جلوبال ريسك إنسايتس | إثيوبيا.. ماذا سيفعل آبي أحمد؟

آية سيد

ترجمة – آية سيد

تطرح ذروة “عملية إنفاذ القانون” التي أطلقتها الحكومة الإثيوبية في تيجراي عددًا من التساؤلات الجديدة عن مستقبل ثاني أكثر دولة ازدحامًا بالسكان في أفريقيا. إن الأزمة في إثيوبيا، التي اندلعت في بداية نوفمبر الماضي، هي تتويج لفترة من التوترات المتصاعدة بين حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيجراي.

لقد أصبحت جبهة تحرير شعب تيجراي، التي رأست الائتلاف الحاكم في إثيوبيا من 1991 إلى 2017، محبطة إحباطًا متزايدًا من سياسة آبي الفيدرالية وإبعادهم اللاحق عن السلطة، ووصلت التوترات إلى نقطة غليان عندما رفضت جبهة تحرير تيجراي اتّباع أمر الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات في سبتمبر، وهذا ما دفع رئيس الوزراء إلى شن هجوم للجيش ضد التيجراي من أجل “تطبيق سيادة القانون”، وهو قرار دوت أصداؤه في أنحاء القرن الأفريقي. 

وبعد اندلاع الحرب، خشي الكثير من المحللين الأسوأ، وعلى وجه التحديد، كان هناك اعتقاد بأن التيجراي – وهي منطقة معسكرة بشدة أرهقتها سنوات الحرب – سيكون من الصعب جدًّا هزيمتها بالقوة، ما يؤدي إلى صراع مطول. كانت هناك أيضًا مخاوف من أن الحرب ستُفاقم الانقسامات العرقية العميقة في أنحاء الدولة، وهو ما يُعجّل بانفصال الدولة “على غرار يوغوسلافيا”.

ظاهريًّا على الأقل، خالف الصراع الكثير من هذه التوقعات الكارثية. إن الاستيلاء الظاهري على ميكيلي في السابع من ديسمبر، جاء كمفاجأة للكثيرين. لكن ماذا يعني هذا التطور الأخير في الصراع؟ على الرغم من الانتصار الظاهري للحكومة، سيستمر العنف والاضطراب في اجتياح إثيوبيا على جبهة تيجراي وفي أماكن أخرى.

جبهة التيجراي

وفي حين أن إخضاع ميكيلي يُعدّ نصرًا كبيرًا للحكومة، فإن العداء والعنف يستمر في الإلقاء بظلاله على تيجراي؛ حيث يدّعي زعيم جبهة تحرير شعب تيجراي دبرصيون جبرميكائيل أن القتال لا يزال قائمًا “في ثلاثة اتجاهات”، من ضمنها بالقرب من ميكيلي، ولم يتعرض أي من قيادات جبهة تحرير شعب تيجراي للاعتقال، كما لم يحدث أي نزع للسلاح على نطاق واسع، وربما جُرحت القوات المنشقة، لكنها لا تزال على قيد الحياة.

لذلك، التوقعات المبكرة بامتداد الحرب مع التيجراي ربما تثبت كونها بعيدة النظر، حيث من المرجح أن تستمر حرب العصابات في المنطقة حتى يتم التوصل لتسوية متفاوض عليها أو انتصار عسكري. وعلى الرغم من أن الحكومة الإثيوبية هزأت بالرواية التي روّج لها عددٌ من الخبراء بأنه سيكون هناك “تمرد مطول في جبال تيجراي الوعرة”، إلا أن تضاريس المنطقة تقدّم هدية لقوات المتمردين. إن صعوبة ملاحقة هؤلاء المتمردين من خلال الإغاثة الغادرة للمنطقة تعني أن الانتصار العسكري الشامل لقوات الحكومة بعيد المنال، على الأقل في المستقبل القريب.

لقد ظلت جبهة تحرير شعب تيجراي عازمة، بالرغم من نكسة خسارة ميكيلي، ووفقًا لجبر ميكائيل، فهم “مستعدون للموت دفاعًا عن حقهم في إدارة المنطقة”. وهكذا من المرجح أن يغرق شمال إثيوبيا في موجة من العنف المتفرق والموجه في المستقبل القريب ما لم يجرِ التوصل لحل متفاوض عليه. هذا الصراع بعيد كل البعد عن النهاية.

انقسامات وطنية عميقة

إن أزمة تيجراي ليست المصدر الوحيد للعنف أو الانقسام العرقي – الإقليمي في إثيوبيا. تمتلك الدولة، التي يفوق عدد سكانها 100 مليون نسمة، تاريخًا طويلًا من التوتر الداخلي.

يحكم نظام فيدرالي عرقي الشعوب المتفرقة في إثيوبيا، وفي حين أن هذا النظام، من جهة، يخفف المطالب العرقية بالحكم الذاتي، فإن له جانبًا مدمرًا. إن المناطق التي أقيمت إقصائية بشدة، وهو ما يخلق حدودًا “صعبة” تثير الخلاف.  

كانت هذه الحدود بؤر توتر للصراع على مر التاريخ، وعلى مدار العام الماضي، بدأ العنف على طول تلك الحدود، وغيرها من الأماكن، في التصاعد.

توضح الخريطة المناطق التي حددتها وكالة The New Humanitarian كـ”بؤر توتر” حديثة للعنف المهلك، ولا شك أن الطبيعة واسعة الانتشار لبؤر التوتر هذه ترسم صورة للاضطراب المتزايد الذي اجتاح إثيوبيا في السنوات الأخيرة، فيما يُعدّ موت ما يُقدّر بـ222 مدنيًا في بني شنقول جومز يوم 23 ديسمبر مثالًا مدمرًا آخر على تأثير هذا العنف.

لقد أدى صراع تيجراي، إلى جانب هذا العنف والنزاع العرقي – الإقليمي، إلى بعض الاقتراحات بأن إثيوبيا قد تشهد انهيارًا على غرار يوغوسلافيا، كما تُعد المظالم الأساسية العالقة في أنحاء البلاد، والتي تراكمت من سنوات هيمنة الحكومة، تهديدًا لا يمكن إنكاره على الوحدة الوطنية.

غير أن هذه المخاوف من الانهيار كانت مبالغًا فيها نوعًا ما. إن الخطر بأن تشهد إثيوبيا أي نوع من الانفصال، أو تُجبر على التعامل مع حروب انفصالية، منخفض جدًا. إن الدعوات للحفاظ على الحكم الذاتي ليست مكافئة للمطالب بالاستقلال. وكما يوضح آدم أديبي، الباحث الدستوري الإثيوبي، “الانفصال ليس شعورًا سائدًا، حتى في تيجراي”.

هناك أيضًا تصور بأنه إذا كانت الحركات الانفصالية عملية، كانت ستشن حملة عسكرية في ذروة صراع تيجراي، عندما كان الجيش الإثيوبي أكثر ضعفًا. 

وهكذا، من المحتمل أن يستمر العنف والاضطراب، إلا أن “التقسيم” الشامل ليس موجودًا في الأفق في الوقت الحالي.

كيف سيتطور الموقف؟

يصبح السؤال الحاسم لمستقبل إثيوبيا هو ما إذا كان آبي سيركز المزيد من السلطة في أديس أبابا، ويتبع نظام حكم أكثر استبدادية، أم سيسعى إلى تسوية شاملة متفاوض عليها مع الزعماء الإقليميين. من المستبعد أن تؤثر قوى خارجية على هذه التسوية؛ يتبع آبي تقليد الدولة الإثيوبية الذي يبغض التدخل الأجنبي في شئونهم الداخلية.

إن حداثة آبي النسبية، كسياسي ورئيس للوزراء، تجعل التنبؤ صعبًا، لكن يوجد مساران واقعيان لمستقبل إثيوبيا، واللذان يتعلقان بشكل أساسي على إرادة آبي السياسية واستعداده لتقديم تنازلات.

السيناريو الأول: الحوار الشامل

تسبب العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في خسارة آبي لقدر ضخم من الدعم دوليًّا، ومثّل سقطة مدوية بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام في 2019. في حين أن وحشية رده، لا سيما الطريقة التي تسببت في إلحاق الأذى بالمدنيين، ينبغي أن تُدان بشدة، لا يمكن تجاهل دور جبهة تحرير شعب تيجراي في خلق هذا الصراع. لقد قوضت قيادة التيجراي حكومة آبي باستمرار، وخططت للصراع. 

ومن دون إبراء ساحته من هذا العنف، فإن القوة الدافعة العامة لهذه الحُجة هي أن آبي ليس عازمًا على تعزيز سلطته من خلال القوة، وحتى لو كان كذلك، فإن سلطته ليس راسخة بما يكفي لينجو كقائد عن طريق استخدام هذه الطرق. وعلى الرغم من أن البعض جادلوا بأن آبي وحدوي، فإنه لم يتخلَّ مطلقًا عن النظام بشكل مباشر، وناشد بإصلاحه.

وبناءً على ذلك، من مصلحة آبي أن يوسع قاعدته السياسية عن طريق تسوية متفاوض عليها مع الفصائل العرقية – الإقليمية المتفرقة التي تهيمن على السياسة الإثيوبية. لقد وضعت الانتخابات، التي قال آبي إنها ستُعقد في 5 يونيو 2021، جدولًا زمنيًّا واضحًا لمثل هذه المفاوضات.

وإذا كان لا بد للاضطراب الحالي الذي يعصف بالدولة أن يهدأ، يجب التوصل إلى نوع من التسوية مع جماعات المعارضة قبل هذه الانتخابات. وإذا لم يحدث ذلك، لن تعترف فصائل المعارضة أو مؤيدوها بالنتائج، وهو ما قد يثير احتجاجًا وعنفًا جماعيًّا.

وبالتالي، يبدو مرجحًا أن المحادثات ستبدأ. إن التسوية المُرضية احتمال واقعي بالتأكيد، لكنها ستكون معقدة دون شك.

السيناريو الثاني: الاستبدادية المتزايدة

بدلًا من ذلك، يستطيع آبي، مسنودًا بانتصار رمزي في تيجراي، أو محبطًا من حوار غير مثمر، تجاهل الضرورة المتزايدة للتسوية، وبدلًا من ذلك يُحكم قبضته الاستبدادية على الدولة، بفرض أجندة من المركزية السياسية.

وقد يكون لذلك آثار مدمرة على إثيوبيا، حيث تعتمد السلطة السياسية على درجة من الحكم الذاتي الإقليمي والتسوية، كما أنه من المرجح أن يخرج العنف المهلك، الذي زاد تدريجيًّا خلال فترة حكم آبي، عن السيطرة.

ولا شك أنه كلما تأخر الحوار زادت إمكانية حدوث العنف والاضطراب في إثيوبيا، حيث يعني حجم الدولة وأهميتها أن هذه ليست مجرد قضية داخلية، حيث كان لتداعيات العنف والنزوح في صراع تيجراي عواقب إقليمية كبيرة. لقد أرسلت إريتريا قوات إلى تيجراي دعمًا لإثيوبيا، وتعرضت للقصف من جبهة تحرير شعب تيجراي انتقامًا لهذا، فيما هرب عشرات الآلاف من اللاجئين إلى السودان، وهو ما يخلق ظروفًا مواتية لارتفاع التوترات على حدودهم مع إثيوبيا، وأخيرًا، انسحاب القوات الإثيوبية في الصومال قد يهيئ الأوضاع لعودة ظهور حركة الشباب.

وإذا مضى آبي في هذا الطريق، فإنه لن يهدد استقرار بلده فحسب، بل قد تزج أفعاله بمنطقة القرن الأفريقي بأكملها في الفوضى العارمة.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا