مؤتمر “دار الإفتاء” العالمي.. خطوة جديدة للتصدي للإرهاب والدعاوى الشاذة

حسام السبكي

حسام السبكي

انطلقت، صباح اليوم الثلاثاء، فعاليات المؤتمر العالمي الثالث للإفتاء والذي حمل عنوان “إشكاليات الفتوى ودور الفتوى في استقرار المجتمعات”، والذي تنظِّمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ألقى خلاله كبار رموز العمل الإسلامي في مصر وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور “أحمد الطيب” شيخ الأزهر الشريف والدكتور “شوقي علام” مفتي الديار المصرية إضافة إلى الدكتور “محمد مختار جمعة” وزير الأوقاف المصري كلمة أمام وفود والعلماء والمفتين من 63 دولة حول العالم، وقد حقق المؤتمر نجاحًا كبيرًا وكانت لها أصداء واسعة.

وقد بدأت فعاليات المؤتمر بعرض فيلم قصير عن أنشطة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.

يبحث المؤتمر، آفاق الفتوى من حيث تعلقها بحفظ استقرار حياة الناس في مختلف نواحيها، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وكيفية استخدام منجزات العلم الحديث في خدمة هذه العملية، داعية مفتي العالم للجلوس على موائد البحث العلمي لإيجاد حلول لفوضى الفتاوى، وطرح الخطط للمشاركة في التنمية الوطنية والعالمية، كما يتناول مجموعة من المحاور الرئيسية، تتمثل في الفتوى ودورها في تحقيق الاستقرار، الفتوى في مواجهة الإفساد والتخريب، الفتوى ودورها في دعم البناء والعمران.
 
ويضم المؤتمر كذلك 4 ورش عمل، الأولى عن الفتاوى المتشددة والفضاء الإلكتروني، والثانية عن فوضى الإفتاء ووسائل الإعلام، والورشة الثالثة عن الإفتاء والاستقرار الأسري، أما الرابعة عن تجارب المؤسسات الإفتائية في التصدي للفتاوى الشاذة.

نستعرض في التقرير التالي أبرز ما ورد في كلمات الحضور خلال اليوم الأول للمؤتمر الذي ينعقد بالعاصمة المصرية القاهرة من 17- 19 أكتوبر الجاري، وأهم التوصيات التي رشحت عنه.

مفتي مصر: الفتاوى المضللة تسببت في انتشار الإرهاب والتطرف والعنف

فقد افتتح الدكتور “شوقي علام” مفتي الديار المصرية أولى الكلمات في المؤتمر حيث أكد في البداية أن مصر منبع الحضارة والتاريخ وكعبة العلم والأزهر الشريف، وأنها كانت وستظل منزلًا طيبًا مباركًا للقاصدين من العلماء والباحثين من كافة بقاع الأرض.

وأضاف المفتي أن مصر تظل تمد يدها بالخير والسلام والأمن لمن يريد الخير بها ولها وذكر قوله عزوجل في سورة “يوسف” على لسان نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: “ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ”.

وأشار “علام” إلى أن المؤتمر في دورته السنوية الثالثة يحل هذا العام في ظل ظرفٍ عصيبٍ تمر به مصر والمنطقة العربية والإسلامية جمعاء، والعالم بأسره، وذلك مع تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب النابعة من الفتاوي المضللة المنحرفة المجافية للمنهج الوسطي والتي صدرت خلال الآونة الأخيرة الأمر الذي تسبب بدوره في انتشار الفوضى والعنف وتدمير أمن وسلامة الأوطان وتهديد الطمأنينة والاستقرار التي تنعم بها المجتمعات والأفراد.

وتطرق مفتي الديار المصرية إلى دور أهل العلم وحراس الدين والعقيدة من أهل الفتوى والاجتهاد مشددًا على ضرورة أن يعلموا بأنهم على ثغرٍ عظيم من ثغور الإسلام، ألا وهو ثغر تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة ونشر قيم الدين الإسلامي الصحيحة السمحة وصد الأفكار المتطرفة مشيرًا إلى أن جهادنا في ميادين المعارك لا يقل أهمية ولا ينفك لحظة عن جهادنا في ميادين الفقه والفكر.

وأوضح “علام” أنه لا شك أن الإرهاب يسعى سعيه نحو فرض سطوته وبسط سيطرته على عقول الشباب والعامة من الناس من خلال الترويج للفتاوي المضللة والأفكار المغلوطة المنتشرة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي وغير من الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية، الأمر الذي كان له أسوأ الأثر في نشر الفوضى والعنف وتهديد الأمن والسلم في الكثير من البلاد، مشددًا على أنه لولا تكاتف الدول العربية والإسلامية في محاصرة منابع تمويل الإرهاب ومصادره لتغير الواقع الذي نعيشه بما لا تُحمد عقباه.

شيخ الأزهر: الهجوم على تراث المسلمين للتدليس على الشباب بدعاوى التنوير وحرية التعبير

أما كلمة الإمام الأكبر الدكتور “أحمد الطيب” شيخ الأزهر الشريف فحملت غضاضة وألم نفسي كبير مما تعج به الساحة في الوقت الحالي مما وصفه بـ “اكتساح العملة الزائفة للعملة الحرة الأصلية” وذلك في مجال الفتاوى وتبليغ شريعة الله السمحة للناس، كما اشتكى من تصدر بعض المنتسبين من أدعياء العلم حلقات تشويه الإسلام والتجرؤ على القرآن والسنة النبوية وتراث المسلمين والجلوس فوق مقاعد العلماء، في حملة وصفها بـ “موزعة الأدوار”.

وأشار “الطيب” إلى أن دور الإفتاء المختلفة هي الجهات الوحيدة التي يعرفها كل الناس والتي يطرقون أبوابها كلما شغلهم البحث عن حكم المولى عز وجل فيما يجد في حياتهم من شؤون الدنيا والدين، والذين يرغبون في إبراء ذمتهم أمام الله وطمعًا فيما عنده سبحانه وتعالى، موضحًا أنه حين كان مفتيًا كانت التساؤلات التي تصله بسيطة ولا تتجاوز حدود المسائل حول البنوك ونقل الأعضاء وبنوك اللبن والحقن المجهري وتحديد الجنين وغيرها.

فضيلة الإمام الأكبر تطرق إلى أن أهل الفتوى والعلم الصحيح في زماننا الحالي قد ابتلاهم الله بأنماط عدة من الضغوط والمضايقات غير المسبوقة، والمقصود به هو تراث المسلمين الثابت والتشويش عليه من غير المؤهلين لا على المستوى العلم ولا الفقه ولا الثقافة أو الأدب والاحترام، ويدسون دعاوهم الزائفة المُدلسة على الشباب كدعاوى التنوير وحرية الإبداع والحق في التعبير وحق التغيير حتى لو أصاب التغيير الشريعة والدين، وبات من الشائع اصطياد عبارات العلماء والفقهاء واجتزائها واخراجها عن سياقها كي تبدو شاذة منكرة، قبل أن يتم عرضها في حلقات نقاشية ليتم لصقها بأحكام شريعة الإسلام وأحكام الفقه عند المسلمين من خلال حوارٍ غرضه التشويش والوقوع في أخطاء المعرفة، والعجز عن إدراك الفروق حول توصيف الفعل والآثار الشرعية المترتبة عليها.

وتناول “الطيب” أيضًا ما أسماه “الدعوات المريبة” التي بات ظهورها كثيفًا في الفترة الأخيرة والتي تدعو إلى تحطيم هيبة واحترام الكبير، ويتم النظر إلى ذلك بمنظر الاحتقار والتقلق ويتم احتسابه بالسلوك الذي لا مكان له في ثقافة الفوضى الحديثة، ما يحمل مؤشرات على خطة مريبة تهدف لتحطيم تراث المسلمين والسخرية من أعلامهم وأئمتهم، إلى الحد الذي وصل إلى الهجوم على مؤسسة الأزهر وتحديدًا في أعقاب أي حادث من الحوادث الإرهابية والتي تهدف إلى زعزعة مكانته والتقليل منها في نفوس المسلمين.
 
وبين شيخ الأزهر أن الهجوم على الحضارة الإسلامية والأزهر يتزامن كذلك مع المطالب الجماعية بإباحة الشذوذ واعتباره حقًا من حقوق الإنسان بجرأة شديدة غير معهودة على شباب الشرق المشمئز من تلك الانحرافات الفطرية وما تخلفه من أمراض خلقية فتاكة، إضافة إلى دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وكذلك جواز زواج غير المسلمة من المسلم، وإزالة أي تمييز بين الرجل والمرأة.

وفي ختام كلمته أمام المؤتمر، اقترح “الطيب” إنشاء أقسام علمية متخصصة داخل كليات الشريعة أو كليات العلوم الإسلامية تحمل اسم “قسم الفتوى وعلومها”، على أن يبدأ الدراسة بها من السنة الأولى، وتكون بها مناهج تحمل طبيعية موسوعية لا تقتصر على علوم الفقه فقط، بحيث تحمل تأصيلًا علميًا دقيقًا لعلوم الآلة والعلوم العقلية والنقلية إضافة إلى علم المنطق وعلم الجدل على أن يُطبق على مسائل الفقه.

وزير الأوقاف المصري: اقتحام غير المتخصصين للفتوى فتح على العالم أبواب القلاقل

ولم يختلف كلام الدكتور “محمد مختار جمعة” وزير الأوقاف المصري عن سابقيه في المضمون، حيث أكد أن أمر الفتوى جلل ويترتب عليه مسؤوليات عظيمة، مؤكدًا أن انضباطها يساهم في انضباط المجتمعات والأوطان والأمم وتحقيق الأمن والسلام فيها، موضحًا أن اقتحام غير المتخصصين في الفتوى وغير المؤهلين لها قد فتح على العالم بأسره أبوابًا من القلاقل بحيث أصبحت في حاجة مُلحة إلى جهود العلماء المخلصين والمؤسسات الدينية الرسمية السمحة للوقوف في وجهها ومعالجتها وكشف زيف وزيغ الفتاوى المضللة وتعريتها ضلالتها فكريًا وثقافيًا ودينيًا أمام العالم أجمع.

وأضاف “جمعة” أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وهو يشكل خطرًا شديدًا على الإنسانية بأسرها، مما يتطلب تكاتف الجهود لمواجهته وبشكلٍ خاص جهود العلماء المتخصصين في ذلك من أجل تفكيك مقولات الجماعات الإرهابية المتطرفة وفتاواهم الشاذة والمنحرفة المُدمرة للمجتمعات.

وأكد أن تسارع وتيرة الحياة العصرية يضع على العلماء والفقهاء والمفتين واجب إعادة النظر في الكثير من القضايا الحياتية وفقًا لمستجداتها.

الخلاصة

يتوقع الكثير من خبراء الإعلام والمتابعين للعمل الإسلامي أن يحظى المؤتمر بزخم إعلامي وتغطية غير مسبوقة، نظرًا للظروف التي يُعقد من خلالها، خصوصًا مع احتضانه علماء من دول فلسطين والسعودية والبحرين والإمارات واليمن ولبنان وعمان والأردن والعراق والجزائر والمغرب وموريتانيا والسنغال وأوغندا والكاميرون وزامبيا وكينيا وجيبوتي وأمريكا، وإندونيسا وماليزيا، وباكستان، والهند وسنغافورة واليابان والصين وفرنسا وهولندا وبريطانيا وإيطاليا ودول أخرى عدة تغطي قارات العالم.

ربما يعجبك أيضا