“شريحة دماغ” إيلون ماسك.. هل يُصبح الإنسان روبوت بلا مشاعر

أماني ربيع

أماني ربيع

جدل ودهشة  أثارهما إعلان مؤسس شركة “تسلا” إيلون ماسك عن شريحة إلكترونية تُزرع في الدماغ وتطلق في داخله قدرات غير محدودة، منها قدرات علاجية للجسم، وأخرى تتعلق بالتحكم في الشعور والذكريات والأجهزة الذكية بشكل يجعل الإنسان أشبه بروبوت، أو إنسان بقدرات خارقة مثل المتحولين في سلسلة أفلام “إكس من” الشهيرة.

لم يتم زرع الشريحة إلى الآن في دماغ بشرية، لكن بحسب مؤتمر شركة ” Neuralink” التي شارك ماسك في تأسيسها عام 2016، ومقرها في ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية، فقد اقترب المطورون كثيرا من تحويل حلم تحكم الرأس البشري بكل ما حوله ذهنيا إلى حقيقة.

وأوضح ماسك عبر المؤتمر، كيفية عمل تلك الشريحة التي أطلق عليها “V2” داخل الدماغ بعد اختبارها على الخنازير والفئران والقرود، ولم تختبر بعد على دماغ بشري بسبب القيود الموضوعة على ذلك وبخاصة في أمريكا، حيث يتطلب الأمر الكثير من الموافقات، وبحسب “ديلي ميل” البريطانية، كان هناك اتجاه لإجراء هذه التجارب على البشر لكن في الصين أو روسيا، بعيدا عن التعقيدات الأمريكية.

إدراك بشري خارق

وعلق الباحث في علوم الأعصاب، بجامعة تورنتو الكندية، جرايم موفات، على هذا الحدث قائلا: “إن المعجزة الحقيقية ستكون بإعلان شركة Neuralink عن نتائج شريحة مزروعة في جسم إنسان”.

وبحسب موقع هيئة بي بي سي البريطانية، قال آري بنجامين، من مختبر كوردنج بجامعة بنسلفانيا، إن التحدي الحقيقي أمام هذه التقنية، هو تعقيد الدماغ البشري، فالشريحة الخاصة بالشركة ستحتاج لفك شفرة إشارات الدماغ، ونحن إلى الآن، غير قادرين على فهم كيفية عمل دماغ البشر، ما سيشكل صعوبة حقيقية أمام شريحة “ Neuralink“.

وبحسب إيلون ماسك، فهذه الشريحة ستكون ذات خاصية علاجية فيما يتعلق بالأمراض والإصابات العصبية، مثل الزهايمر والخرف، وإصابات الحبل الشوكي، وفقدان الذاكرة والسمع وغيرها.

أما الأمر الآخر، فهو إحداث ثورة حقيقية فيما يتعلق بتحكم الدماغ البشري بالأجهزة الذكية عبر الأفكار، ودون أي إشارة أو حركة جسدية، حيث ستدعم الشريحة الدماغ بقدرات غير محدودة.

والهدف البعيد من تلك التجربة، هو الوصول إلى “الإدراك البشري الخارق”، على حد وصف ماسك، وذلك في مواجهة التحديات الي يخلقها التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يرى بعض العلماء أنها قد تتسبب في تدمير الجنس البشري.

وكان حيوان الاختبار لتلك التجربة، “جيرترود” وهي أنثى خنزير، ضمن ثلاثة خنازير شاركوا أيضا وقد تم زرع شريحة إلكترونية بحجم قطعة نقود معدنية في دماغها، وأوضح ماسك من خلالها، أن تلك الشريحة تشبه وجود جهاز تتبع داخل الرأس موصول به أسلاك متناهية الصغر.

وأرسلت الشريحة في رأس جيرترود، إشارات لاسلكية، أظهرت وجود نشاط عصبي في أنفها عند بحثها عن الطعام.

لكن بعض الخبراء يرون أن اختيار الخنزير للتجربة والقياس عليه ليس موفقا أو مقياسا، والأفضل أن يكون حيوان التجارب شمبانزي، فتكوين دماغه أقرب للبشر.

وقد تم الكشف عن الشريحة الأصلية في يوليو 2019، لكن تم تصغير حجمها بصورة كبيرة، وبحسب ماسك، “يمكن زرعها داخل الدماغ، وتكون تحت شعرك دون أن تعرف”.

مخاوف الخصوصية

وتتكون شريحة “Neuralink“، من مجس صغير يحتوي على أكثر من 3000 قطب كهربائي موصلا بأسلاك مرنة أقل سمكا من شعرة الإنسان، ويمكنه مراقبة نشاط 1000 خلية عصبية في الدماغ، ويساعد روبوت متطور في زراعة تلك الشريحة في المناطق المسؤولة عن وظائف الحركة والإحساس بالدماغ، وهي ليست عملية كبيرة، والإنسان الخاضع لها، سيكون تحت التخدير الموضعي، ويمكن إزالة الشريحة.

وعبر الحدث الذي تم بثه عبر الإنترنت، قدمت شركة “ Neuralink” ممثلة في ماسك، طلبا للموافقة التنظيمية على البدء في تجربة تلك الشريحة على البشر، وهو الطلب الذي سبق وقدمه العام الماضي.

ويرى خبراء العلوم العصبية أن تحفيز قدرات الدماغ وقراءة نشاطه، هو أمر يمكن تحقيقه لكن الأزمة هي الجدول الزمني الذي وضعته “Neuralink” لتحقيق ذلك والذي بدا لكثيرين طموحا بشكل مبالغ فيه.

ومنذ سنوات طويلة، كان يتم زرع أجهزة صغيرة لتحفيز الأعصاب ومناطق في الدماغ إلكترونياً لعلاج ضعف السمع و”الباركنسون” أو الشلل الرعاش، كما كانت هناك تجارب أخرى تمت على عدد محدود ممن فقدوا سيطرتهم على وظائف الجسد الحركية، بسبب إصابات الحبل الشوكي والأعصاب الناتجة عن الجلطة الدماغية، نجحت في تمكين البعض من التحكم بلوحة المفاتيح الخاصة بالكمبيوتر، أو”الماوس”، لكن الأمر فشل فيما يتعلق بالمهام الكثر تعقيدا.

وحتى الآن لم تتمكن شريحة “V2” إلا من استكشاف السطح القشري للدماغ، وتأمل الشركة مستقبلا إدخاله بشكل أعمق في خلايا الدماغ الرمادية لمراقبة وظائف الدماغ الأكثر تعقيدا.

وما أثار مخاوف الناس الذين عرفوا بالحدث عبر الصحف ومواقع التواصل، هو أن تلك الشريحة يتم زراعتها في الدماغ بصورة غير ظاهرة، ما يعني أنك قد لا تتمكن من معرفة إذا من كان أمامك يضعها أم لا، لكنها فقط تقرأ أنشطة الدماغ المزروعة به، ما يمكنها من تخطيط وتعديل الوظائف الخاصة.

وهناك شائعات سرت بأن من يضعها سيتمكن من قراءة ومعرفة أفكار الشخص الذي أمامه، والتواصل مع الأجهزة الذكية ما يعني أنه قد يخترق خصوصية الآخرين دون أن يدركوا ذلك، لكن شركة “Neuralink”  أوضحت أنها تعمل حاليا على تطوير برمجة لحفظ الخصوصية ومنع اختراق بيانات المستخدم، والوصول إلى أية بيانات موجودة على الشريحة.

والأمر الآخر، هو الحديث عن تطوير الشريحة مستقبلا لتمكن الدماغ من إلغاء الشعور بالألم، والحزن، وبحسب تصريحات ماسك بالمؤتمر، فإن الشريحة ستتمكن مستقبلا من: “حفظ واستعادة الذكريات، وتخزين نسخة أساسية عنها يمكن تنزيلها فى جسم جديد أو داخل روبوت”.

وقال أيضا: إن الشريحة ستتمكن مستقبلا من التحكم بالذكريات والأحلام وتخزينها، فضلا عن تطوير قدرة الدماغ على التخاطر والبرمجة العقلية.

وأضاف ماسك: “قد لا نحتاج إلى الكلام، حيث يصبح الإنسان قادرا على التواصل دون كلمة واحدة”.

هذه التصريحات جعلت البعض يخشى من تحول الشريحة إلى ما يشبه بطاقة الذاكرة التي توضع في الهواتف الذكية والتي إذا تمت إزالتها من دماغ الشخص، تُمحى ذكرياته وشخصيته.

لم يجب إيلون ماسك عن الكثير من الأسئلة التي بدأ الناس في طرحها عقب الإعلان عن شريحته، وركز في عرضه على الإيجابيات المحتملة من تطوير تلك الشريحة، وسط انبهار الجميع بما يقول، لكن بعد ما زال الانبهار بدأت التساؤلات حول طبيعة تلك التقنية التي قد تكون حجرا جديدا في انتهاك الخصوصية الناتج عن التطور التكنولوجي، وإمكانية اختراقها بحيث يتمكن المجرمون الإلكترونيون من الوصول إلى بيانات من يضع الشريحة وقراءة أفكاره ومحو مهاراته والعبث بذكرياته.

هذا الأمر سيصبح كارثة حقيقية، إذا ما قام الهاكرز باختراق أدمغة السياسيين والعسكريين، والقيام بهجمات رقمية قد تؤدي إلى مشكلات لا حصر لها، فلا أحد يعلم إلى الآن طبيعة الضرر الذي قد تلحقه تقنية كهذه بالدماغ هل ستمكن أي شخص يحمل شيفرتها من محو المهارات والذكريات حقا، أم مجرد تعطيلها.

لكن العلماء يرون أن الحكم الآن على الأمر صعب، وأن إمكانية تحقيقه في المستقبل القريب ربما تكون مستبعدة، خاصة مع خلو فريق العمل الخاص بتلك الشريحة وفقا لما ظهر في المؤتمر، من علماء الأعصاب والأطباء، باستثناء عالم واحد، بينما كل الفريق من مهندسين وتقنيين، وتساءلوا هل ما زالت الشركة في طور تكوين الفريق وضم الخبرات.
 

ربما يعجبك أيضا