ضفتي الأطلسي.. الفهم المشترك ليس كافيًا لإعادة تشكيل العلاقة

جاسم محمد

رؤية  ـ جاسم محمد 

أوروبا، “تتنفس الصعداء” مع فوز بايدن بإدارة البيت الأبيض واستلام مهامه كرئيس للولايات المتحدة مع مطلع هذا العام 2021، وربما واشنطن وبروكسل أدركتا أهمية إيجاد طرق ليس فقط لإصلاح علاقتهما ولكن أيضًا للبحث عن أرضية مشتركة يمكن من خلالها معالجة التحولات والتحديات العالمية ، الأوروبيون عبروا عن التفاؤل بالتغيير لاقتراح مبادرات للتعاون وتجديد الجهود الدبلوماسية.

قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، يوم أمس، التاسع من مارس 2021 إنه يريد وضع العلاقات مع الولايات المتحدة على أسس جديدة بعد أن وصلت إلى نقطة متدنية في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي أول خطاب رئيسي له حول العلاقات عبر الأطلسي منذ تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن في يناير 2021، عرض ماس على الولايات المتحدة “اتفاقا جديدا”، بما في ذلك العمل المشترك من أجل الديمقراطية، والمزيد من المسؤولية الألمانية في حل النزاعات داخل أوروبا وحولها واستراتيجية مشتركة تجاه الصين وروسيا.

“ميثاق تأسيسي جديد”

دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في أعقاب فوز بايدن، إلى وضع “ميثاق تأسيسي جديد” لعلاقاتهما عبر الأطلسي. وقال: “اليوم فرصة لتجديد شباب علاقتنا عبر الأطلسي التي عانت كثيرا في السنوات الأربع الماضية”. وأضاف ميشيل : “وجهت اقتراحا رسميا إلى الرئيس الأمريكي الجديد: دعونا نبني ميثاقا تأسيسيا جديدا لأوروبا أقوى وأمريكا أقوى وعالم أفضل”.

 وقال شارل ميشيل، ويجب أن يعزز هذا الميثاق العلاقات متعددة الأطراف، والتصدي لوباء كورونا  وتغير المناخ، ويعيد بناء اقتصادات التكتل ويضمن التجارة العادلة، وكذلك معالجة القضايا الأمنية. يأمل قادة الاتحاد الأوروبي في بداية جديدة للعلاقات عبر الأطلسي وأعربت رئيسة المفوضية أورزولا فون دير لاين عن أملها في “عودة الولايات المتحدة إلى دائرة الدول ذات التوجه المماثل” . وتبنى المجلس الأوروبي بياناً خط فيها الخطوط العريضة للعلاقات المستقبلية بين بروكسل وواشنطن، في مجال الأمن والدفاع.

مقاربة صعبة بين ضفتي الأطلسي حول الملف النووي الإيراني

رحبت الدول الأوروبية باعتزام بايدن العودة الى طريق الدبلوماسية مع ايران، ذلك في بيان مشترك أصدرته بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة يوم  18 فبراير 2021 . وبعد محادثات في باريس، انضم إليها بلينكن عبر الفيديو، أكدت الدول الأربع هدفها المشترك في عودة إيران للامتثال التام للالتزامات الواردة في الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

وقال البيان المشترك “أكد الوزير بلينكن مجددا، كما قال الرئيس بايدن، إنه إذا عادت إيران للوفاء التام بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن الولايات المتحدة ستقوم بالمثل وهي مستعدة للدخول في مناقشات مع إيران تحقق هذا الهدف”. وحثت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفة باسم مجموعة الثلاث، والولايات المتحدة طهران على عدم اتخاذ أي خطوات إضافية “فيما يتصل بتعليق البروتوكول الإضافي وأي تقييد لأنشطة التحقق التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران”.

الاتحاد الأوروبي والصين

أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال يوم 30 ديسمبر 2020 التوصل لاتفاق “مبدئي” للاستثمار المتبادل بين الاتحاد الأوروبي والصين. وجاء التوصل للاتفاق بعد مؤتمر عبر الفيديو مع الرئيس الصيني شي جينبينغ بمشاركة المستشارة ميركل والرئيس إيمانويل ماكرون. وأعلن الاتحاد الأوروبي أن الاتفاق الذي يتوقع أن يستغرق إنجازه والمصادقة النهائية عليه أشهرا يكتسي “أهمية اقتصادية كبرى”، وأن الصين التزمت توفير “مستوى غير مسبوق من الوصول إلى الأسواق لمستثمري الاتحاد”.

وقد أعربت إدارة اليت الابيض عن قلقها إزاء تقرّب الاتحاد الأوروبي من بكين وحض بروكسل على التشاور مع واشنطن. كما رأى مراقبون أن من شأن إنجاز الاتفاق في نهاية العام أن يثير استياء جو بايدن الذي يعول كثيرا على التنسيق مع حلفائه الغربيين في ملف العلاقات مع الصين.

الاتحاد الأوروبي ما زال يصر على أن الاتفاق مع بكين لن يؤثر سلبا على العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ويعتبر أن الاتفاق يوازي جزئيا “المرحلة الأولى” من الاتفاق التجاري الذي أبرمه ترامب مع بكين في يناير 2020. ويتوقع أن يستغرق إنجاز الاتفاق المبدئي بصيغته النهائية أشهرا، وهو سيتطلب مصادقة كل الدول الأعضاء في التكتل عليه وكذلك البرلمان الأوروبي.

النتائج

ـ شهدت مواقف الأوروبيين تجاه الولايات المتحدة تغيرًاكبيرا. تعتقد الأغلبية في الدول الأعضاء الرئيسية الآن أن النظام السياسي الأمريكي معطل ، وأن أوروبا لا يمكنها الاعتماد فقط على الولايات المتحدة للدفاع عنها. وبات واضحا، أن دول أوروبا، أدركت جيدا، أنه لا يمكن الاعتماد على علاقتها مع واشنطن، خاصة في مجال الأمن والدفاع، وعليها النهوض بأمنها ذاتيا، وهذا ما أظهر أهمية التقارب مابين باريس وبرلين، وربما مع لندن من أجل إيجاد عمل أوروبي مشترك.

ـ هناك عواقب جيوسياسية للضعف الأمريكي،  تعتقد الغالبية أن الصين ستكون أقوى من الولايات المتحدة في غضون عقد من الزمن وتريد أوروبا أن تبقى محايدة في صراع بين القوتين العظميين. لذلك هناك اعتقاد سائد عن الأوروبيين، بضرورة تعزيز دغاعاتهم وأمنهم القومي دون الاعتماد على واشنطن.

ـ سيكون هناك انحياز أوروبي كبير نحو الصين، وهذا ما يغضب الإدارة الأمريكية.

بات متوقعا أن يواجه ترامب الكثير من الصعوبات في استعاد العلاقة بين ضفتي الأطلسي وإعادتها إلى ما كانت عليه، بايدن سيواجه عقبات بسبب السياسات التي جعلت أمريكا تبدو متقلبة وأنانية وضعيفة. توجد الآن فرصة فريدة لإحياء التحالف عبر الأطلسي، وهذا يعني أن على الولايات المتحدة أن تبرهن ذلك بالأفعال، أكثر من الأقوال وتقديم الوعود.  فهناك حاجة إلى عابرة أطلسية جديدة – واحدة تستند إلى الفهم مشترك بأن التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا ليس كافيًا لاعادة العلاقة بي ضفتي الأطلسي.

ربما يعجبك أيضا