ضغوط بيع مكبوتة.. “أردوغان” يضع الليرة أمام العاصفة!

حسام عيد – محلل اقتصادي

على إثر محاولات نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المريرة للتدخل في آليات عمل البنك المركزي لإنقاذ الليرة، والحفاظ على استقرار سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية على أقل تقدير، جاءت التداعيات باهظة التكلفة، حيث تولدت ضغوط بيع مكبوتة، لتنهار معها العملة التركية لأدنى مستوياتها منذ شهرين.

وقد أكدت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أن تركيا لا تزال تواجه مخاطر تمويل خارجية وإن دورة تيسيرها النقدي اقتربت من النهاية، وذلك بعد أن قفز التضخم إلى 12.5% على أساس سنوي في يونيو الماضي.

وعلق البنك المركزي التركي آواخر يونيو على غير المتوقع دورة تيسير مدتها عام تقريبًا في مواجهة انخفاض بنسبة 13% لليرة هذا العام، وهو ما استنزف احتياطيات النقد الأجنبي، والالتزامات الخارجية للبلاد المرتفعة نسبيًا.

موجة بيعية

في وقت متأخر من ليل يوم الإثنين الموافق 27 يوليو الجاري، حدثت موجة بيع كبيرة واسعة، بعد إغلاق معظم التعاملات على الليرة في أوروبا، هوت على إثرها العملة التركية إلى 6.985 مقابل الدولار وهو أقل مستوى منذ 13 مايو الماضي.

ولكنها تعافت سريعًا واستقرت بالساعات الأولى من تعاملات اليوم الثلاثاء الموافق 28 يوليو، عند 6.875 بحلول الساعة 0807 بتوقيت جرينتش لتظل داخل النطاق الضيق الذي تحركت فيه خلال الشهرين الماضيين. وبحسب بيانات ومصادرفإن هذا الاستقرار يرجع جزئيًا إلى مبيعات البنك المركزي وبنوك حكومية لمليارات الدولارات.

وقال محللون لدى “كومرتس بنك” إن موجة البيع التي حدثت في وقت متأخر يوم الاثنين “دليل لا يتطرق إليه الشك في أن الليرة التركية تظل تخضع لضغوط قوية لخفض القيمة حتى إذا كانت تدخلات الحكومة بعيدة المدى …تمنع هذا من الظهور في أسعار الصرف”.

وأضافوا في مذكرة أن أسعار الصرف من الصعب التحكم فيها “في الأجل الطويل بدون نظام مكافئ يحظى بالمصداقية”.

وكانت الحكومة قالت إن البنك المركزي ربما يتدخل لتحقيق استقرار في العملة وقال البنك ذاته إن الاحتياطيات ستتقلب في أوقات استثنائية مثل أثناء الجائحة.

تدخل باهظ التكلفة

ووفقا لحسابات مصرفيين ومحللين، فإن تكلفة ما يُطلق عليه التدخل في سعر الصرف بلغت حوالي 100 مليار دولار منذ أن بدأت في أوائل العام الماضي لتقلص احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي.

وتراجع إجمالي احتياطي النقد الاجنبي إلى 49 مليار دولار من 81 مليار هذا العام وأدى ذلك إلى جانب التيسير الشديد للسياسة النقدية وانخفاض حاد لأسعار الفائدة الحقيقية لإثارة مخاوف من تنامي العجز في المعاملات الجارية لتركيا.

ولامست الليرة مستوى منخفضا قياسيا في السابع من مايو، مما سرع بحث أنقرة عن تمويل أجنبي.

انهيار متواصل نحو مستويات غير مسبوقة

ومع تصاعد الضغوط على الاقتصاد التركي بفعل تبعات جائحة كورونا، تتصدر الليرة التركية مشهد الاضطرابات في البلاد في وقت تتوقع فيه المؤسسات البحثية أن يتواصل انهيار العملة سريعًا لتعود وتعمق من خسائرها باتجاه نهاية عام 2020 لمستويات غير مسبوقة.

وقالت كابيتال إيكونوميكس لندن في مذكرة بحثية، إن الاستقرار الذي شهدته العملة التركية خلال الأسابيع القليلة الماضية لن يدوم طويلاً في ضوء حقيقة النزيف المتواصل في الاحتياطات والأصول الأجنبية للقطاع المصرفي التركي.

وتابعت المذكرة “لقد كانت الليرة التركية إحدى أسوأ العملات أداء في الأسواق الناشئة منذ مطلع العام الجاري أمام الدولار الأمريكي بالتزامن مع الانهيار الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا. ومع حقيقة أن تركيا مستورد صافٍ للطاقة وفي الوقت الذي كانت فيه عملات الأسواق الناشئة تظهر بعض علامات التعافي من الجائحة كانت الليرة التركية تواصل الاتجاه الهبوطي أمام الدولار الأمريكي”.

وتوقعت كابيتال إيكونوميكس أن تنهار الليرة التركية لمستويات 7.5 ليرة للدولار الواحد بنهاية العام الجاري مع استمرار الضغوط التي يتعرض لها صافي الأصول الأجنبية بالمصارف التركية.

وفي مذكرة بحثية أخرى صادرة عن “كومرتس بنك”، قال المحللون إن أوضاع الأصول الأجنبية في المصارف التركية تتدهور على نحو مطرد، وإن البنوك التركية تدخلت بناء على تعليمات السلطات بالتعاون مع البنوك الحكومية لوقف هبوط الليرة أمام الدولار.

وتابعت المذكرة “إذا كان هناك تدخل مستمر في سوق الصرف فإن هذا سيترجم إلى ضعف في سعر الليرة على المدى المتوسط مع الضعف الذي سيعتري ميزانيات البنوك والاختلال المتوقع في صافي الأصول الأجنبية لديها التي ينتظر أن تواصل تدهورها خلال الأشهر القليلة المقبلة”.

وفي تلك الأثناء، طالبت السلطات الحكومية، البنوك، باتخاذ إجراءات جديدة لوقف هبوط الليرة من خلال التحوط ضد تقلبات العملة باستخدام العقود المستقبلية؛ في خطوة من شأنها أن تزيد الضغوط على الليرة التركية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
 

ربما يعجبك أيضا