نيويورك تايمز | هل لدى الرئيس المقبل خطة محكمة لمواجهة فيروس كورونا؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لقد مر ما يقرب من عام منذ ظهور فيروس كورونا لأول مرة في الولايات المتحدة، ولا يزال يتفشى ويخرج عن نطاق السيطرة في معظم أنحاء البلاد، وإثر ظهور العديد من الطفرات المتحولة – بعضها بخصائص جديدة مثيرة للقلق –  تعثرت بشدة حملة التلقيح التي كان من المفترض أن تنقذ العالم من هذه الأزمة.

ومن المأمول إذن أن تكون الدولة على بُعد أيام فقط من قيادة جديدة عليها أن تأخذ هذه المشاكل على محمل الجد. فمن جانبه، أعلن الرئيس المنتخب “جو بايدن” عن خطط لتجديد استجابة البلاد المتعثرة لفيروس كورونا، إذ يبدو نطاق رؤيته ومضمونها متناسبين مع المهمة المطروحة، فقد قال بايدن إنه سيطلب من الكونجرس 415 مليار دولار من أجل توسيع نطاق الاختبارات والتلقيح والمراقبة الجينية، ولزيادة التصنيع المحلي، ولإنشاء هيئة وطنية من العاملين في مجال الصحة العامة.

ولكن من أجل تحقيق الانتصار على الفيروس، سيتعين على الإدارة الجديدة كسب العديد من المعارك السياسية والتغلب على التيار الخفي المتزايد من اللامبالاة والإرهاق الوطني.

لقد مر ما يقرب من 11 شهرًا منذ اكتشاف فيروس كورونا لأول مرة في الولايات المتحدة، ولا يزال مستمرًا نشر المرض والموت بلا هوادة، بينما يتردد المسئولون ويتجادلون ويكررون أخطاء واضحة. ففي فترة الربيع والصيف، كانت المشكلة تتمثل في الاختبار ومعدات الحماية الشخصية؛ ولكن في هذا الخريف والشتاء، باتت المشكلة في التطعيم والمراقبة الجينية. وكثيرًا ما ألقت الحكومة الفيدرالية مسئولية المبادرات غير العملية على كاهل الولايات دون تقديم الدعم الذي تحتاجه تلك الولايات كي تنجح، ولطالما تخبطت تلك الولايات وتعثرت في قراراتها، ومن ثم فقد ارتفع معدل انتشار الفيروس مرارًا وتكرارًا.

ونتيجة لهذا التخبط، فقد أصيب أكثر من 23 مليون أمريكي، وتوفي ما يقرب من 400 ألف شخص، وشهر تلو الآخر، تتزايد السمات الغريبة للحياة الوبائية وتصبح أكثر شيوعًا، حيث كثرت الجنازات، وأحجم الكثيرون عن ارتياد محلات الحلاقة والمطاعم، ونأى الناس بأنفسهم عن الساحات الرياضية. إنه لمن المغري الاستسلام للامبالاة بعد الكثير من المعاناة والخسارة، وقد مرّت الأمة بمراحل القاتمة من تطور هذا الفيروس، ولم يحرك أي منها ساكنًا لدى القادة سواء في تهاونهم أو تحريك البلاد إلى مسار مختلف. لكن تغيير الإدارة هو فرصة للاستماع أخيرًا إلى دروس هذا الوباء، والسيطرة عليه قبل أن تزداد الأمور سوءًا.

* وقف الانتشار

من المرجح أن يكون فيروس كورونا الآن هو السبب الرئيسي للوفيات في الولايات المتحدة، وفي ظل هذه الظروف من السهل الاعتقاد بأن الإجراءات المتبعة ضد الفيروس– مثل ارتداء أقنعة الوجه، والالتزام بالتباعد الاجتماعي، والإغلاق وقيود السفر– لا تجدي نفعًا؛ لأنها إن نجحت في مواجهة الفيروس، فما كنا في مثل هذه الحالة، أليس كذلك؟!

خطأ. كل هذه الإجراءات تعمل عندما يتم استخدامها بشكل متسق وصحيح، وكلها لها دور تلعبه في مكافحة الفيروس، ولذلك سيتعين على الإدارة القادمة تعزيز هذه الفكرة في الدخل وترويجها بأكبر قدر ممكن من القوة.

حيث إنه كلما كبرت الأزمة وطال أمدها، أصبح من الصعب تصديق أن شيئًا بسيطًا مثل قناع الوجه أو إجراءً غير تقني مثل الحجر الصحي يمكن أن ينقذ الأرواح. لكن يمكن أن تكون هذه الإجراءات فعالة بشكل لا يصدق إذا التزم الجميع بها، سيكون لدى الرئيس القادم فرصة نادرة لنشر هذه الرسالة من جديد.

* خريطة الطفرات

وقد ظهرت العديد من الطفرات الجديدة لفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم في الأشهر الأخيرة، كل منها على ما يبدو أكثر إثارة للقلق من الماضي، ولذا فقد استوجب على الدولة اتخاذ إجراءات أفضل وأسرع بكثير لتتبع هذه الطفرات ومراقبة الطفرات الجديدة التي من المؤكد أنها ستظهر في الأشهر المقبلة.

وهذا يعني المزيد من الاختبارات السريرية المصممة لتحديد مثل هذه الطفرات بسرعة في المرضى الذين تظهر عليهم الأعراض، إضافة إلى تسريع جهود مراقبة الجينوم واسعة النطاق التي يمكن أن تتبعها على مستوى المجتمع، كما ينبغي على الولايات التي لا تفحص مياه الصرف الصحي أن تبدأ في مراقبتها وتحليلها الآن، إذ تُظهر الدراسات أنها طريقة سريعة وفعالة من حيث التكلفة لمراقبة انتشار الفيروس، وإذا اقترن مراقبة مياه الصرف الصحي بالتسلسل الجيني، فيمكن أن تساعد في اكتشاف الطفرات الخطرة بشكل أكثر كفاءة مما تفعل الاختبارات السريرية.

ويمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لتوجيه جهود تعقب جهات الاتصال المتعثرة في الدولة. ورغم تفشي الجائحة، تخلت العديد من الولايات عن برامج تعقب المخالطين الخاصة بها؛ لأن الفيروس انتشر بشكل يتجاوز قدرتها على تعقبه. ولكن إذا لم تستطع هذه البرامج أن تفعل الكثير في مواجهة فيروس كورونا العادي، فلا يزال بإمكانها التأثير بشكل كبير على طفرات الفيروس الجديدة، وإذا اكتشف فريق تعقب المخالطين جميع الحالات المصابة بسلالة جديدة من فيروس كورونا وتدعى “B117” – وهي السلالة الأكثر شراسة مما نعرفه اليوم، لأنها تنتشر بشكل أسرع بكثير من أي سلالة أخرى –  وإذا أجريت جميع الاختبارات وطبقت أنظمة العزل الممكنة وعزل أولئك المخالطين، يمكن إيقاف هذه السلالة المعدية لفترة كافية حتى تؤتي حملة التطعيم أكلها.

ومن ثَمَّ، ينبغي أن يكون هذا أولوية فورية لدى مسؤولي الصحة في الولايات والمدن، من أجل التخلص من هذه الطفرات الجديدة قبل فوات الأوان.

* سرعة التلقيح

أصبحت جهود التطعيم الوطنية فوضوية، إذ تم حقن حوالي ثلث الجرعات البالغ عددها 30 مليون التي جرى توفيرها للولايات، فيما تم تعليق الباقي بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك التردد اللقاحي، وإرشادات تحديد الأولويات الفيدرالية المرهقة، وضعف التنسيق بين الصيدليات الكبرى وآلاف دور رعاية المسنين التي من المفترض أن يقوم موظفوها والمقيمون بعملية التطعيم.

هذا الأسبوع، وفي محاولة لتسريع الأمور، تخلت الإدارة المنتهية ولايتها عن إرشاداتها لتحديد الأولويات، واعتبرت حوالي 152 مليون شخص مؤهلين على الفور للتطعيم. وأشار المسئولون أيضًا إلى أنهم سيصدرون عددًا لا حصر له من الجرعات الإضافية للولايات بسرعة، وذلك بدلًا من الاحتفاظ بها في الاحتياط كما كان مخططًا في الأصل، إلا أن هذه التصريحات زادت الأمور سوءًا، إذ تم تجاوز الإدارات الصحية، وتعطلت المواقع الإلكترونية وخطوط الهاتف، كما تدافع المستهلكون الغاضبون لتأمين دورهم في التطعيم ليكتشفوا أن اللقاح لا يزال غير متاح، وهو ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” آنذاك، بأنه لا توجد جرعات احتياطية حتة يتمكن المواطنون من الحصول عليها.

ولتطعيم المزيد من المواطنين ضد الفيروس، تحتاج الولايات إلى مشرفين مدربين على التطعيم بهذا اللقاح، كما أنها تحتاج أيضًا إلى المقدرة التقنية لجدولة المواعيد لمئات الآلاف من الأشخاص وحملات الرسائل العامة لمواجهة “التردد اللقاحي”، كما يحتاج المسئولون أيضًا إلى إبلاغ الناس بمكان وقوفهم في الطابور وإخبارهم بموعد وكيفية التسجيل لتلقي التطعيم.

وقد تعهد الرئيس المنتخب “جو بايدن” بتنفيذ هذه الإجراءات سريعًا، وتطعيم 100 مليون شخص في أول 100 يوم له، وهو هدف نبيل. ولكن لكي ينجح، سيتعين عليه القيام بعمل أفضل بكثير من عمل سلفه في التواصل مع الولايات ودعمها، كما أن مواقع التطعيم الجماعي التي تخطط إدارة بايدن لإنشائها ستعمل بشكل رائع في بعض المناطق، ولكن دعم العيادات المجتمعية سيكون المسار الأكثر حكمة في مناطق أخرى، وسيكون للصيدليات دور أكبر بكثير لتلعبه في مناطق ثالثة.

يمكن للرئيس المقبل أن يساعد في الحفاظ على المجهودات الإجمالية لتكون على المسار الصحيح من خلال الالتزام باستراتيجية تطعيم وطنية واضحة: هل الهدف هو إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح أم إعادة فتح الأعمال التجارية؟ هل الهدف من التطعيم في أسرع وقت ممكن أم ضمان توزيع الجرعات الثمينة بشكل عادل؟

وأخيرًا، يمكن أن يساعد الكونجرس في التأكد من نجاح استراتيجية التطعيم التي جرى تحديدها، وأن الاستجابة الشاملة لفيروس كورونا فعالة، من خلال الموافقة على الأموال اللازمة وضخّها في أسرع وقت ممكن.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا