نيويورك تايمز: ما سيناريوهات الحكم البريطاني بتسليم مؤسس ويكيليكس للولايات المتحدة؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

اليوم الاثنين، يعتزم أحد قضاة لندن الحكم فيما إذا كان يتعين على بريطانيا تسليم “جوليان أسانج” إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه مؤسس ويكيليكس اتهامات بالتآمر لاختراق أجهزة الكمبيوتر الحكومية وانتهاك قانون التجسس بحصوله على وثائق سرية ونشرها في عامي 2010 و2011.

ويمكن أن يمهد إصدار حكم لصالح طلب التسليم الأمريكي الطريق أمام محاكمة عالية المخاطر سعى “أسانج” إلى تجنبها لسنوات، والتي يقول أنصاره إنها تشكّل تهديدًا خطيرًا لحرية الصحافة، حيث سيواجه أسانج ما حكمًا بالسجن لمدة تصل إلى 175 عامًا، إذا ثبتت إدانته بجميع التهم الموجهة إليه.

أما إذا رفضت القاضية، “فانيسا باريتسر”، طلب التسليم، فستحقق لأسانج نصرًا كبيرًا في وقت استخدمت فيه الإدارات الأمريكية الأخيرة قانون التجسس بشكل متزايد ضد مصادر الصحفيين. وإليك ما ينبغي معرفته عن هذا الحكم:

ما النتائج المحتملة؟

لن تحكم القاضية “فانيسا باريتسر” فيما إذا كان أسانج مذنبًا بارتكاب مخالفات، غير أنها ستُقرّر ما إذا كان الطلب الأمريكي بتسليم المجرمين يفي بالمتطلبات المنصوص عليها في معاهدة تسليم المجرمين المبرمة عام 2003 مع بريطانيا، أي هل الجريمة المزعومة التي يطالب الأمريكيون بتسليم أسانج على أساسها، يحاكم عليها في بريطانيا؟ وهل ارتكبها هناك؟

وإذا حكمت القاضية “فانيسا باريتسر” لصالح التسليم، فستحال القضية إلى وزير الداخلية البريطاني، الذي يتخذ القرار النهائي بشأن التسليم. وسيكون اختيارًا سياسيًّا حسَّاسًا، حيث إن أسانج شخصية بارزة، والتهم التي يواجهها في الولايات المتحدة خطيرة جدًا، بحيث سيكون لقرار السلطات البريطانية عواقب طويلة الأمد.

ولكن قبل الإحالة إلى وزارة الداخلية، من المرجح أن تبقي استئنافات القضية في المحاكم لأشهر. وإذا خسر أسانج، يمكن لفريقه القانوني أيضًا محاولة رفع القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أما إذا فاز في الاستئناف، حينها يمكن إطلاق سراحه.

ويمكن أن يلعب الرئيس المنتخب “جوزيف ر. بايدن جونيور” دورًا حاسمًا في تحديد مصير أسانج. حيث قال “كارل توبياس”، أستاذ القانون في جامعة ريتشموند: “إذا حكم القاضي البريطاني لصالح تسليم المجرمين، وكانت الولايات المتحدة قادرة على التسليم، فمن المحتمل أن يعود الأمر إلى الرئيس الجديد لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي على الحكومة الاستمرار في المحاكمة”.

وكان بايدن، عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، قد وصف مؤسس موقع ويكيليكس بأنه “إرهابي عالي التقنية” في عام 2010، ولكن لا يزال من غير الواضح ما الذي سيفعله كرئيس، إذ يمكن أن يعفو عن أسانج، أو يمكن لوزارة العدل إسقاط التهم الموجهة إليه، أو الاستمرار في المحاكمة.

كما تزايدت الدعوات إلى الرئيس ترامب بالعفو عن أسانج في الأسابيع الأخيرة، حيث أصدر ترامب العديد من قرارات العفو والتخفيف قبل انتهاء فترة ولايته.

فيما رفضت بريطانيا عدة طلبات تسليم من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2012، رفضت تسليم “جاري ماكينون”، وهو متسلل بريطاني اخترق أجهزة الكمبيوتر الحكومية الأمريكية في عام 2002، بسبب مرضه الشديد. وفي عام 2018، صدر حكم المحكمة العليا أيضًا بمنع تسليم “لوري لوف”، المتهم باختراق مواقع حكومية أمريكية.

ما مخاطر الحكم وأي محاكمة أمريكية؟

يمكن أن يؤدي إصدار حكم لصالح التسليم إلى تعريض أسانج للسجن مدى الحياة؛ إذ تعتبر حكومة الولايات المتحدة أسانج فردًا عرَّض أرواح الأمريكيين للخطر بكشفه عن أسماء الموظفين والمخبرين الأمريكيين الذين قدموا معلومات قيمة في أماكن خطرة مثل مناطق الحرب.

وقال “جيمس لويس”، المحامي الذي يمثل الحكومة الأمريكية، للمحكمة البريطانية العام الماضي: “إن الإعلام أو الصحافة ليسا عذرًا لأنشطة إجرامية أو ترخيصًا لخرق القوانين الجنائية العادية”.

بيد أن المؤسسات الإخبارية والجماعات اليمينية تقول إن التهم التي يواجهها أسانج تُشكّل تهديدًا خطيرًا لحرية الصحافة. ومن جانبها، قالت “ريبيكا فينسينت”، مديرة الحملات الدولية في منظمة مراسلون بلا حدود، ومقرها لندن: إن “مستقبل الصحافة وحرية الصحافة هنا على المحك”. وأضافت ريبيكا فينسينت: “إذا نجحت الحكومة الأمريكية في الحصول على حكم بتسليم أسانج ومحاكمته في الولايات المتحدة، فيمكنها مقاضاة أي صحفي أو مؤسسة إخبارية بتهم مماثلة”. فيما قال “جريج بارنز”، المحامي الأسترالي ومستشار أسانج: “إن الخطر الأكبر بالنسبة له في الولايات المتحدة هو أنه لن يواجه محاكمة عادلة”. وتابع: “يمكن أن يقضي بقية حياته في الحبس الانفرادي، ويُعامَل بطريقة قاسية وتعسفية”.

لماذا يقبع أسانج في سجن بريطاني؟

في عام 2012، دخل أسانج سفارة الإكوادور في لندن هربًا من طلب تسليم في السويد، حيث واجه اتهامات بالاغتصاب، وأمضى سبع سنوات في السفارة، لكن الشرطة البريطانية اعتقلته في عام 2019، وحُكم عليه لاحقًا بالسجن 50 أسبوعًا بتهمة تخطي الكفالة عند دخوله السفارة.

وأُسقطت التهم في السويد، وأكمل أسانج عقوبته البالغة 50 أسبوعًا، وهو غير متهم بارتكاب أي جريمة خارج الولايات المتحدة، ولكنه لا يزال محجوزًا في سجن بلمارش في لندن حتى تقرر بريطانيا تسليمه أم لا. ورُفِضَت طلبات الإفراج عنه بكفالة. وقال العديد من الأطباء إن أسانج يعاني من الاكتئاب وفقدان الذاكرة، ويمكن أن يحاول الانتحار إذا ما سلّمته الحكومة البريطانية للولايات المتحدة.

ومن جانبه، قال “نيلز ميلزر”، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وسوء المعاملة، الذي فحص أسانج في السجن، العام الماضي، إن سجنه يرقى إلى مستوى “التعذيب النفسي”. وأضاف ميلزر الشهر الماضي في حثه للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للعفو عن أسانج: “يمكنني أن أشهد على أن صحته تدهورت بشكل خطير، لدرجة أن حياته أصبحت الآن في خطر”.

لماذا تطالب الولايات المتحدة بتسليم أسانج؟

وُجِّهَت لائحة اتهام للسيد أسانج، 49 عامًا، في عام 2019 في 17 تهمة تتعلق بانتهاك قانون التجسس بالحصول على وثائق عسكرية ودبلوماسية سرية ونشرها، كما وُجِّهت إليه لاحقًا تهمة انتهاك قانون الاحتيال وإساءة استخدام أجهزة الكمبيوتر. ومع ذلك فإن كشف أسانج لعدم شفافية الحكومة جعله بطلًا لدى الكثيرين، ولكنه تعرض أيضًا لانتقادات باعتباره باحثًا عن الشهرة ذا شخصية متقلبة.

وقد كشف نشر المواد عن العديد من الجرائم والمخالفات التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وأشادت الجماعات الحقوقية بالإفراج عنها باعتبارها معلومات قيمة للجمهور، فيما دعت الجماعات اليمينية، مثل مراسلون بلا حدود ومنظمة العفو الدولية إلى إسقاط جميع التهم عنه.

وقالت “جوليا هول”، خبيرة منظمة العفو الدولية في مكافحة الإرهاب والعدالة الجنائية في أوروبا: “إن الأنشطة التي شارك فيها “جوليان أسانج” هي أنشطة يشارك فيها الصحفيون طوال الوقت… ولن تكون لدينا معلومات من دونها”.

ماذا حدث خلال جلسات تسليم المجرمين؟

وتأجلت جلسات الاستماع بسبب جائحة فيروس كورونا، فضلًا عن الأخطاء الفنية التي قالت جماعات حقوقية إنها أعاقت قدرتها على مراقبة الجلسات. وفي فبراير، ظهر أسانج في صندوق زجاجي، حيث لم يكن يسمع بشكل صحيح، وفقًا للمراقبين. وفي سبتمبر، وبعدما انفجر أسانج غاضبًا وحانقًا، حذره القاضي من أنه سيبعده من قاعة المحكمة إذا استمر في مقاطعة المدعين. فيما جادل السيد لويس، ممثل الحكومة الأمريكية، بأن أسانج واجه التسليم بسبب نشر أسماء المخبرين، وليس بسبب تعامله مع المستندات المسربة.

ولكن، في ملاحظاتهم الختامية، قال محامو أسانج إن اتهامات التجسس تُشكل جريمة سياسية، وأن تسليم المجرمين على أساس جريمة سياسية محظور بموجب معاهدة تسليم المجرمين بين بريطانيا والولايات المتحدة.

وأخيرًا ولدى سؤاله عما إذا كان سيوافق على تسليم المجرمين إلى الولايات المتحدة، أجاب أسانج بالنفي القاطع.

لمطالعة المقال الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا