التعاون بين الهند وسلطنة عمان: البحث عن بدائل آمنة في بيئة متقلبة

يوسف بنده

رؤية

جاءت زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى سلطنة عمان في وقتها بالنسبة إلى مسقط التي تسعى إلى البحث عن خيارات تكون بديلة بعد أن تغيّرت القواعد في المنطقة الإقليمية وأصبح مبدأ الحياد الذي تقوم عليه سياستها الخارجية محل انتقاد وقد يعود عليها بالسلب على المدى الطويل، خصوصا وأن هناك من يستثمره لصالحه دون مراعاة علاقات مسقط مع غيرها، كما أن البيئة المتقلبة، إقليميا ودوليا، تدفعها إلى توسيع نطاق تحالفها الاستراتيجي، والتحرك نحو تحالفات أكثر أمنا بما يحفظ للسلطنة دورها الإقليمي والدولي في القضايا الكبرى.

وكان رئيس الوزراء الهندي وصل، الإثنين إلى مسقط في زيارة تستمر يومين قادما من الإمارات في ختام جولة عربية بدأها الجمعة بزيارة إلى الأردن، قبل أن يتوجه السبت إلى رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، في أول زيارة يقوم بها منذ توليه منصبه في مايو 2014. والتقى مودي بالسلطان قابوس بن سعيد في “بيت البركة” (قصر السلطنة بالعاصمة مسقط) وبحث معه سبل تعزيز العلاقات بين البلدين.

اتفاقيات
ووقعت سلطنة عمان والهند اتفاقيتين و6 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بينهما في عدة مجالات. وقالت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إن الاتفاقيات شملت الإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي الجوازات الدبلوماسية والرسمية والخاصة، ومجال التعاون القانوني والقضائي بالمسائل المدنية والتجارية. وتم توقيع مذكرة تفاهم بين المعهد الدبلوماسي العُماني (يتبع وزارة الخارجية) ونظيره الهندي، وأخرى بين وزارتي دفاع البلدين بشأن تقديم التسهيلات لزيارة السفن العسكرية الهندية لميناء الدقم في جنوب سلطنة عمان.

ووقعت مذكرة بين كلية الدفاع الوطني ومعهد الدراسات الدفاعية والتحليل بالهند ومذكرة تفاهم في المجال الصحي، وأخرى في المجال السياحي، وسادسة في مجال الاستخدام السلمي للفضاء. كما تم الإعلان مبدئيا عن انضمام السلطنة للتحالف الدولي للطاقة الشمسية الذي يتخذ من الهند مقرا له.

أهمية اقتصادية
وتحمل هذه الزيارة بصمات اقتصادية واستثمارية لدعم جهود إعادة هيكلة الاقتصاد وإصلاح الخلل في بنية التشغيل والإنفاق لجعل الاقتصاد العماني أكثر استدامة وقدرة على المنافسة وفق خطة رؤية عمان 2020، لكن أيضا يصعب قراءة الزيارة بمعزل عن التطورات الإقليمية والدولية، وفي علاقة بالأدوار الدبلوماسية التي لعبتها سلطنة عمان في السنوات السابقة، وأيضا برغبة مسقط في فتح آفاق جديدة والبحث عن بدائل آمنة في ظل التعثر الذي قد تشهده بعض الدول الحليفة في ظل التصعيد الإقليمي والدولي ضدها، وتحديدا إيران وقطر.

عقيدة دفاعية جديدة
تسعى مسقط، التي مرّت في الفترة الماضية بتحديات داخلية صعبة بسبب الوضع الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية، إلى الإبقاء على الخيارات مفتوحة ضمن سياسة تفرضها الخصوصية الجغرافية والاجتماعية للبلاد، وتدفعها دوما إلى البحث عن التوافق واتباع سياسة الحياد.

لكن، هذه السياسة قد لا تفيد في كل الأزمنة ومع كل الأزمات، بما قد يعرض السلطنة إلى مواقف هي في غنى عنها أو يضعها في موقف تجبر فيه على الاختيار والانحياز، ومن ذلك موقفها مع إيران ومع قطر، وتأثيرات تلك السياسة على علاقة سلطنة عمان بمحيطها الخليجي وأيضا علاقتها الدولية مع الولايات المتحدة الأميركية أساسا بالنظر إلى تغير موقف هذه الأخيرة من إيران.

وتخضع مسقط لعدة تجاذبات في وقت واحد، ومن غير الواضح كيف ستؤثر الأولويات المتضاربة على وضعها خلال الفترة القادمة. كما تشي التطورات الدولية والإقليمية بأن هناك تحولات كبرى في المستقبل، وهو الأمر الذي بدت مسقط تعيه جيدا وعكسته التحركات الأخيرة من زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى زيارة رئيس الوزراء الهندي، الذي تعد بلاده حليفا تقليديا وتاريخيا لسلطنة عمان.

وتوجه مسقط نحو هذه الخيارات يعكس تفهّما لهذه التطورات ورغبة في تجاوز أي مصدر للخلاف مع دول الخليج التي بيّنت في مواقف مختلفة تفهّمها للخصوصية العمانية. ومن ذلك، أن الرياض أعلنت في شهر يناير الماضي أنها ستساهم بمبلغ 210 مليون دولار لتمويل منطقة صناعية في ميناء الدقم جنوبي سلطنة عمان، رغم موقف سلطنة عمان من مقاطعة قطر وأيضا تواصلها المستمر مع إيران.

كما لم يتبنّ الخليجيون أي موقف في ما يتعلق باتهام سلطنة عمان بالتواطؤ مع إيران ومع الحوثيين في اليمن لتهديد أمن بلدان خليجية، بل إنهم يتعاملون بحذر مع التقارير التي تشير إلى أن إيران تستخدم سلطنة عمان كمعبر رئيسي للأسلحة إلى اليمن، ولا ينساقون بسهولة وراءها، مراعين خصوصيات الدولة العمانية ومصالحها، إلا أن ذلك لا ينفي أن السعودية والإمارات والبحرين لم تعد تقبل أنصاف المواقف من دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي.

ونفت سلطنة عمان، التي لم تنضم إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، ما تم كشفه عن استخدام الحوثيين أراضيها لتهريب الأسلحة إلى اليمن، لكن تعدد المصادر وتزايد عدد التقارير والعمليات التي تثبت ذلك، يجعلان هذا النفي ضعيفا، خصوصا وأن الطرف الآخر لم يحاول توضيح الموقف ويُخرج سلطنة عمان من دائرة الاتهام.

خيارات أفضل
يشير جاي سولومون، كبير مراسلي الشؤون الخارجية السابق لصحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن سلطنة عمان حليف مهم للولايات المتحدة، لا سيما من خلال مساعدة إدارة باراك أوباما على إقامة قناة خلفية دبلوماسية سرية مع إيران. لكن الوضع مختلف اليوم، حيث أن الموقف المتشدد لترامب بشأن إيران قد يعرّض مسقط لخطر تنامي حدة الخلاف بينهما.

ويضيف سولومون أن مركزية سلطنة عمان بالنسبة إلى الدبلوماسية الإقليمية تضاءلت. لكن، ذلك مرّده السياسة الأميركية المتقلبة منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم، وتأثير المشهد المرتبك في البيت الأبيض على ملفات كثيرة في المنطقة، ورغبة ترامب في القطع مع كل سياسات سلفه باراك أوباما، لذلك لم تظهر أي من طهران أو واشنطن اهتماما كبيرا باستئناف المحادثات المباشرة التي أصبحت مألوفة في عهد أوباما.

ويقول المحلل السياسي السعودي عقل الباهلي في تصريحات صحافية، إن طبيعة الوضع في سلطنة عمان مختلفة عن أوضاع بقية بلدان الخليج العربي، وذلك يحتّم على مسقط بناء علاقات متوازنة إقليميا، مشيرا إلى أن هذه السياسة عرف بها السلطان قابوس منذ الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، وليست سياسة جديدة.

ولا تمانع دول الخليج في أن تقوم مسقط بدور ما في سوريا أو اليمن، أو التوسط لحل الأزمة مع قطر، طالما يأخذ الوسيط العماني مسافة من جميع الفرقاء، ولا يكون معبّرا لوجهة نظر تهدد أمن دول الخليج والمنطقة عموما. ويبدو أن الحل للخروج من هذا المفترق هو دعم الخيارات المفتوحة والآمنة خصوصا مع الدول التي لها تاريخ طويل مع السلطنة.

وتبدو الهند من أقرب وأهم هذه الخيارات حيث المصالح المتبادلة. وكما هو الحال مع مسقط في بحثها عن سند إقليمي قوي، تهدف الهند بدورها إلى الاستفادة من وجود ظهير قوي في المحيط الهندي وقريب لها جغرافيا مثل سلطنة عمان، التي تربطها أيضا علاقات متينة بغريمة الهند التاريخية باكستان، والجمع بين “الخصوم” خصلة تتمتع بها السياسية العمانية ويمكن أن تكون مفيدة إذا ما تم استغلالها على أحسن وجه بما يعود بالفائدة على الجميع.

المصدر: صحيفة العرب

ربما يعجبك أيضا