سبكتاتور البريطانية|الحرب الباردة.. محاولة روسيا للسيطرة على المنطقة القطبية الشمالية

آية سيد

ترجمة: آية سيد

ربما حان الوقت لكي يجد بابا نويل منزلًا جديدًا له، قبل أن يطرده الروس. أعلن المستكشف الروسي أرتور تشيلينغاروف عندما ذهب إلى القطب الشمالي في 2003، “هذه منطقتنا القطبية الشمالية”. وبعدها بأربعة أعوام، غرست بعثة روسية أخرى، بقيادة تشيلينغاروف، علمًا من التيتانيوم في قاع البحر أسفل القطب بـ2.5 ميل. لقد كانت لفتة رمزية لطموح جيوسياسي، وصرّح تشيلينغاروف الجينغويّ: “إن مهمتنا هي تذكير العالم بأن روسيا قوة قطبية شمالية وعلمية عظمى”.

منذ 2013، استثمرت روسيا بشدة في سبع قواعد عسكرية/بحرية على طول ساحلها المتجمد الشمالي لتعزيز قوة ونفوذ البلاد، وصرّح وزير الخارجية سيرجي لافروف قائلًا: “يعتقد الأمريكيون أنهم وحدهم يستطيعون … وضع القواعد. فيما يتعلق بطريق بحر الشمال، هذا هو شريان النقل الوطني”. وفي الشهر الماضي، وفي واقعة لم ينقلها الإعلام الغربي تقريبًا، كشف الرئيس فلاديمير بوتين، في احتفالية في حوض السفن الأميرالية في سان بطرسبرج، كشف النقاب عن سفينة جديدة كاسحة للجليد تعمل بالديزل والكهرباء، فيكتور تشيرنوميردين، وهي أقوى سفينة غير نووية من نوعها في العالم. وقبلها بشهر، بدأت كاسحة جليد جديدة أخرى، أركتيكا، وهي سفينة تعمل بالطاقة النووية بحمولة 33 ألف طن وإزاحة تساوي حاملة طائرات في الحرب العالمية الثانية، بدأت عمليات في المنطقة القطبية الشمالية، يمكن لمقدمتها أن تكسح جليد بسُمك 10 أقدام.

تتضمن الخطط المستقبلية إضافة ثلاث سفن عملاقة من فئة “ليدر” بحمولة 70 ألف طن إلى قائمة كاسحات الجليد الضخمة الـ37. إنها قوة تدعم الأسطول الشمالي، المتمركز بالقرب من مدينة مورمانسك قبالة بحر بارنتس، الذي يجمع 35 سفينة سطح مذهلة ونفس العدد من الغواصات.

كانت المنطقة القطبية الشمالية الروسية بساحلها البالغ طوله 15 ألف ميل، والتي تُعد موطنًا لمليوني شخص، ذات قيمة مشكوك فيها حتى وقت قريب، لكن الاحتباس الحراري غيّر ذلك. ووفقًا للتقرير الصادر عن اللجنة الدولية للتغيرات المناخية عام 2014، انخفضت أحجام جليد المنطقة القطبية الشمالية بنسبة 75% منذ 1980، وقد تصبح قطاعات كبيرة من المحيط المتجمد الشمالي خالية من الجليد في غضون جيل. بالنسبة إلى دول شمال آسيا، وجود ممر بحري على طول المنطقة القطبية الشمالية لروسيا سوف يخفض زمن الشحن البحري إلى أوروبا بأسابيع.

والأكثر أهمية، من المُقدّر أن المحيط المتجمد الشمالي – الذي يمثل 3% من سطح العالم تقريبًا مثل بر روسيا الرئيسي – يحتوي على 22% من النفط والغاز الطبيعي لكوكب الأرض، وكذلك أيضًا كميات غزيرة من المعادن.

وفي حين أن المجتمع الدولي يشير إلى أضرار الاحتباس الحراري، سوف تضع الكثير من الدول استغلال المنطقة القطبية الشمالية فوق المصالح البيئية.

إن تخصيص حقوق الاستغلال موضوع مهم. في حين أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تسمح لدول مجلس القطب الشمالي الساحلية – وهي كندا والدنمارك عبر جرينلاند والنرويج وروسيا والولايات المتحدة – بتمديد مياهها الإقليمية 200 ميل من خط الساحل، فإن بعيدًا عن تلك النقطة هناك مجال واسع للخلاف، وليس فقط حول الحدود. إذا استطاعت دولة ما إثبات “حافة قارية” – جرف ضحل مرتبط بالبر الرئيسي – إذن يمكن إقامة منطقة اقتصادية خالصة تصل إلى 350 ميلًا من الشاطئ. تطالب روسيا وكندا والدنمارك بحيد لومونوسوف، وهي سلسلة جبلية تحت الماء بطول 1100 ميل تقسم المنطقة القطبية الشمالية إلى نصفين.

وأحد مجالات الخلاف الأخرى هي “حقوق المرور”. تقدم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لكل الدول حق استخدام المياه الإقليمية للمرور، لكن هذا لا ينطبق على المياه الداخلية. تعامل روسيا حاليًا طريق بحر الشمال كمياه داخلية وتفرض رسوم مرور وفقًا لذلك. إنها تستطيع، بحسب تفسيرها لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، منع المرور في أي وقت.

حتى الآن كان الرد الأمريكي على مطالب روسيا بالملكية تسويفيًّا. في 2018 فقط، بعد 30 عامًا من الانقطاع، تجرأت الولايات المتحدة على إرسال أسطول سطح إلى المنطقة القطبية الشمالية بقيادة الحاملة هاري إس ترومان، بيد أن الموارد الأمريكية في المنطقة هزيلة. وعلى الرغم من أن الكونجرس وافق على بناء كاسحة جليد جديدة بقيمة 655 مليون دولار العام الماضي، فإن قدرة خفر السواحل الحالية في المنطقة القطبية الشمالية هي كاسحة جليد ثقيلة واحدة، بولار ستار التي يبلغ عمرها 43 عامًا.

مع هذا، يدرك وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تمامًا للإمكانية الاقتصادية التي تتمتع بها المنطقة القطبية الشمالية، كما وضح في زيارة لفنلندا في مايو 2019، إلا أنه، بانتخاب جو بايدن رئيسًا، من المرجح أن تصبح محاولة ترامب – بومبيو لتنشيط المصلحة الاقتصادية والقوة العسكرية الأمريكية في المنطقة القطبية الشمالية قصيرة الأجل. كما رفض الكونجرس، بالرغم من مناشدات الرئيسين بوش وأوباما، التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واستبعد حتى الآن الولايات المتحدة من إمكانية تمديد منطقتها الاقتصادية الخالصة، على الأقل بموجب القانون الدولي، لكن المنافع الاقتصادية للولايات المتحدة يمكن أن تكون مسألة جدلية في كل الأحوال.

في ديسمبر 2016، أعد الرئيس المغادر أوباما ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو اتفاقًا لمنع التنقيب في ألاسكا إلى أجل غير مسمى. كان الهدف هو إحباط رئاسة دونالد ترامب الموالية للنفط. وفي مارس 2019، حكمت محكمة فيدرالية أن محاولة ترامب لرفع حظر أوباما غير قانونية، وكما هو الحال مع أوباما، يمكن توقع أن استراتيجية بايدن في المنطقة سوف تعتمد بشدة على الكلمات المراوغة “مستدامة” و”مسئولة” – باختصار، لا استراتيجية جيوسياسية على الإطلاق. ويبدو محتملًا أن بايدن سيتخلى عن المنافسة على المنطقة القطبية الشمالية بنفس السهولة التي تخلى بها أوباما عن السيطرة على بحر الصين الجنوبي.

وبالنسبة إلى أوروبا، فإنها مشاركة في اللعبة من خلال حقوق الدنمارك السيادية على جرينلاند. وعلى الرغم من أن الدنمارك زادت ميزانيتها البحرية، إلا أنها مجرد نقطة في المحيط المتجمد الشمالي مقارنة بميزانية روسيا. ونظرًا إلى أن الإنفاق العسكري الدنماركي، عند 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، يعجز عن الوفاء بالتزاماتها في الناتو، كان الرد اللاذع لرئيسة الوزراء “مت فريدريسكن” على اقتراح ترامب بشراء جرينلاند متهورًا، وألغى ترامب زيارته المقررة إلى الدنمارك، ولا توجد رهانات على أي قوة عالمية سوف تعتمد فريدريسكن إذا هددت روسيا حقوقها في المنطقة القطبية الشمالية، ولن تكون الاتحاد الأوروبي بالتأكيد.

لا يستطيع الاتحاد الأوروبي، على عكس الهند والصين، الحصول على مقعد مراقب في مجلس القطب الشمالي، على ما يبدو لأن كندا عارضت طلبه بسبب حظر أوروبا لجلد الفقمة.

ربما تعتقد أن الصين ليست دولة قطبية شمالية لحسن الحظ.. أم أنها كذلك؟ في 2018، زعمت الصين أنها دولة “قريبة من المنطقة القطبية الشمالية” على الرغم من كونها بعيدة كل البُعد عن المنطقة – حيث تبعد 900 ميل على وجه الدقة. وبصفتها أحد الموّقعين الأوائل على معاهدة سفالبارد (1925)، تطالب الصين بنفس حقوق النرويج في استغلال موارد أرخبيل سفالبارد الخاضع لسيطرة النرويج، فيما تجادل الصين أيضًا بأن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي صدّقت عليها، تمنحها حقوق على “الحزام والطريق القطبي الشمالي”؛ حيث تمثل الاستثمارات الصينية في جرينلاند الآن 12% من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما يتم احتضان فنلندا وأيسلندا بنفس الطريقة، وتنفي الصين النية التوسعية، لكن في 2010 ادعى الأدميرال الصيني ين تشو أن “المنطقة القطبية الشمالية تنتمي إلى كل الشعوب حول العالم، لذلك لا تمتلك أي دولة سيادة عليها… يجب أن تلعب الصين دورًا أساسيًّا في استكشاف المنطقة القطبية الشمالية حيث إننا نملك خُمس سكان العالم”.

والآن: هل تشعر روسيا بالقلق؟ على الأرجح. لكن محاولتها للسيطرة على المنطقة القطبية الشمالية تعتمد بشدة على التمويل الصيني، كما أن الحاجة تجبرها على ذلك. لقد رُسم المستقبل المحتمل عندما حصل صندوق طريق الحرير ومؤسسة البترول الوطنية الصينية على بنسبة 30% في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال، وهو أحد أكبر مشاريع الغاز الطبيعي المسال في العالم. وربما تفكر أوروبا في المنطقة القطبية الشمالية كمأوى للدب القطبي، لكن اللاعبين الأكبر لا يتفقون.

وفي الوقت نفسه، تبدو الحكومة في المملكة المتحدة عازمة على مناقشة البيض الأسكتلندي ومنع ألعاب الطاولة في الكريسماس أكثر من وقف الاستيلاء الروسي على المنطقة القطبية الشمالية، في حين أن غياب اهتمام بي بي سي بالجيوسياسة مثير للرعب بنفس القدر. وعلى الرغم من امتلاكها لألفي صحفي و41 مكتبًا دوليًّا، لم تذكر شيئًا عن تشغيل كاسحات الجليد الروسية الجديدة. ومنذ شهرين، على العكس، عرض موقع بي بي سي صورة للفتاة جريتا ثانبيرج، ذات الـ18 عامًا، تَظهر فيها بلافتة عن تغير المناخ على جبل جليدي. وبالنسبة إلى بي بي سي، يبدو أن المنطقة القطبية الشمالية مجرد حكاية بيئية – على الرغم من أنني أفترض أن بابا نويل والقطب الشمالي ربما يحصلون على زيارة سريعة في موسم الأعياد.

الرابط الأصلي من هنا

ربما يعجبك أيضا