نيويورك بوست | بين الماضي والحاضر.. كيف تغيّرت آراء بايدن بعد توليه منصب الرئيس؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

كانت الكاتبة “سالينا زيتو” أفضل من وصف “اختبار رورشاخ” الذي يمثله دونالد ترامب. وكما ذكرت الكاتبة في عام 2016، فإن “الصحافة تأخذه حرفيًّا، لكن لا تأخذه على محمل الجد. في حين يأخذه مؤيدوه بمحمل الجدل وليس حرفيًّا”.  الآن تبرز أمامنا معضلة رئاسية أخرى: كيف نفسّر شخصية الرئيس الجديد والراديكالي “جو بايدن”؟

ظاهريًّا، يبدو هذا سؤالًا غريبًا بشأن رجل يبلغ 78 عامًا قضى نحو 50 عامًا في واشنطن. لكن بايدن الجديد (الرئيس بايدن) لا يبدو مثلما كان عضو مجلس شيوخ أو نائب رئيس.

في الواقع، بات بايدن الآن شخصًا مختلفًا بشكل كبير لدرجة أنه من غير الواضح ما إذا كان ينبغي لنا أن نأخذه حرفيًّا أو جديًّا.

مَن يكون هذا الرجل؟

بايدن القديم كان شخصًا ثرثارًا لا يغلق فمه، أما بايدن الجديد فرجل صامت، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالإجابة على أسئلة الصحفيين. هو يتفادى الأسئلة ويراوغ ويختبئ ويغمغم. كان بايدن القديم فخورًا بصداقته بمؤيدي الفصل العنصري الجنوبيين، ووصف عضو مجلس الشيوخ “روبيرت بيرد”، العضو السابق في منظمة KKK، بأنه مُرشد. بايدن الجديد يعلن أن أمريكا مُتهمة بممارسة “عنصرية منهجية” ويقول إن ذلك “وصمة عار في روح الأمة”.

بايدن القديم كان يدافع عن أساليب التعطيل داخل مجلس الشيوخ، وعارض زيادة عدد أعضاء المحكمة العليا. أما بايدن الجديد فيصف أساليب التعطيل بأنها من مخلفات قوانين “جيم كرو”، وأمر بتشكيل لجنة لدراسة إجراء تغييرات على المحكمة العليا.

اعترض جو بايدن القديم على “الصفقة الجديدة الخضراء” أثناء الحملة الانتخابية، لكن بايدن الجديد يرغب في إنهاء الصناعات وتعديل الحياة اليومية عبر فرض تخفيضات شديدة على الوقود الأحفوري.

نسب بايدن القديم الفضل لنفسه في كتابة قانون الجريمة عام 1994، والذي موّل 100 ألف ضابط شرطي محلي و125 ألف زنزانة سجن جديدة، وشدّد العقوبات الإلزامية.

وصف بايدن الجديدة حُكم الإدانة بحق ضابط شرطة مينابولس السابق “ديريك تشوفين” بسبب قتله “جورج فلويد” قائلا إن هذه القضية “أزاحت الستار ليرى العالم بأجمعه العنصرية المنهجية، وسحق العدالة عبر وضع الركبة على أعناق الأمريكيين السود”. إن الناس يتغيرون، ومن الجيد أنهم يفعلون هذا. إذ إن التمسك بصرامة بوجهة نظر لمدة عقد من الزمان، ناهيك عن 50 عامًا، هو أمر يوحي أنك شخص منغلق التفكير ولست مبدأيًّا.

لكن بايدن الجديد ليس نتيجة عملية تطور. لكن آراءه المتشددة بشأن العرق والمؤسسات الحكومية والتغير المناخي والعدالة الجنائية، تمثل تراجعًا مفاجئًا وكاملًا، وهو ما يثير الشكوك بشأن مصداقيته وما إذا كان متحكمًا تمامًا في قدراته.

هل يؤمن بايدن حقًّا بهذه الأشياء، أما أنها مجرد أدوات مناسبة في وقت يحاول فيه التماهي مع متشددي حركة “الوعي” (Woke) الذين يهيمنون على حزبه في واشنطن؟ هل يدرك بايدن تداعيات إداناته القوية لأجهزة تطبيق القانون والأمريكيين البيض؟  كانت هناك لحظة كاشفة في الأسبوع الماضي، عندما طرح “ستيفن نيلسون”، مراسل صحيفة “نيويورك بوست”، هذا السؤال على البيت الأبيض: “إلى أي مدى يعترف الرئيس بايدن بدوره في العنصرية المنهجية؟” هذا سؤال جيد لأن بايدن كان طرفًا محوريًّا في نظام هو يدينه الآن. هل بايدن نادم على تصرفاته فيما يتعلق بالعرق؟  هل يعتقد بايدن أنه هو وأطفاله وأحفاده استفادوا من العنصرية المنهجية التي يراها في كل مكان؟

إن وجود إجابة متبصّرة وأمينة على هذا السؤال ربما كانت ستكشف لنا عن الأحداث والتجارب التي غيّرت آراء الرئيس، عوضًا عن هذا، ردّت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “جين ساكي” قائلة إن “أحد أهداف الرئيس الأساسية هو معالجة الظلم العرقي في هذا البلد”.

يمكن طرح السؤال ذاته بشأن شخصيات ديمقراطية أخرى قوية عاملة منذ زمن طويل، والتي تردد عادة مزاعم عرقية تحريضية.  

إن رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” عضوة في الكونغرس منذ عام 1987. ماذا فعلت لوقف العنصرية المنهجية، وهل استفادت منها؟ وهل كان والدها، السياسي أيضًا عنصريًّا؟

يتولى “تشوك شومر”، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، مناصب عامة منذ عام 1975، بداية من مجلس ولاية نيويورك. متى اكتشف أن أمريكا تشوبها العنصرية المنهجية؟ وماذا فعل بشأن هذا؟

قليلون هم السياسيون الذين يمارسون التنوع الذي يدافعون عنه. كشفت دراسة في عام 2015 أن الأمريكيين الأفارقة يمثلون أقل من واحد بالمائة من الموظفين الكبار في مجلس الشيوخ. عندما عيّن عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية ألاباما “دوغ جونز” رئيس موظفين أسود عام 2018، كان حينها أول ديمقراطي يفعل هذا.

كما لم تظن كلٌّ من “أنيتا هيل” أو “كلارينس توماس” أن بايدن كان يشعر بالقلق بشأن العنصرية المنهجية أثناء جلسة مجلس الشيوخ عام 1991 لتأكيد تعيين “توماس” في المحكمة العليا. اذهبوا إلى اليوتيوب وشاهدوا القاضي “توماس” وهو يهاجم بشدة طريقة إدارة بايدن لجلسات الاستماع واصفًا إياها بـ “قتل غوغائي عالي التقنية”.

الأمر ذاته يتكرر في قضايا أخرى يدافع عنها بايدن الآن. لقد تحدث بايدن لسنوات عن مساعدة العمال، لكن أول فعل نفذه كرئيس كان إنهاء 11 ألف وظيفة ذات أجر جيد، عبر إلغاء ترخيص أنبوب نفط “كي ستون إكس إل”.

بالرغم من أن أجندة بايدن باهظة التكلفة باتت تقضّ مضاجع الأمة، إلا أن نهجه تجاه العرق هو مسألة متفجرة ومثيرة للاستقطاب. فلقد اقترحت وزارة التعليم في إدارته تقديم منح لتحفيز المدارس على تعليم نظرية العرق والترويج لـ “مشروع 1619” المليء بالأخطاء لصحيفة نيويورك تايمز.

إن المروّجين لهذه الدعاية يهدفون لتدمير الشعور بالفخر بالتاريخ الامريكي، وتصوير كل جانب من جوانب الحياة بأنه دليل على وجود العنصرية البيضاء. أنا أراهن أنه ستكون هناك حملة قادمة تطالب بتعويضات.

من الطبيعي أن يسعى أكاديميون مجانين وصحف متشددة لتلقين الطلاب بعقائد تافهة مناهضة لأمريكا. لكن الشيء الفظيع هو عندما ينضم رئيس الولايات المتحدة بشكل أعمى لهذه الجوقة.

لقد تراجعت العلاقات العرقية في عهد إدارة أوباما – بايدن، وهي الآن تشهد سقوطًا حرًا. للأسف، فإن الضرر لن يكون مقصورًا على النقاش الأكاديمي. إن تصاعد العنف الإجرامي على مستوى الوطن هو نتيجة مباشرة لقيام السياسيين بتقييد أيدي الشرطة ومنعهم من إجراء عمليات اعتقال بسبب أيديولوجية أو عرق مرتكبيها. نظرًا لأن الأمريكيين غير البيض يشكلون النسبة الأكبر من مرتكبي الجرائم وضحاياها، فإن تقيد أيادي الشرطة سيعني سقوط المزيد من الضحايا وسط الأشخاص الذين يقول بايدن إنه يرغب في مساعدتهم.

بايدن يقول أيضًا إنه يريد توحيد البلاد. لكن كيف يسير ذلك؟      

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا