أوراسيا ريفيو| تركيا تلعب دورًا يفوق ثقلها على المسرح العالمي

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

إن كلمة الرئيس الأمريكي السابق “ثيودور روزفلت” المشهورة: “تكلم بهدوء واحمل عصا كبيرة” هي أفضل مثال عكسي على السياسة الخارجية التركية الحالية، حيث إن تركيا تتكلم بصوت عالٍ وتحمل عصا صغيرة. فتحت القيادة القومية المتطرفة لرجب طيب أردوغان، أصبحت طموحات تركيا الجيوسياسية تصادمية ومتهورة ومغالية في الطموح، وقد أكسبها إصرارها على تحدي الحدود الإقليمية، والتخلي عن الأعراف والقوانين الدولية، والنزعة الأحادية غير الخاضعة للرقابة، ومغازلة الجهات الفاعلة غير الحكومية البغيضة، عزلة بين جيرانها، وعزلة دبلوماسية غير مسبوقة، فضلاً عن توبيخ حلفاء سابقين. لقد أدت هذه المبادرات المتهورة إلى فقدانها الكثير من الشركاء الاستراتيجيين، إضافة إلى تزايد خصومها الجيوسياسيين.

وقد جذبت الأعمال العدائية الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها، تركيا، التي ألقت بثقلها السياسي والدبلوماسي وراء باكو، الدولة الشقيقة التي يهيمن عليها الترك، والتي تستفيد من الطائرات بدون طيار تركية الصنع في الصراع الدائر. كما أرسلت أنقرة مرتزقة سوريين للقتال إلى الجانب الأذربيجاني لقلب الموازين ضد عدوها اللدود أرمينيا، رغم نفيها ذلك.

وربما قد أثار هذا التصعيد حفيظة روسيا، فهي ليست مجرد وسيط إقليمي تقليدي قوي، ولكنها أيضًا تحافظ على الاتفاقية الأمنية التي أبرمتها مع أرمينيا. ففي العاشر من أكتوبر، توسطت روسيا في وقف إطلاق نار ضعيف استمر أقل من 24 ساعة. وبعد ذلك بوقت قصير، أصدرت تركيا بيانًا دعت فيه أرمينيا إلى الانسحاب الكامل من منطقة ناجورنو كاراباخ كشرط مسبق لمحادثات السلام.

وهذا الموقف يُعقِّد جهود الوساطة التي تقودها روسيا ليس لأنه يدعم خروجًا جذريًّا عن الوضع الراهن الذي دام 30 عامًا؛ بل لأنه يسلّط الضوء أيضًا على موقف تركيا المتصلب فيما يتعلق بالصراع. وفي 13 أكتوبر، أصر السياسي التركي “دولت بهجلي” على أن “أرمينيا هي الطرف الذي انتهك وقف إطلاق النار كما هو متوقع. وعاد التفاوض مع القاتل رصاصًا وقنابل. ولا ينبغي أن تعود ناجورنو كاراباخ [عبر الدبلوماسية] على الطاولة، ولكن ينبغي أن ترد بمواصلة الضرب على رأس أرمينيا”. وقد يبدو الأمر محيرًا، وهو أن تفادي التضارب عبر الأعمال العدائية المتزايدة هو أسلوب عمل أنقرة بشكل عام.

كانت تركيا على خلاف أيضًا مع اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر بشأن احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط. والسبب في هذه النزاعات الإقليمية البحرية هو رفض تركيا الاعتراف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهو نظام بحري دولي يرسم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة، حتى 200 ميل من الشاطئ. وقد تدهورت العلاقات التركية اليونانية نتيجة رفض أنقرة لهذه الاتفاقية، وانخرطت الدول المتنافسة في سياسة حافة الهاوية العسكرية وتبادل الانتقادات.

وفي بيان صادر في الخامس من سبتمبر، هدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خصومه في أثينا، قائلاً: “إنهم إما سيفهمون لغة السياسة والدبلوماسية، أو في الميدان بتجارب مؤلمة”. وفي الثاني عشر من أكتوبر، زادت تركيا من حدة التوتر عندما أرسلت سفينة جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية لإجراء مسح زلزالي.

بالإضافة إلى البيانات اليونانية والفرنسية والاتحاد الأوروبي التي تحذر من هذه الخطوة، قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صادر في 13 أكتوبر: إن “الإكراه والتهديد والترهيب والنشاط العسكري لن يحل التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط. نحث تركيا على إنهاء هذا الاستفزاز المحسوب والبدء على الفور في محادثات استكشافية مع اليونان؛ فالإجراءات الأحادية لا يمكن أن تبني الثقة ولن تسفر عن حلول دائمة”.

أصبحت تركيا منخرطة في الحروب الأهلية السورية والليبية في مواجهة روسيا المتفوقة عسكريًّا في كلا الساحتين. ففي ليبيا، تستخرج أنقرة موارد الطاقة من المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لحكومة الوفاق الوطني المحاصرة في ليبيا مقابل الحصول على السلاح والدعم الدبلوماسي. ولكن مع تكثيف تركيا لتدخلها العسكري في سوريا، نتوقع الشيء نفسه من روسيا والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر، التي تدعم حكومة الجيش الوطني الليبي في بنغازي بقيادة الجنرال “خليفة حفتر”. وعلى الرغم من نجاحها الأَوَّلي في تحويل الزخم لصالح حكومة الوفاق الوطني، إلا أن تركيا لا تستطيع التنافس ضد القوات المشتركة للجيوش الأربعة المذكورة في صراع طويل الأمد.

وهذا دَرْسٌ فشلت في تعلمه في سوريا، حيث بعد ما يقرب من 10 سنوات من المشاركة، فشلت تركيا في تأمين منطقة عازلة بطول 20 ميلاً في محافظة إدلب الشمالية، ويرجع ذلك إلى دعم روسيا للجيش العربي السوري. ففي حين نجحت أنقرة في طرد الميليشيات الكردية من مناطق الحدود الشمالية، عليها الآن أن تتعامل مع ملايين اللاجئين السوريين الذين يشكلون استنزافًا مستمرًا لاقتصادها.

وفي أغسطس من هذا العام، زُعم أن تركيا قامت بتنشيط أحد أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز (إس 400) لتعقب طائرة يونانية من طراز (إف 16)، وهو ما لم يغضب اليونان فحسب، بل أغضب العديد من الدول الأعضاء في حلف الناتو. وكان من بين هؤلاء الولايات المتحدة، التي تنظر إلى شراء منظومة (إس 400) على أنه تهديد لطائرتها المقاتلة الشبح من الجيل الخامس (إف 35)، غير أن القلق الأكبر هو أن التنشيط التركي للمنظومة الروسية، التي يمكن لروسيا مراقبتها، سيكشف بيانات مهمة عن أنظمة أسلحة الناتو، ولكن بعد حصولها على المنظومة المضادة للطائرات العام الماضي، رفضت واشنطن بيع مقاتلتها (إف 35) إلى أنقرة.

وفي غضون ذلك، نظرت الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى في الناتو في فرض عقوبات على تركيا عقابًا لها على تقويض التزاماتها الأمنية تجاه الحلف العسكري. وفي النهاية، يجب على تركيا أن تقرر أين تكمن ولاءاتها، لأن عضويتها في الناتو ربما تكون على المحك.

وفي حين أن توقعات القوات التركية خارج حدودها تهدف إلى إظهار القوة العسكرية المتصاعدة، فإن هذه الحملات لم تجنِ الكثير من المكاسب الجيوسياسية الجوهرية؛ لأن أنقرة ليس لديها الرغبة في الاستثمار الكامل لمواردها الخاصة لتحقيق أهدافها الجيوستراتيجية. وبدلًا من ذلك، تم تكليف المرتزقة والجهاديين الأجانب بتأمين المصالح الخارجية لأنقرة. وتؤكد حلول الإسعافات الأولية قصيرة النظر هذه، الفشل في تقييم تعقيدات الحروب الأهلية وبراميل البارود الجيوسياسية الإقليمية التي وقعت فيها تركيا.

ومن المرجح أن يكون التدفق المستمر للخطاب العدائي الاستفزازي لقادة تركيا بمثابة انحراف عن الاقتصاد المتعثر وتآكل المؤسسات الديمقراطية. ومع هذا فإن صبر المجتمع الدولي أضعف من هذا التكتيك. ومن أجل إنقاذ الدولة التركية لشرعيتها، يجب عليها تقليص سياسات الاستقطاب والمواقف المتعجرفة التي تنبذها بمعدل متزايد بسرعة؛ فكلما أدركت أنقرة في وقت مبكر أن نطاق سياساتها الخارجية غير مستدام، فإنها ستتمكن سريعًا من التخلي عن مغامراتها المتهورة وإصلاح العلاقات الإقليمية والعالمية.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا