“الشيطان يكمن في التفاصيل” .. صفقة “ربع القرن” السرية بين طهران وبكين!

يوسف بنده

رؤية

تتفاوض طهران على اتفاقية مثيرة للجدل مدتها 25 عامًا مع الصين أدت إلى اتهامها بالتنازل عن سيادتها لصالح بكين، فيما تتكتم الحكومة الإيرانية على بنود الاتفاقية وتراوغ بالقول إنها ستنشرها لاحقًا.

محمد جواد ظريف، وزير الخارجية كان قد تعرض لصيحات استهجان خلال خطابه مطلع الشهر في مجلس النواب عندما تطرق للموضوع، وأشار إلى أنها اتفاقية شراكة استراتيجية لفترة طويلة و”هذا الأمر ليس سرا”.

الرئيس الإيراني السابق محمد أحمدي نجاد كان قد انتقد المفاوضات والتي ستجعل البلاد رهينة لمدة 25 عاما لبلد أجنبي ومن دون علم الشعب.

ظريف، حاول التقليل من أهمية ما أثاره نجاد على شبكات التواصل الاجتماعي، وقال إنها اتفاق استراتيجي يتعلق باستثمارات في قطاعات مختلفة.

ظريف كان قد كشف أمام النواب أن هذه المفاوضات ليست بجديدة وتم الإعلان عنها أول مرة في يناير 2016 عندما زار الرئيس الصيني شي جينبينغ طهران.

ويحظى هذا الاتفاق بدعم أعلى سلطة في البلاد من قبل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والذي وصف الاتفاق بـ”الحكيم”.

وينظم الاتفاق تعاونا موسعا على 25 سنة في مجال استثمارات متبادلة في قطاعات النقل والموانئ والطاقة والصناعة والخدمات، كما سيكون هناك مناطق تجارة حرة خاصة في البلاد في التعاون الإيراني الصيني، فيما تشير التقديرات إلى أن إجمالي الاستثمارات ستكون أقل من نصف تريليون دولار.

ولكن وفق المسودة التي تحمل ترميزا بأنها “النسخة النهائية” فهي ترتب أيضا أطر التعاون بين الجانبين في المجالات العسكرية والأمنية، وحتى تلك المشاريع التي يمكن أن تتعلق بدولة أو طرف “ثالث”.

مخاوف داخلية

احتدم الجدل بين القوى السياسية داخل طهران حول المفاوضات، والتي تجري في ظل أوضاع تعاني منها البلاد من شلل اقتصادي بسبب العقوبات الأمريكية، وجائحة كورونا القاتل.

المحافظون في إيران يرون في الاتفاقية تحولا نحو الشرق، وهم يرفضون أصلا الانفتاح على الشرق أو الغرب، وهذا ما قاله النواب صراحة خلال صيحاتهم أثناء كلمة ظريف.

وبسبب توقيت ومدة الاتفاقية يتخوف إيرانيون من أنها ستعطي لبكين اليد العليا في المفاوضات حيث ستتمكن الصين من الوصول للموارد الطبيعية الإيرانية لسنوات مقبلة.

بعض النقاد يقارنون المعاهدة بمعاهدة تركمانشان لعام 1828، والتي تنازل فيها الفرس عن السيطرة على أراضي جنوب القوقاز ومنحوها لروسيا القيصرية.

ويرى البعض أن الصين ليست جديرة بالثقة من الأساس، مستدلين بذلك على الجدل المحيط بانتشار كورونا ودور بكين فيه وما تسببت به الجائحة من ويلات للشعب. ورأى آخرون، أن الصين لا تعتبر إيران شريكا استراتيجيا، بل زبونًا جيدًا. ومن الخطأ الاعتقاد بأن الصين سوف تتجاهل مصالحها مع أمريكا من أجل إيران؛ لأن مجموع الاستثمارات الصينية في إيران بموجب هذه الاتفاقية لمدة 25 عاما أقل من 70 بالمائة من حجم التبادل التجاري بين بكين وواشنطن خلال عام واحد.

الموقف الأمريكي

الاتفاق الجديد يمكن أن يعطي المجال للصين لإنشاء قواعد عسكرية في إيران، ما يعني إمكانية حدوث تغييرات جغرافية أو سياسية بشكل كامل في المنطقة. ويقول مراقبون أن إيران والصين يرون في هذه الاتفاقية ليس فقط شراكة استراتيجية، إنما أيضا التحالف من أجل لمواجهة الولايات المتحدة.

وأشار تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن التوسع في العلاقات العسكرية ما بين إيران والصين ستنظر له واشنطن بقلق، خاصة وأن السفن الحربية والبوارج الأمريكية لطالما تتعرض لاستفزازات في مياه الخليج العربي.

الملحق السري

في محاولة لإسكات الانتقادات، سربت وزارة الخارجية الإيرانية قبل أيام ملفاً من 18 صفحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير رسمي، هو نفسه الملف الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، وسردت فيه  تفاصيل مسودة هذه الإتفاقية الاستراتيجية بين طهران وبكين. كذلك نشرت صحيفة الجريدة الكويتية، بنود الملحق السري لهذه الإتفاقية، وكشفت أنها حصلت عليه من مصدر في “الخارجية” الإيرانية. وأوضحت أنها بنود ستبقى سرية بين البلدين، ولن يتم كشفها خلال الإعلان في الأيام القليلة المقبلة عن هذه الاتفاقية. وهي كالتالي:-

طريق الحرير

تعطي طهران الصين امتيازات كبيرة لتقوم الأخيرة بتغيير خريطة طريق الحرير الشهير الذي خصصت له بكين مبلغ خمسة آلاف مليار دولار، ليمر عبر إيران بدل الجزيرة العربية.

ومن هذه الامتيازات، أن تضمن إيران مدّ وتأمين الطريق الذي يشمل خطَّ سكة حديد وخطَّ أوتوستراد سريعاً من ميناءي بندر عباس وشابهار الإيرانيين الى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسورية.

وتشمل الخطة مد خط أنابيب غاز ونفط من جنوب إيران إلى “المتوسط” يتصل بميناء بانياس السوري وميناء طرابلس اللبناني. وبحسب المصدر، حصلت طهران بالفعل على موافقة دمشق لإدارة ميناء بانياس بشكل استثمار طويل الأمد.

وحسب الجريدة، فإن هذه الخطة لا تزال تواجه عقبات خصوصاً وقوف واشنطن في العراق وسورية بوجه تنفيذها، لذلك اتفقت بكين وطهران أن تتعاونا سياسياً واقتصادياً وأمنياً إذا دعت الحاجة لتذليل العقبات. وحسب المصدر فإن تنفيذ هذه الخطة يعني أن قناة السويس ومضيق باب المندب سوف يخسران قدراً كبيراً من أهميتهما الاستراتيجية.

كما يتضمن هذا الشق من الاتفاق جزءاً يتم بالتعاون مع روسيا، لوصل بحر عمان والخليج بشمال أوروبا عبر أذربيجان وروسيا وساحل جنوب إيران ببحر البلطيق.

وسوف تتولى شركات صينية تحديث سكك الحديد لتكون قادرة على تحمل قطار تصل سرعته إلى حوالي 400 كيلومتر بالساعة يستطيع إيصال البضائع من ميناءي شابهار وبندرعباس إلى سان بطرسبورغ الروسي خلال أقل من 24 ساعة.

وبمقتضى البند الثاني الذي اطلعت عليه “الجريدة” تتعهد الصين بشراء ما لا يقل عن مليون برميل نفط إيراني يومياً ودفع ثمنه بالعملة الصينية اليوان مع السماح لإيران بشراء مستودعات على الأراضي الصينية وفي الموانئ وتخزين النفط والمحروقات وإعادة تصديرها دون دفع أي ضرائب، وسوف تقوم الصين أيضاً بشراء كمية مماثلة من البتروكيماويات والمحروقات المعالجة في المصافي الإيرانية.

وتستثمر الصين في منشآت استخراج النفط والغاز في الجنوب الإيراني مقابل عقود استثمار تصل مدتها إلى 25 عاماً.

المجال العسكري

وينصّ الاتفاق على توسيع العلاقات العسكرية بما في ذلك تأسيس قواعد عسكرية مشتركة في الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي. وتسمح طهران للطائرات الصينية بالاستفادة من المطارات العسكرية الإيرانية عند الحاجة والسفن العسكرية الصينية الاستفادة من القواعد والموانئ الإيرانية عند الحاجة أيضاً.

وتتعهد بكين في المقابل، بمساعدة طهران في تطوير أسطولها الجوي والبحري والبري. وتم في هذا المجال إقرار اقتراح لتأسيس معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضي الإيرانية، مما يعفي الصين من مواجهة أي مشاكل مع العقوبات الدولية أو الأميركية خلال تزويد إيران بالسلاح. واتفق الطرفان على بحث تطوير التعاون العسكري بينهما في اتفاقية جانبية أخرى.

تأجير الجزر

وفي بند أثار الكثير من السجالات والاتهامات ببيع أراضٍ إيرانية، تقوم إيران بتأمين مناطق سياحية خاصة للصينيين لا تنطبق عليها القوانين الإسلامية بخصوص المأكل والمشرب والملبس.

ويتضمن ذلك تأجير بكين أراضٍ في جزيرتي كيش وقشم، وبعض الجزر الصغيرة في الخليج وفي المناطق الإيرانية الحرة لمدة 25 عاماً. ويقوم الصينيون بتأهيل المطارات في هذه الجزر وتصميم مرافق سياحية تناسبهم.

التكنولوجيا

ينص الجزء غير المعلن من الاتفاق على أن تقوم الشركات الصينية بتأمين اتصالات الجيل الخامس من الإنترنت 5G لإيران، مقابل أن تساعد طهران بكين في الحصول على عقود تأمين الجيل الخامس عبر شركات مشتركة في مناطق النفوذ الإيراني بما في ذلك العراق وسوريا وأفغانستان ولبنان.

ويسعى البلدان للاستحصال على عبر شركات مشتركة على عقود استخراج النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط على شواطئ سورية ولبنان وتأمين الطاقة الكهربائية لدول غرب آسيا.

وينص هذا البند، على أن تضمن طهران إعطاء الأولوية في العقود للشركات الصينية فيما لو حصل أي اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران.

المصانع والبناء

كذلك تعطي طهران بكين إعفاءات شاملة من الضرائب وتؤمن لها أراضٍ على شكل استثمار لمدة 25 عاماً وتيسر لها الإمكانات المحلية مجاناً، لتقوم ببناء مصانع صينية داخل إيران مقابل تشغيل اليد العاملة الإيرانية (بنسبة٦٠ بالمئة من العمال على الأقل) ونقل التكنولوجيا لإيران.

وتقوم الصين عبر شركات مشتركة مع طهران ببناء حوالي ستة ملايين شقة سكنية خلال فترة خمسة أعوام في إيران. وتتشارك هذه الشركات في عقود بناء السدود والمنشآت الهندسية في داخل إيران وخارجها في غرب آسيا وأفريقيا.

زراعة وصيد وعملة رقمية

كما تتولى الصين الاستثمار في مجال الزراعة الصناعية في الأراضي الإيرانية عبر شركات صينية تستصلح أراضي على مدى 25 عاماً. كما تعطي إيران امتياز صيد الكرول (الصناعي) للشركات الصينية في المياه الإقليمية الإيرانية مدة 25 عاماً مقابل 10 مليارات دولار سنوياً شريطة عدم اقتراب السفن الصينية من السواحل الإيرانية اكثر من 8 أميال بحرية والسماح للصيادين الإيرانيين بالصيد.

وتسمح إيران للصين بتأسيس مزارع استخراج عملة رقمية على أراضيها يمكنها أن تستفيد من معامل إنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية وتوزع أرباح المعامل مناصفة بين البلدين.

وتسمح إيران للشركات الصينية باستخراج المعادن غير الاستراتيجية من أراضيها وإعادة تصنيعها داخل إيران أو تصديرها بشكل خام الى الصين أو أي دولة أخرى.

المصارف

يتم فتح خط اتصال بين المصرفين المركزيين في الدولتين. وتسمح الصين للتجار الإيرانيين بفتح حسابات مصرفية بالعملة الصينية والتعامل المصرفي بالعملة الصينية وتبادلها بالعملات الأخرى وتحويلها إلى إيران أو أي دولة أخرى مع مراعاة قوانين غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

لا يمكن للإيرانيين تحويل الأموال إلى الدولار الأمريكي في المصارف الصينية طالما كان الحظر الأمريكي على استخدام طهران للدولار سارياً، لكن يمكنهم تحويلها إلى أي عملة أخرى والاستفادة من المصارف الصينية في تأمين وتغطية اعتماداتهم المالية الدولية لشراء البضائع من الدول الأخرى، ويتم تأسيس مصرف إيراني- صيني مشترك يشرف على التعاون المالي بين البلدين.

تعاون سياسي ونووي

في المجال السياسي، تدعم الدولتان سياسات كل منهما للأخرى في المؤسسات الدولية. تدعم الصين طلب إيران لدخول منظمة شانغهاي وبريكس ومنظمة التجارة الدولية، وتدعم إيران الصين في منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة عدم الانحياز. كما يقوم الجانبان بتأسيس مركز مشترك للتعاون الأمني والاستخباراتي والقضائي وتبادل المجرمين.

وتساعد الصين الإيرانيين في إعادة بناء مراكزهم النووية من ضمنها مفاعل أراك للماء الثقيل حسب الاتفاق النووي ونقل التكنولوجيا السلمية في شتى مجالات العلوم النووية لإيران، إضافة إلى مساعدة إيران في الاستفادة من التكنولوجيا النووية في مجال الطب والزراعة وإنتاج الطاقة.

التشيع وتبادل الطلاب

في المجال الثقافي، يسمح كلا البلدين، أحدهما للآخر، بتأسيس مراكز ثقافية تروج للغتيهما. ويتبادل الجانبان ألف طالب من كل جانب على الأقل كل عام. وتقوم جامعة المصطفى التابعة للحوزة العلمية في مدينة قم بتأسيس مراكز تعليم وتثقيف ديني في المناطق المسلمة في الصين، وتسمح الصين لهذه الجامعة بترويج التشيع في هذه المناطق في مواجهة مد الأفكار السلفية في المجتمع الإيغوري. وحسب المصدر، فإن جامعة المصطفى سوف تقوم بإعطاء ألف وخمسمئة منحة تعليمية لطلاب علوم دينية من الصينيين كي يدرسوا في الحوزات العلمية في إيران كل عام ويعودوا إلى الصين لترويج الفقه الشيعي بين المسلمين هناك. وبالطبع تمثل هذه النقطة أهمية بالنسبة للصين التي تخشى من النفوذ السني المتمثل في تركيا التي تحرك الإيغور للانتفاضة والانفصال لصالح أهداف غربية تجاه الصين.

ربما يعجبك أيضا