الباسطي.. الجامع الباهي الزاهي

عاطف عبداللطيف

كتب – هدى إسماعيل وعاطف عبداللطيف

يقول عنه المقريزي في “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار”: “هذا الجامع بخط الكافوري من القاهرة، كان موضعه من جملة أراضي البستان، ثم صار مما اختط، فأنشأه القاضي ’زين الدين عبدالباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقي‘ ناظر الجيوش في سنة 822 هجريًا، ولم يسخر أحدًا في عمله بل وفى لهم أجورهم حتى كمل في أحسن هندام وأكيس قالب وأبدع زي ترتاح النفوس لرؤيته وتبتهج عند مشاهدته.

هو الجامع الزاهر والمحراب الباهي الباهر، ابتدئ فيه بإقامة الجمعة في يوم الجمعة الثاني من صفر سنة 823 هجريًا، ورتب في خطابته ’فتح الدين أحمد بن محمد بن النقاش‘ أحد شهود الحوانيت وموقعي القضاة، ثم رتب به صوفية، وولي مشيخة التصوف ’عز الدين عبدالسلام بن داود بن عثمان المقدسي الشافعي‘، أحد نواب الحكم، فكان ابتداء حضورهم بعد عصر يوم السبت أول شهر رجب منها، وأجرى للفقراء الصوفية الخبز في كل يوم، والمعلوم في كل شهر، وبنى لهم مساكن وحفر صهريجًا يُملأ من ماء النيل ويسبل في كل يوم، فعمّ نفعه وكثر خيره”.

مئذنة رشيقة 

بني هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد بحيث يتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات يتوسط صدر إيوان القبلة محراب حجري بسيط يجاوره منبر خشبي دقيق الصنع طعمت حشواته بالسن والزرنشان وهو يعتبر من المنابر التي بلغت فيها دقة الصناعة شأنًا عظيمًا.

وأرض إيوان القبلة والصحن مفروشة بالرخام الملون بتقاسيم هندسية جميلة، ويدل سقفا السبيل والطرقة الموصلة من الباب الشرقي للصحن وما بهما من نقوش جميلة مذهبة على ما كانت عليه أسقف المسجد من أبهة وجمال آنذاك.

كما أن للمسجد مئذنة رشيقة مكونة من منطقتين مثمنتين يظهر على طرازها التأثر بمئذنة المؤيد شيخ بالقاهرة، ولها منبر جميل من الحشوات المجمعة مطعم بالعاج والصدف، والحشوات عبارة عن ألواح تستخدم لملء الفراغات بين الدعامات.

ليس مجرد مسجد

كان هذا المسجد يقوم بأكثر من وظيفة؛ فهو في المقام الأول مسجد جامع كانت تؤدى فيه الصلاة، يؤكد ذلك المئذنة والمنبر المعد للخطبة، كما قام بوظيفة المدرسة؛ حيث ألحقت به مدارس فرعية وتؤكده النصوص التأسيسية الموجودة على الواجهة وعلى الصحن، وكذلك ألحقت به وحدة خيرية عبارة عن سبيل ماء يعلوه كُتَّاب لتعليم الأيتام.

وفي سبتمبر الماضي، نجحت أجهزة الأمن المصرية في استعادة البخارية النحاسية الخاصة بالبوابة الرئيسية لباب مسجد القاضي عبدالباسط الواقع بسكة الخرنفش بحي الجمالية، وذلك بعد سرقتها عام ٢٠١٤ على يد أحد اللصوص، وقامت وزارة السياحة والآثار بإعادة تركيب البخارية في مكانها الأصلي على باب المسجد.

كسوة الكعبة

في حي الجمالية وبالقرب من شارع المعز الذي يذخر بالعديد من الأماكن التاريخية وعند منطقة “الخرنفش” يقع مسجد وسبيل وكتاب القاضي عبدالباسط الذي كان يشغل عدة مناصب “قاضي قضاة مصر – ناظر الخزانة – ناظر الكسوة الشريفة، وهو المسؤول عن كسوة الكعبة الشريفة التي كانت تخرج سنويًا من مسجده بعد تصنيعها في دار الكسوة الشريفة بالقرب من مسجد الإمام الحسين وإرسالها إلى الكعبة الشريفة، وفي أيام الأشرف “برسباي” أسندت إليه وزارة خاصة بالملكية الخاصة.

ربما يعجبك أيضا