ناشيونال إنترست | هل ستكون إدارة بايدن بمثابة ولاية ثالثة لأوباما؟

علي عبدالعزيز

ترجمة – آية سيد

هل ستكون السياسة الخارجية لإدارة بايدن مختلفة جذريًّا عن سياسة دونالد ترامب؟ بعيدًا عن الإجراءات الرمزية مثل إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ غير القابلة للتطبيق، على الأرجح لا. تبدأ العصور في السياسة الخارجية الأمريكية وتنتهي بأحداث عالمية درامية، وليس بالانتخابات الرئاسية المقررة بانتظام.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، سرّحت الولايات المتحدة الجنود سريعًا. ثم دفعتها صدمة الحرب الكورية إلى عكس مسارها. استمرت المرحلة الأولى من الحرب الباردة من 1950 حتى منتصف الستينيات، عندما أدركت إدارة جونسون أنها لن تستطيع الانتصار في حرب فيتنام وكان عليها أن تستجدي السلام. حتى قبل ريتشارد نيكسون، بدأت فترة الانفراج بمحاولة الولايات المتحدة انتشال نفسها من منطقة الهند الصينية أثناء السعي لتخفيف التوترات مع الاتحاد السوفيتي والصين. كان الغزو السوفيتي لأفغانستان هو الصدمة التي بدأت المرحلة الثانية من الحرب الباردة تحت حكم رونالد ريجان التي انتهت بسقوط جدار برلين في 1989 وحل الاتحاد السوفيتي في 1991.

افتتحت حرب الخليج في 1991 عصر السياسة الخارجية الذي لا نزال نعيش فيه. إن الانتصار العسكري السريع والسهل للولايات المتحدة على العراق تحت حكم صدام حسين في حرب الخليج عام 1991 خلق إحساسًا مبالغًا فيه بالقدرة الأمريكية وانجذابًا لحروب تغيير النظام لدى صُنّاع السياسة في كلا الحزبين. وفي حين أنهم اختلفوا على التفاصيل، اتفق كل الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين، من بيل كلينتون إلى جو بايدن – ومن بينهم ترامب بالطبع – على هدف الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في شرق آسيا، مع مد القوة العسكرية الأمريكية بقدر الإمكان في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط.

في أوروبا الشرقية، خلق تفكك الاتحاد السوفيتي فراغات في السلطة والتي سعت الولايات المتحدة إلى شغلها عن طريق توسيع الناتو إلى حدود ما تبقى من روسيا. وأحبط التدخل الروسي في جورجيا وأوكرانيا الخطط الأمريكية لضم البلدين إلى دائرة نفوذها العسكري، إلى جانب بولندا والمجر وبقية دول حلف وارسو السابق في أوروبا الشرقية.

في الشرق الأوسط الكبير، من شمال أفريقيا إلى وسط آسيا، منحت هجمات القاعدة على الولايات المتحدة في 2001 إدارة بوش حُجة لشن حرب تغيير النظام في العراق، بالإضافة إلى الحرب في أفغانستان، ومنذ ذلك الحين، تفككت ثلاث من الدول متعددة الأعراق التي شكلّها البريطانيون والفرنسيون في المنطقة وأبقاها الطغاة متماسكة – وهي العراق وسوريا ولبنان – إلى فصائل عرقية وطائفية. وعلى النقيض، حافظت الدول القومية الحقيقية في المنطقة ذات الإحساس القوي بالهوية القومية – وهي إيران وتركيا ومصر – على وحدتها. ومثلما سعت لملء فراغ السلطة الذي تركه انسحاب الجيش الأحمر في أوروبا الشرقية، سعت الولايات المتحدة لملء فراغات السلطة في الشرق الأوسط في العراق، وسوريا وليبيا، حيث خلقت اثنين من فراغات السلطة هذه في العراق وليبيا، وتسببت في فوضى مطولة في سوريا عن طريق شن حرب بالوكالة للإطاحة ببشار الأسد.

وفي كلٍّ من أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، كانت الولايات المتحدة من كلينتون إلى بايدن قوة عدوانية وتنقيحية، تسعى لتوسيع إمبراطوريتها غير الرسمية على حساب الخسائر الأمريكية المرتفعة، وعدد لا يُحصى من أرواح السكان المحليين، وتريليونات الدولارات، غير أنه في شرق آسيا، الولايات المتحدة في موقف دفاعي، حيث يهددها صعود الصين.  

وتحت حكم باراك أوباما، اتخذ احتواء الصين – “محور آسيا” – شكلًا يُمكن أن يُسمى ثلاثية الأطراف، على اسم اللجنة الثلاثية في السبعينيات. ووفقًا لهذه الاستراتيجية، أثناء موازنة الصين عسكريًّا، ستخلق الولايات المتحدة تكتلات تجارية عابرة للمحيط الهادئ وعابرة للمحيط الأطلسي بقواعد مواتية للولايات المتحدة والتي ستُجبَر الصين على التوسل للانضمام إليها في المستقبل. كانت الشراكة العابرة للمحيط الهادئ تهدف لأن تصبح تكتلًا تجاريًّا مناهضًا للصين وخاضعًا للهيمنة الأمريكية، بينما سعت الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي لخلق ناتو للتجارة والذي ستُستبعد منه الصين.

انهارت استراتيجية أوباما الكبرى حتى قبل انتخابات 2016، وانتهت الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي بشكل رئيسي بسبب العداء من المصالح الاقتصادية الأوروبية. وفي الولايات المتحدة، حقيقة أن معاهدة الشراكة العابرة للمحيط الهادئ لم تكن أكثر من مجرد قائمة رغبات من الهبات للمصالح المالية والدوائية الأمريكية وجماعات الضغط الأخرى ذات المصالح الخاصة جعلتها مكروهة، لدرجة أن هيلاري كلينتون وترامب أعلنا رفضهما لها خلال موسم الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

وقد سعى ترامب، مثل أوباما، لاحتواء الصين، لكن بإجراءات أحادية وليست ثلاثية، وأكدت إدارة ترامب على استعادة سلاسل الإمداد الاستراتيجية مثل الصُلب في الولايات المتحدة، مع عدم رغبتها في نقل الإمدادات الحيوية للخارج حتى إلى الحلفاء في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. هذا الانفصال عن التقليد السابق سيكون من الصعب إنجازه تحت حكم رئيس شعبي والذي كان عاملًا بيروقراطيًّا بارعًا، على عكس ترامب الغريب والمتقلب الأطوار.

وربما تصبح إدارة بايدن، التي تضم موظفين قدامى من إدارة أوباما، ولاية ثالثة للأخير، وربما يسعى بايدن لانفراج مع الصين في بعض القضايا، لكن نخب السياسة الخارجية الديمقراطيين، وكذلك أيضًا الجمهوريين، ينظرون للصين بقسوة أكثر مما فعلوا منذ أربع سنوات؛ وبالتالي، السيناريو الأكثر ترجيحًا هو محاولة استعادة استراتيجية أوباما الثلاثية لبناء أكبر ائتلاف ممكن من الحلفاء ضد الصين.

وقد ينجح تأكيد إدارة بايدن على التحالفات في حالة التحالف الرباعي المكون من الولايات المتحدة – اليابان – أستراليا – الهند، وربما تدعم المملكة المتحدة سياسة أمريكا في شرق آسيا. لكن ألمانيا وفرنسا، القوتين المهيمنتين في أوروبا، يرون الصين كسوق ضخم، وليس تهديدًا، لذا سيفشل بايدن إذا سعى إلى تكرار استراتيجية أوباما الكبرى بالاحتواء الثلاثي للصين.

إن نخب السياسة الخارجية من الديمقراطيين موالون لأوروبا ومُعادون لروسيا أكثر من نظرائهم الجمهوريين، وهذا جزئيًّا توقع للسياسة الداخلية. في قائمة أعداء الحزب الديمقراطي، يرمز بوتين إلى القومية والمحافظة الاجتماعية وكل شيء تبغضه نخبة الديمقراطيين حول “المثيرين للأسى” في الولايات المتحدة الذين يعيشون خارج المناطق الرئيسية ويصوّتون للجمهوريين. يمتد عداء المؤسسة الديمقراطية في أمريكا غير المنطقي أبعد من روسيا إلى الحكومات الديمقراطية المحافظة اجتماعيًّا في بولندا والمجر، الدولتين اللتين شجبهما بايدن بوصفهما “استبداديتَين”.

أما في الشرق الأوسط، على عكس أوروبا الشرقية، من المرجح أن تضحي إدارة بايدن بأيديولوجية اليسار الليبرالي بهدف مضاعفة القوة الأمريكية وتعزيز التواجد العسكري الأمريكي، بمساعدة الأنظمة الاستبدادية.

إن أي إشارة إلى تقليص التواجد سوف تشجبها مؤسسة السياسة الخارجية للحزبين التي تصطف خلف بايدن، لذلك لا تتوقع نهاية لأي من الحروب الأبدية تحت حكم بايدن؛ بل توقع العكس.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا