مليار دولار.

إعلان ترامب جاء في ختام محادثات أجراها في البيت الأبيض مع نائب الرئيس الصيني ليو خه الذي ترأس وفد بلاده في جولة من المفاوضات بين البلدين استغرقت يومين.

أبرز ما غاب عن الاتفاق

يبقى الحال على ما هو عليه فيما يتعلق بالتعريفات المفروضة أساسًا بين الطرفين، ما يعني عدم تأجيل فرض تعريفات ديسمبر المقبل.

إضافة إلى عدم إحراز تقدم في ملف شركة هواوي الصينية. وكذلك عدم التطرق إلى الخلاف في ملف NBA “دوري كرة السلة الأمريكي”.

اتفاق الاختراق

لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سارع على الفور كي يدير هذا الاتفاق إلى مصلحته، فهو مقبل على انتخابات. وعبر تغريدة على حسابه الرسمي في “تويتر”، اعتبر ترامب الاتفاق من أعظم الصفقات على الإطلاق للمزارعين الأمريكيين في تاريخ الولايات المتحدة، واصفًا إياه بـ “الاختراق”.

بينما أشار وزير الخزانة ستيفن منوتشين إلى أن تفاصيله لا تزال بحاجة إلى مزيد من العمل.

وعلى الفور ردت الصين بالموافقة على زيادة مشترياتها الزراعية من أمريكا من 40 إلى 50 مليار دولار وهي أعلى من المعدلات التي كانت عليها قبل بدء النزاع التجاري.

وتشتري الصين الذرة وفول الصويا واللحوم من الولايات المتحدة الأمريكية.

وبتتبع الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الصين، يتضح أنها شهدت انحسار حتى 2018 بقيمة تقدر بـ 9.2 مليار دولار، وفي أوج مجدها لم تصل حتى إلى 25 مليار دولار، وبالتالي الاتفاق الجديد يتيح للولايات المتحدة الأمريكية الاستفادة من مقدرات مالية صينية جديدة تصل حتى 50 مليار دولار، وهو في صالح أمريكا بطبيعة الحال.

تجميد حمائية ترامب

وبموجب الاتفاق قرر الرئيس الأمريكي تجميد خطة لزيادة التعريفات الجمركية بنسبة 25 – 30% على السلع الصينية بقيمة 250 مليار دولار كان يفترض أن تدخل حيز التنفيز في منتصف شهر أكتوبر الجاري.

كما أعلن وزير الخزانة نية واشنطن إعادة النظر في تصنيف الصين كدولة متلاعبة بالعملة.

الأسواق العالمية تتداعى إيجابًا

رغم أن الأوساط السياسية في واشنطن تلقت خبر الاتفاق المبدئي الذي لن يوقع إلا بعد 5 أسابيع على الأقل بتفاؤل حذر فإنه أدخل انتعاشًا ملحوظًا على الأسواق المالية في نيويورك دقائق قبل موعد إغلاقها، فمؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع بنسبة 1.1%، فيما قفز مؤشر داو جونز الصناعي إلى 1.2%، وحلَّق مؤشر “ناسداك”، الذي يقيس الشركات التكنولوجيَّة، بنسبة 1.34%. وكان هذا الأخير الأكثر تأثراً من الحرب التجاريَّة، كون شركات تكنولوجيَّة أمريكيَّة عدة تصنع في الصين، وتعيد بيع منتجاتها في الأسواق الأمريكيَّة.

والأخبار الإيجابيَّة من الاجتماع الأمريكي – الصيني دفعت المؤشرات الثلاثة إلى إنهاء الأسبوع على ارتفاع قارب 1% لكل من “داو جونز” و”ناسداك”، وعند 0.6% لـ”ستاندرد آند بورز”.

فيما تفاعل المؤشر الأوروبي 600 بتسجيل انتعاشة قوية نسبتها 2.3%.

كما لامس مؤشر الأسواق الناشئة “MSCI” نسبة 1.8%.

وبطبيعة الحال، سجل مؤشر شنغهاي المركب ارتفاعا أقل نسبته 0.9%، وذلك لأن الاتفاق يخدم أمريكا أكثر من الصين.

الاقتصاد العالمي يراقب بحذر

بتتبع مؤشري عدم اليقين في السياسة الاقتصادية والتجارة العالمية، يتضح أنهما بلغا ذروتها في الفترة الأخيرة بشكل لافت، ما يعني أن هناك حالة من التخوفات البالغة والضبابية وعدم اليقين تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي.

ولذلك لن يسهم الاتفاق الجزئي في طمأنة الأسواق بشكل كامل، ولكنه سيكتفي بإرسال بعض الإشارات الإيجابية انتظارًا لقمة الزعيمين دونالد ترامب وشي جين بينغ في تشيلي في نوفمبر المقبل.

ورغم أن الإشارات تبدو إيجابية في أسواق الأسهم بفضل عودة المباحثات، فإن تقريرًا لبنك “أوف أميركا ميريل لينش” أظهر أن هناك مواصلة لبيع الأسهم وشراء السندات من قِبل المستثمرين، إذ قال إن “نحو 11 مليار دولار تدفقت إلى صناديق السندات في الأسبوع الماضي، في وقت باع فيه المستثمرون الأسهم في ظل الحذر من (وول ستريت)”.

وقال البنك، “المستثمرون سحبوا 9.8 مليار دولار من صناديق الأسهم خلال الأسبوع، إذ إنهم ما زالوا يتوخون الحذر في مواجهة تراجع عالمي تكتنفه الضبابيَّة ناجم عن الحرب التجاريَّة بين الولايات المتحدة والصين، والتهديد بمساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وخطر الركود”.

الصين والولايات المتحدة توصلتا إلى المرحلة الأولى من اتفاق تجاري يشمل الزراعة والعملة وبعض جوانب حماية الملكية الفكرية وستخففان قيودًا تجارية متبادلة تفرضاها منذ 15 شهراً.

فهل باتت بكين وواشنطن قريبتين جدًا من إنهاء الحرب التجارية، أم أن وتيرتها ستزداد حدة ما لم يتم جعل الاتفاق مكتوبًا بعد 5 أسابيع؟!.

ربما يعجبك أيضا