في تونس .. ” يناير” كلمة السر

منذ استقلال تونس عن فرنسا في 1956، تميّز شهر يناير في هذا البلد برمزية خاصة بصمت تاريخه المعاصر، وصنعت نقاطا فارقة، نقاط ارتكاز حادة ألقت بظلالها على الوعي الجماعي التونسي، حتى غدا يناير شهر العواصف بامتياز، وشهر المخاطر بمختلف أنواعها.

في ما يلي، أبرز “أحداث يناير” الفارقة في تاريخ تونس بعد الاستقلال وفقًا لـ”للأناضول”

أحداث يناير 2018

يقول الخبراء إن الوضع الاجتماعي بتونس مرهون على الدوام ببداية تطبيق الموازنة العامة في يناير، والتي تحدد خيارات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما قد يفسر العواصف التي غالبا ما تهب خلال هذا الشهر.

مظاهرات منددة بالغلاء، تهز تونس منذ الإثنين الماضي، اندلعت بمحافظة القصرين (وسط غرب)، وسرت عدواها سريعا إلى نحو 15 مدينة أخرى، إضافة إلى أحياء بالعاصمة التونسية، وسط مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن.

نسق تصاعدي لمظاهرات أضحت ليلية في معظمها، ما أجبر الحكومة على نشر الجيش في عدد من المواقع والنقاط الاستراتيجية والمقرات الحيوية بالبلاد.

ومع أن الاحتجاجات لم تسفر حتى الأن عن قتلى أو إصابات في صفوف المتظاهرين، وفق المصادر الرسمية، إلا أن الإعلام المحلي تحدث عن وفاة محتج، مساء الاثنين الماضي، إثر دهسه بشكل غير متعمد من قبل سيارة أمنية، وهو ما نفته الداخلية في بيان.

ثورة يناير 2011

3 أسابيع و6 أيام من الاحتجاجات الشعبية الدامية كانت كافية لإسقاط حكم بن علي الذي استمر 23 عاما، مجبرة إياه على الفرار تاركا البلاد في مزيج من الغليان الذي لم تختبر له مثيلا في تاريخه المعاصر.

ثورة شعبية اندلعت شرارتها في 17 ديسمبر/ 2010، تضامنا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه حتى الموت، احتجاجا على مصادرة عربته وهي مصدر رزقه، من قبل الشرطية فادية حمدي بمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب).

وبوفاة البوعزيزي في الخامس من يناير/ كانون ثان 2011 متأثرا بحروقه البالغة، توسعت رقعة الاحتجاجات، وبلغت العاصمة في تطور نوعي، قبل أن تسري عدواها إلى معظم مناطق البلاد، قوبلت بقمع وحشي وإطلاق الرصاص الحي، ما أسفر عن سقوط المئات من القتلى.

وفي تطور سريع للأحداث، لم يفلح خطاب بن علي المرتبك يوم 13 يناير في الحصول على تأشيرة العودة إلى قلوب لفظته، ووجوه لم تكن تريد يومها سوى وقف نزيف أكثر من عقدين من البطالة والفقر والتهميش.

لم يجد بن علي بدا من مغادرة البلاد، لتدخل الأخيرة مرحلة انتقالية قادت نحو بناء مؤسسات دائمة، في خطوة حسبت نجاحا لهذه التجربة الديمقراطية الوليدة، رغم ما تتعرض له من هزات بين الحين والآخر.

أحداث الحوض المنجمي يناير 2008

اهتزت مدن الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (جنوب غرب)، على وقع احتجاجات شعبية دامية، انطلقت شرارتها الأولى بمنطقة الرديف بالمحافظة، إثر الإعلان عن نتائج اختبار وطني لشركة “فسفاط قفصة” (حكومية).

النتائج المعلنة خيبت انتظارات السكان، حيث بدا من الواضح أنها خاضعة للمحسوبية وعقلية الولاءات، ما جعل حالة الغضب تمر سريعا إلى الاحتقان فالانفجار، لتمتد شرارة المظاهرات إلى مدن أخرى وتتسع نطاق الاحتجاجات، لتتحول قفصة إلى أتون غضب في أحداث لم تشهدها البلاد منذ انتفاضة الخبز في 1984.

مظاهرات تواصلت 6 أشهر، وشاركت فيها شريحة واسعة من سكان المنطقة، وقوبلت بقمع شديد من قبل قوات الأمن، ما أسفر عن سقوط 4 قتلى وعشرات الجرحى، ومئات المعتقلين، وفق النقابات العمالية بالمحافظة.

البعض يعتبر هذه الاحتجاجات بداية مسار طويل قاد للثورة التونسية المندلعة بهدها بـ 3 سنوات تقريبا، والتي أسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي.

انتفاضة الخبز في يناير 1984

غليان شعبي تلا قرارا حكومي صدر أواخر ديسمبر1983، يقضي برفع سعر العجين بـ 70% ومضاعفة ثمن الخبز.

القرار كان سيدخل حيّز التطبيق أول يناير 1984، غير أت سلسلة من المظاهرات والمصادمات عمت مدنا بالجنوب التونسي، تخللتها مصادمات مع قوات الأمن.

احتجاجات عبرت عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية حينها، وسرعان ما سرت عدواها إلى الأحياء الفقيرة بالعاصمة التونسية، لتشهد شوارعها في الثالث من يناير 1984، مظاهرة حاشدة وغاضبة، هاجمت رموز السلطة وجميع مظاهر الترف الاجتماعي.

اعتبرت هذه المظاهرات التي تواصلت 8 أيام، أكبر غليان شعبي واجهته السلطة عقب الاستقلال، وخلف مئات القتلى وآلاف الجرحى، بينما تحدثت المصادر الرسمية عن 84 قتيلا وأكثر من 900 جريح.

أما في الكواليس، فقد قادت الحكومة التونسية حينذاك حملة اعتقالات واسعة ومحاكمات شملت المنتفضين والنقابيين والناشطين اليساريين والإسلاميين.

أحداث يناير 1978

مواجهات دامية هزت تونس في 26 يناير/ كانون ثان 1978، عقب صدامات عنيفة بين الطبقة الشغيلة بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية العمالية)، ونظام الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة (1957- 1987).

يوم أطلق يطلق عليه البعض اسم “الخميس الأسود” التونسي، تحوّل من إضراب عام أعلنه الاتحاد إلى احتجاجات شعبية رافضة لسياسات الحكم، ليصبح بمرور الزمن، حدثا فارقا في التاريخ التونسي، ويختزل مرحلة مهمة في المسار السياسي والاجتماعي للبلاد.

ورغم أن الفصول الكاملة لما حدث يومها لازالت حتى اليوم مقبورة في الدفاتر السرية لنظام بورقيبة، إلا أن روايات المعتقلين ومن واكبوا الأحداث، صنعوا تاريخا موثقا يستعرض عذابات جيل من التونسيين عانى الأمرّين من التعذيب والقتل.

التقارير المستقلة قالت إن نحو 400 قتيل قضوا في تلك الأحداث، وأصيب أكثر من ألف شخص، فيما تحدثت حكومة بورقيبة حينها عن مقتل 52 وإصابة 365.

ربما يعجبك أيضا