العالم يواجه أزمة ديون لا مفر منها.. ما التفاصيل؟

حذر صندوق النقد الدولي من أزمة ديون جديدة تهدد الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية مع تسريع وتيرة تشديد السياسات النقدية عالميًّا.

ورسم الصندوق في تقريره، أمس الثلاثاء 26 يوليو 2022، صورة قاتمة وضبابية لآفاق الاقتصاد العالمي، في ظل استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم، وعودة الصين إلى الإغلاقات لمكافحة كورونا، متوقعًا تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي هذا العام إلى 3.2%.

صندوق النقد يخفض توقعاته

خفض صندوق النقد في التقرير توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% هذا العام و2.9% في 2023، بتراجع قدره 0.4% و0.7% مقارنة بتوقعات إبريل، مشيرًا إلى أن النمو العالمي سيتباطأ أكثر في 2023 مع استمرار نهج البنوك المركزية عالميًّا رفع أسعار الفائدة، لترويض التضخم، وفق تقرير الصندوق و”نيويورك تايمز”.

وقال كبير الاقتصاديين في الصندوق، بيير أوليفيه جورينشا: “قد يتأرجح العالم على شفا الركود قريبًا، حال قطع تدفقات الغاز الروسي بالكامل عن أوروبا، ما يرفع التضخم إلى مستويات قياسية جديدة، ويجعل الاقتصاد العالمي يواجه واحدة من أضعف سنواته منذ العام 1970، ويقترب النمو في أمريكا ومنطقة اليورو من مستوى الصفر في 2023، مع التأثير على باقي بلدان العالم.”

مستويات حرجة للمديونية

أوضح تقرير الصندوق أن أحد أهم المخاطر التي تكتنف آفاق الاقتصاد العالمي تتمثل في خروج توقعات التضخم عن الركيزة المستهدفة، وتسريع وتيرة تشديد الأوضاع المالية العالمية، الأمر الذي قد يصل بمستويات المديونية في الاقتصادات الناشئة والنامية إلى مستويات حرجة، بفعل ارتفاع تكلفة الاقتراض عالميًّا، وزيادة قوة الدولار بما يهدد عملات الدول الناشئة بمزيد من التراجع.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، حذرت رئيسة صندوق النقد، كريستالينا جورجيفا، من أزمة ديون عالمية “وشيكة”، وقالت إن رفع سعر الفائدة الأمريكية بقوة يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار، وفي المقابل الدول النامية راكمت خلال السنوات الماضية قروضًا بنحو ربع تريليون دولار، ما يهدد بانحدار هذه الدول إلى سلسلة إفلاسات تاريخية، وفق “دوتشيه فيليه”.

60% من بلدان العالم في خطر

ارتفعت المديونية في الاقتصادات الناشئة والنامية التي تمثل نحو 40% من الناتج المحلي العالمي، على مدار 10 سنوات الأخيرة إلى أعلى مستوياتها منذ 50 عامًا، لتصل إلى أكثر من 250% من إيرادات الحكومات، وقدرت مجموعة البنك الدولي أن نحو 60% من بلدان العالم الأكثر فقرًا، إما أنها في حالة مديونية حرجة بالفعل، أو معرضة لمخاطر ديون عالية، مقابل 20% فقط في الماضي.

وأشار تقرير للبنك الدولي في مارس الماضي إلى أن أعباء خدمة الديون في البلدان متوسطة الدخل بلغت أعلى مستوى لها في 30 عامًا، بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية وكذلك الفائدة، متوقعًا أن تعجز نحو 12 دولة نامية عن خدمة ديونها وسداد التزاماتها المالية بحلول نهاية الربع الأول من 2023، ما يشكل أكبر موجة من أزمات الديون منذ نحو 30 عامًا.

زيادة أعباء الديون كأحد تداعيات رفع الفائدة عالميا

أزمة ديون لا مفر منها

أقر صندوق النقد بالحاجة إلى ترويض التضخم كأولوية لصناع السياسيات حول العالم، وبأن تشديد السياسة النقدية سيكون له تكاليف اقتصادية لا مفر منها، ويؤثر في الاستقرار المالي عالميًّا، ما يتطلب الحكمة في استخدام الأدوات الاحترازية، وتعزيز إصلاحات تسوية الديون.

وحذرت كريستالينا جورجيفا من تراخي دول العالم، وتحديدًا مجموعة العشرين، في ما يتعلق بتخفيف أعباء الديون عن الدول التي بلغت مستويات حرجة من المديونية، مثل نيجيريا وتشاد وغيرها، وقالت إن عدم فعل ذلك يمكن أن يتسبب في دوامة هبوط مدمرة.

ارتفاع التضخم عالميا

معالجة أزمة الديون

خلال العام الحالي، حصل الدائنين في نادي باريس على نحو 5 مليارات دولار فقط من إجمالي 53 مليار دولار يتعين على البلدان منخفضة الدخل سدادها، ما يعني أن العالم على شفا أزمة ديون مستحقة، مع حقيقة أن معظم ديون الاقتصادات النامية تنطوي على أسعار فائدة متغيرة قد ترتفع فجأة، بحسب مدير عام الاقتصاد الكلي بالبنك الدولي، مارسيلو استيفاو.

وقال استيفاو في مقال بتاريخ 28 مارس إن العالم تبنى منذ وقت طويل نهجًا ضعيفًا للغاية لحل أزمات الديون في الاقتصادات النامية، فجاء تقديم مساعدات تخفيف أعباء الديون ضئيلًا للغاية أو متأخرًا جدًا، وحان الوقت لتبني نهج يتلاءم مع القرن 21، قوامه المبادرة وليس رد الفعل، ويحول دون اندلاع الأزمة في المقام الأول.