المنتدى الاقتصادي العالمي| كيف يمكن لجنوب آسيا استغلال الفرصة المتاحة لبناء مستقبل مستدام؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

  • تعزيز التعاون الإقليمي يمكن أن يفتح الباب أمام نمو اقتصادي، كما أن وجود سلسلة إمداد إقليمية يمكن أن يكون له نتائج إيجابية لجنوب آسيا والعالم.
  • اقتصاد الخدمات الجديد يمكن أن يدفع التنمية في جنوب آسيا، لكن هناك حاجة لإصلاحات تنظيمية، وبنية تحتية رقمية، وإعادة تنمية المهارات وصقلها.
  • التعافي الأخضر يمكن أن يعزّز من وضع جنوب آسيا التنافسي على المدى الطويل، لكن من الضروري إجراء إصلاحات مهمة.

نظرًا لكونها موطنًا لربع سكان العالم، تضررت جنوب آسيا تضررًا شديدًا من جائحة كوفيد19، وكان حجم الضرر كبيرًا للغاية خصوصًا بسبب النسبة الكبيرة للسكان الذين يعيشون على الهامش، والتجزؤ الموجود في مجال الحماية الاجتماعية، وتفشي الاقتصاد والعمالة غير الرسمية، والفجوات الكبيرة في البنية الصحية العامة.

تشير تقديرات إلى أن الجائحة في جنوب آسيا تسببت في دخول ما بين 62 و71 مليون إنسان جديد إلى دائرة الفقر في عام 2021. هذا وقد لحق ضرر شديد أيضًا بالسياحة، وهي قطاع مهم في جميع اقتصاديات جنوب آسيا، لا سيما لدولة المالديف، ما تسبب في تدمير أرزاق ملايين الأشخاص المعتمدين على هذا القطاع أو أنشطة مرتبطة به. كما ألحقت الجائحة أيضًا ضررًا شديدًا بأعمال صغيرة ومتوسطة الحجم، والتي هي عمود اقتصاديات جنوب آسيا، وتسهم إسهامًا كبيرًا في الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف والصادرات.

زادت هذه الأزمة من مظاهر عدم المساواة والضعف التاريخية، ومن المرجح أن تدمر مكاسب تحققت في سنوات – أو حتى عقود – في مجالات الحدّ من الفقر، ما يقوّض من التقدم الذي أحرزته دول جنوب آسيا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وبالرغم من أننا بعيدون كل البعد عن محو آثار هذا الضرر الاقتصادي، إلا أن التعافي الاقتصادي يتواصل في جنوب آسيا، مع تحقيق نمو قوي في أنشطة الإنتاج والصادرات. ومع تعافي منطقة جنوب آسيا، باتت لديها الآن فرصة للاستفادة من الأزمة لإعادة بناء مجتمعات أكثر مساواة واستدامة ومرونة. ينبغي أن تسترشد مسارات التعافي واستراتيجيات النمو الجديد بالدروس التي جرى تعلمها من الأزمة، والابتكارات التي ظهرت خلالها.

تعزيز التعاون الإقليمي

ومن بين الفرص الناشئة، يوفّر تعزيز التعاون الإقليمي منصّة يمكن أن تبني عليها دول جنوب آسيا قوة تأثير فريدة. بالرغم من ميزات التقارب الجغرافي وأوجه التشابه الهيكلية والثقافية، والأولويات التنموية المشتركة، والأطر المؤسساتية العديدة للتعاون الإقليمي، إلا أن جنوب آسيا هي من بين أقل مناطق العالم تكاملًا من الناحية الاقتصادية. إن هذه المنطقة لديها فرصة لإعادة ابتكار نفسها والظهور بوصفها اقتصادًا اقليميًّا متكاملًا؛ ما يؤدي إلى تحسين التجارة وسلاسل الإمداد والتبادلات الاقتصادية، مثل البنية التحتية وحركة البشر والموارد الرأسمالية عبر حدود دول المنطقة.

إن معالجة التفاوتات التاريخية في التجارة وأسواق العمل عبر الحدود، والاستفادة من الاقتصاد الداخلي المشترك للمنطقة، وذلك فيما يخص المدخلات والأسواق والاستهلاك، فضلًا عن تعزيز المؤسسات والاتفاقيات الإقليمية، كل هذا يمكن أن يتيح فرصًا اقتصادية حالية أو مستقبلية غير مُستغلة. وفي ضوء إعادة توزيع سلاسل الإمداد العالمية في الوقت الراهن، يمكن أن يساهم وجود سلسلة إمداد إقليمية في تحقيق مكاسب كبيرة. وتحديدًا، يجب على الاقتصاديات الإقليمية أن تتعاون فيما بينها لتنفيذ مشروع “المنطقة التجارية الحرة في جنوب آسيا” تنفيذًا كاملًا، ولا شك أن تبنّي نهج مُركّز ومشترك لتعزيز التكامل الاقتصادي، يمكن أن يسهل إعادة هيكلة الصناعات التي تسعى لتحسين كفاءتها عبر المنطقة، بهدف دعم وفورات الحجم (Economies of scale) والتخصص والتنافسية.

اقتصاد خدمات جديد

إن الفرص التاريخية الناجمة عن أزمة اليوم، لن تكون متوفرة بمجرد أن تعيد الأنماط القديمة ترسيخ أقدامها من جديد. بالنسبة لجنوب آسيا، فإن مثل هذه الفرصة يمكن أن تتمثل في ظهور اقتصاد خدمات جديد.

ومع احتلال التكنولوجيات الرقمية مكانة مركزية أثناء الجائحة، حصل اقتصاد الخدمات على دعم كبير عالميًّا. سواء عبر آثارها المباشرة أو غير المباشرة على قطاعات أخرى، تلعب الخدمات دورًا مهمًا في زيادة عوائد الصادرات، وتعزيز الإنتاجية وخلق وظائف. إن التكنولوجيات الرقمية مثل الجيل الخامس والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي، جعلت الخدمات أكثر قابلية للتداول التجاري والتوسّع، بعيدًا عن عبء القرب الجغرافي. كما عززت الجائحة من قطاع التجارة الإلكترونية الإقليمية، والتي تميّز اقتصاد المنصات الرقمية في جنوب آسيا.

يمكن لاقتصاد الخدمات الجديد أن يدفع التنمية في جنوب آسيا. مع هذا، فإن إطلاق هذه الفرصة بشكل كامل يعتمد على إجراء إصلاحات في البيئة المؤسساتية والتنظيمية، وإنشاء بنية تحتية رقمية مؤاتيه، فضلًا عن الاهتمام بإعادة صقل المهارات وتحسينها. ثمة حاجة لبرامج تدريب محورها السوق، من أجل تحسين جودة المهارات التقنية الضرورية لهذه القطاعات.

التعافي الاقتصادي الأخضر يمكن أن يعزز التنافسية على المدى الطويل

إن دول جنوب آسيا لديها فرصة فريدة أخرى، وهي وضع التعافي الأخضر في قلب التخطيط الاقتصادي في مرحلة ما بعد الجائحة، وبناء مدن أكثر خضرة واستدامة، كما أن السعي لتحقيق تعافٍ اقتصادي أخضر، يمكن أن يعزز التنافسية الاقتصادية طويلة الأمد لجنوب آسيا، ويساعدها أيضًا على ضمان تحقيق مستقبل مرن بيئيًّا. يمكن للتعافي الأخضر أيضًا أن يشجع على عمليات تعاون وشراكات جديدة بين القطاعين العام والخاص بين دول جنوب آسيا.

ركّزت قمة المناخ (COP26) مؤخرًا اهتمام العالم على الحاجة الماسة لمعالجة التغيّر المناخي. وفي ضوء حالة التوافق بشأن أهمية وحجم التحوّل المطلوب لتخليص الاقتصاد العالمي من الكربون، وتقليل أضرار المناخ، سيكون دور ومساهمات جنوب آسيا مهمة للعالم من أجل تحقيق الأهداف الحالية.

يمكن لدول جنوب آسيا الاستفادة من فرص عديدة للتعاون عبر الحدود لدعم انتقالها الديمقراطي، مثل مشاركة الدروس وأفضل الممارسات، والتدريبات المشتركة لبناء القدرات، واستراتيجيات إقليمية لتقليل الانبعاثات. هناك بالفعل اقتصاديات إقليمية رائدة في مجال التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيّف معه:

  • أعلنت الهند مؤخرًا تأسيس مهمة وطنية للهيدروجين، كما أن خطة “بانشاغريت” الهندية الطموحة المكونة من خمس نقاط، والتي تتعهد فيها الهند بتحقيق حياد كربوني كامل بحلول عام 2070، كانت واحدة من أهم الإعلانات في قمة غلاسكو.
  • أطلقت بنغلاديش أول خطة استثمارية ترعاها دولة على مستوى العالم لمعالجة التغير المناخي، كما يلعب هذا البلد دورًا رياديًّا في تعزيز صمود المناطق الساحلية أمام التغير المناخي.
  • حققت باكستان تخفيضًا تاريخيًا بنسبة 9 بالمائة في انبعاثات كربونية مُغيرة للمناخ بفضل برامج تشجير وتدخلات طبيعية هائلة، مثل برنامج “تسونامي العشر مليارات شجرة” و”مبادرة المناطق المحمية”. بحلول عام 2030، تهدف باكستان للتحول لنسبة 60 بالمائة من الطاقة المتجددة و30 بالمائة من السيارات الكهربائية، وفرض حظر تام على استيراد الفحم.
  • إن نيبال هي أول بلد مشارك في تلقي منحة من “صندوق المناخ الأخضر” من أجل دعم خطة التكيّف الوطنية. وساعدت برامج إدارة الغابات القائمة على مشاركة المجتمع المحلي في تقليل معدل إزالة الغابات بنسبة 40 بالمائة. 
  • بوتان هي أول دولة ذات انبعاث كربوني سلبي في العالم.

في المرحلة المقبلة، تحتاج الدول لاستكشاف فرص ملموسة لإدماج تدابير التعافي الخضراء المرنة من آثار كوفيد19 في خطط التنمية الوطنية، كما أن إجراء تغييرات طويلة الأمد في مجال السياسات لدعم تطبيق “المساهمات المحددة وطنيًّا”، وتعميم إجراءات التأقلم لتوجيه استراتيجيات تنمية على الصعيد الوطني ودون الوطني، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، كل هذا يمكن أن يساعد جنوب آسيا على وضع أجندة تعافٍ خضراء قوية.

مع هذا، سيكون إجراء إصلاحات جوهرية أمرًا مهمًّا في سعي جنوب آسيا لتحقيق تعافٍ أخضر ونمو في المستقبل، ويشمل هذا الوصول إلى طاقة نظيفة وبنية تحتية خضراء وتمويل أخضر، وإجراء إصلاحات في مجال معونات وتسعير الوقود الأحفوري، والتخطيط الحضري المراعي للمخاطر، وإنشاء أنظمة مستدامة في مجال البنية التحتية والنقل، إلى جانب مشاركة المجتمع المحلي. وعبر التعاون ودعم بعضها البعض، يمكن لدول جنوب آسيا تعزيز التقدم العالمي في جهود المناخ، والحصول في الوقت ذاته على استثمارات وشراكات جديدة تدعم انتقالها الأخضر.

إن جنوب آسيا لديها فرصة نادرة ليس فقط لمعالجة التحدي الصحي قريب المدى، ولكن أيضًا لكي تصبح محورًا مهمًّا للنفوذ والتأثير في النظام العالمي الجديد. إن المنتدى الاقتصادي العالمي يقف مع هذه المنطقة لمساعدتها في تشكيل ملامح نظام عالمي جديد من أجل مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا واستدامة للجميع.  

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا