الشيخ جراح.. آخر ضحايا التهويد بالقدس‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

لعل لرمزية الاسم دلالة تصف الحال، فحي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة، الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى طبيب “مُحَرر” القدس صلاح الدين الأيوبي، كان يسمى “الشّيخ حسام الدين بن الشرافي”، الذي لُقِّب بـ”الجرّاح”، فها هو الحي مجددا اليوم في بؤرة مخططات الاستيطان، حيث يسعى الاحتلال لتهجير 126 مقدسيا من سكانه حيث أطلق المقدسيون حملة إلكترونية لنصرتهم.

على عدة مستويات يعمل الفلسطينيون للتصدي لقرار إسرائيلي خطير، يهدف إلى هدم حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، ضمن المخططات الإسرائيلية الرامية إلى “تهويد وأسرلة” المدينة المقدسة.

وتنطلق حملة إلكترونية دعا إليها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وتستمر عدة أيام، تحت عنوان “أنقذوا حي الشيخ جراح”، حيث بدأ عدد من الفلسطينيين بالتغريد تحت هذا الوسم، في إطار التحضير الأولي للحملة الشعبية، من خلال التأكيد على حق الفلسطينيين في بيوتهم ومنازلهم التي يريد الاحتلال تسويتها بالأرض، ضمن خطط الاستيطان الرامية لإفراغ مدينة القدس المحتلة من سكانها الأصليين، وإحلال المشاريع الاستيطانية.

وضمن انتهاج الاحتلال لسياسة الطرد والتطهير العرقي الممنهج في القدس، الذي يأتي بشكل متوازِ مع المشاريع الاستيطانية، قررت محكمة الاحتلال رفض استئناف ثلاث عائلات من حي الشيخ جراح، ضد قرار محكمة الصلح بإخلائهم، وأمهلت المحكمة، عائلات حماد وداوودي والدجاني حتى شهر أغسطس المقبل لإخلاء منازلها، كما أصدرت المحكمة المركزية منتصف الشهر الماضي قرارًا مشابهًا ضد 4 عائلات فلسطينية أخرى في الحي نفسه، وأكدت على قرار الإخلاء ومنحتهم مهلة لمطلع مايو المقبل لإخلاء منازلهم.

ويضم الحي 28 عائلة فلسطينية، كانت قد شهدت عمليات الترحيل القسري الأولى عام 1948، حين طردتها العصابات الصهيونية من منازلها في الشطر الغربي من القدس المحتلة، لتستقر في الشطر الشرقي، وقد رفض القضاء الإسرائيلي الذي يدعم الاستيطان طلبات الأهالي بعدم هدم منازلهم، فيما طلب الأهالي مؤخرا من الحكومة الأردنية التدخل العاجل لإسعافهم، خاصة وأن مبانيهم شيدت خلال فترة الحكم الأردني في الضفة الغربية.

وقد بدأت سلطات الاحتلال منذ العام 1972 بالتضيق على سكان الحي، حيث تزعم أن الأرض التي تقام عليها المباني، كانت مملوكة لعوائل يهودية، وقد سبق أن قامت جمعيات استيطانية بالاستيلاء على عدة منازل في الحي، وسلمتها لمستوطنين، وحاليا يريد الاحتلال الاستيلاء على الحي، بهدف توسعة الاستيطان وتطويق البلدة القديمة.

يشار إلى أن سلطات الاحتلال التي تكثر من المشاريع الاستيطانية وعمليات هدم منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة، وكذلك مصادرة العديد من البنايات والعقارات، كانت قد ارتكبت مجزرة في شهر يوليو من العام 2019، حين أقدمت على هدم 6 بنايات ومنزلا تابعة للفلسطينيين في حي وادي الحمص بقرية صور باهر جنوبي القدس، حيث طال الهدم نحو 100 شقة سكنية، وقد شردت مئات المواطنين وبينهم أطفال ورجال ونساء طاعنون في السن.

ويتهدد القرار الإسرائيلي نحو 500 فلسطيني، على مدى بعيد وفيما حذر وزير القدس فادي الهدمي، في رسالة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين، سفين كون فون بورغسدورف، من أن «العديد من العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح تواجه خطر الإجلاء الوشيك، بعد أن قررت المحاكم الإسرائيلية إجلاءها من منازلها»، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري والعاجل لوقف عمليات تهجير الفلسطينيين من منازلهم في الشيخ جراح وسلوان بالقدس الشرقية المحتلة.

 وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء قرار إسرائيل إجلاء عائلات فلسطينية من منازلها. وقال بورغسدورف إن قرارات الإجلاء تمثل «تطوراً مثيراً للقلق ويعرض المزيد من العائلات الفلسطينية لخطر الإجلاء»، ووعد ممثل الاتحاد الأوروبي بمتابعة الموضوع والاطلاع عن كثب على تطورات الوضع في الشيخ جراح.

وزار وفد دبلوماسي، أمس الأربعاء، حي الشيخ جراح في مدينة القدس.

وأطلع الوفد الذي ضم ممثلين عن مؤسسات دولية وقناصل وبعثات أوروبية على خطورة الوضع في حي الشيخ جراح، واستمع للأهالي.

وكانت المحكمة المركزية الإسرائيلية، أمهلت عائلات الحي: اسكافي، والكرد، والجاعوني، والقاسم، حتى مطلع مايو، لتنفيذ الإجلاء، فيما أمهلت عائلات الداودي، وحماد، والدجاني، حتى شهر أغسطس المقبل.

ويعيش سكان «حي كرم الجاعوني» في الشيخ جراح، في منازلهم منذ عام 1956، باتفاق بين الحكومة الأردنية، ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير، ووكالة “غوث وتشغيل اللاجئين”، على توفير المسكن لـ28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جراح، مقابل تخلي العائلات عن بطاقة الإغاثة، وكان من شروطه دفع أجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكن بعد 3 سنوات، لكن ذلك لم يتم، بل بدأت المؤسسات الاستيطانية بعد احتلال القدس بملاحقة سكان الشيخ جراح ومطالبتهم بإخلاء منازلهم بحجة ملكية الأرض.

وحذرت حركة الجهاد الإسلامي من أن ما ترتكبه سلطات الاحتلال من أعمال هدم في الشيخ جراح بالقدس المحتلة، هو عدوان على الشعب الفلسطيني. وأكدت، في بيان، أن الاحتلال الإسرائيلي سيدفع ثمن هذا العدوان، وأن كرة اللهب التي يشعلها في القدس سترتد في وجهه. وهذا ليس أول تهديد من فصائل فلسطينية. ويقول الفلسطينيون، بشكل عام، إن خطر الهدم الإسرائيلي يتهدد 20 ألف منزل فلسطيني في القدس المحتلة، تؤوي 140 ألف مقدسي، يريد الاحتلال سحب إقاماتهم.

القائمون على الحملة من سكان الحي، يقولون إن حملتهم مستمرة ولن تقتصر على يوم واحد، وليس أمامهم خيار سوى استمرار نضالهم لحماية حي الشيخ جراح وإنقاذه من براثن المستوطنين، وبالنسبة إليهم، فالوضع خطير وصعب جداً، وسيواصلون معركتهم على أمل أن يلتفت إليهم المجتمع الدولي ويدرك خطورة ما يتعرض له هذا الحي والقدس عموماً من هجمة استيطانية شرسة.

ولا تسعى الجمعيات الاستيطانية لإجلاء أهالي حي كرم الجاعوني فحسب، بل تنشط في البلدة القديمة وبلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، وتستخدم للسيطرة على مزيد من العقارات في القدس عدة قوانين أبرزها: قانون حارس أملاك الغائبين والمصلحة العامة والأملاك اليهودية قبل عام 1948.

وفي حي بطن الهوى في بلدة سلوان بدأ التغلغل الاستيطاني عام 2004 ببؤرتين استيطانيتين ثم تصاعد عام 2014 ليصل عدد البؤر الآن إلى 6، وتتراوح البؤرة بين غرفة وبناية، وتعيش بين المقدسيين في هذا الحي حتى الآن 23 عائلة من المستوطنين، ووصل عدد أوامر إخلاء المنازل فيه إلى أكثر من 87 أمرا.

ربما يعجبك أيضا