جدل وتحديات وتهديدات غير علنية.. كيف تناولت الصحافة الفرنسية ملف الإرهاب والهجرة؟

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

اجتاحت حالة من الجدل الواسع المجتمع الفرنسي بأسْره وامتدت إلى خارجه أيضًا بعد أن تعمّدت بعض التيارات السياسية الفرنسية الخلط بين ما تتعرض له فرنسا من أعمال إرهابية واستقبالها للمهاجرين ككل. وتعززت حالة الجدل هذه بتزامنها مع تقديم بعض الوزراء لمشروع قانون لمحاربة الإرهاب والشكوك حول نجاح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إدارة الملف الأمني واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الإسلاموية والهجرة.. التحدي المزدوج لماكرون

في البداية، سلطت جريدة “لوابنيون” الضوء على التحديات العامة التي ينبغى على الرئيس الفرنسي تجاوزها، حيث يعتقد نيكولاس بيتوت، رئيس تحرير الصحيفة، أن الهجوم الإرهابي على شرطية مركز رامبوييه ساهم في فشل محاولة إيمانويل ماكرون تحديد اتجاهاته في الأمور السيادية والأمنية، ويعتقد أن رئيس الجمهورية أضاع فرصة إثبات نفسه.

وحول هل ستشكل العواقب السياسية لهجوم رامبوييه الذي فقدت فيه شرطية حياتها، تحديًا هائلاً لإيمانويل ماكرون؟ قال نعم، أولًا لأن توقيت هذا العمل المقيت حطم سلسلة إجراءات إعادة السيطرة السياسية التي أطلقها رئيس الدولة لتوه في قطاع الأمن، وهو قطاع سيادي تسبب في إضعاف صورته. لذا، كانت الخطوة الأولى من العملية إجراء مقابلة مع جريدة لوفيجارو الأسبوع الماضي لإظهار مدى إصراره.

ويعتقد “بيتوت” أن هناك تحديًّا مزدوجًا أمام السلطة التنفيذية هذه المرة. أولاً، لأن التصريحات الحازمة حول الأمن والتحدث بثقة والبيانات العسكرية التي صدرت عن الحكومة والأغلبية لم تعد تقنع الكثير من الناس. إنها دائمًا نفس الكلمات، مثل مقطع متكرر يعد يستمع إليه الكثير من الفرنسيين.

ثم، وهذا أكثر مدعاة للقلق، لأنه الجدل الذي أعقب هذا العمل الحقير غير مساره هذه المرة. فمنذ نهاية الأسبوع، تشير المعارضة، ولا سيما من اليمين، إلى وجود صلة مباشرة بين الهجرة والإرهاب. وبالرغم من من أن مارين لوبان لم تخفف أبدًا من استخدام هذه الحجة، لكن الاتهام هذه المرة أوسع بكثير.

ما سبب هذا التغيير في الزاوية؟

أولاً، تراكم الأدلة، حيث إن الهجمات الثلاث الأخيرة قد ارتكبها بالفعل مهاجرون غير شرعيين؛ ومن ثم فإن حقيقة أن هذا النوع من الإرهاب، الذي يمارسه فرد منعزل والذي يتسم بالتحول السريع نحو التطرف، لا يمكن اكتشافه عمليًّا. لذلك لا يمكن لأي خصم أن يدّعي أنه بمجرد وصوله إلى السلطة، كان من الممكن أن يفعل ما هو أفضل.

ولذلك، للحصول على فرصة للقضاء على خطر هذا الهجوم، يجب أن نبحث عن مصدر المشكلة، وهو في هذه الحالة الهجرة غير الشرعية، والنتيجة الطبيعية لها هي: تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين وعدم طردهم، وهذا هو التحدي الهائل الذي تطرحه قضية الإرهاب الإسلاموي المروعة على رئيس الدولة من ضرورة الربط بين الهجرة والأمن بشكل أقوى من أي وقت مضى، ومن الواضح أن هذين الموضوعين يشكّلان محور الحملات الانتخابية الرئاسية لعام 2022. لكن إيمانويل ماكرون يتمتع بسجل سيئ للغاية في هذين الموضوعين حتى الآن.

قانون مكافحة الإرهاب.. كاستيكس يدافع عن ضرورة مواكبة التهديدات الجديدة

 وأبرزت جريدة “نوفيل أوبس” وجهة نظر رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس في مشروع القانون الجديد، حيث سيسمح نص القانون لمكافحة الإرهاب، وفقًا للسيد كاستيكس، “بمنح أجهزتنا المزيد من الوسائل لتصبح أكثر كفاءة، مع مراعاة الاحترام الكامل لمبادئنا القانونية الأساسية”.

وفي مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء في الأيام القليلة الماضية، استعرض إريك دوبوند موريتي، وزير العدل وجيرالد دارمانين، وزير الداخلية، الخطوط العريضة لمشروع القانون الجديد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب؛ حيث دافع رئيس الوزراء عن النص الأساسي وقال إنه يهدف إلى “التكيف مع التهديدات الجديدة التي يصعب اكتشافها والاعتماد على أدوات جديدة تقوم على التقنيات الحديثة”.

ووفقًا لرئيس الحكومة فإن “هذا النص يوفّق بين مطلب مزدوج، ألا وهو إعطاء خدماتنا المزيد من الوسائل لتصير أكثر كفاءة، وكذلك أيضًا تحقيق شرط الاحترام الكامل لمبادئنا القانونية الأساسية من خلال إطار صارم للأغراض والإجراءات التي تحكم الوسائل التي سيتم العمل بها”.

ويهدف القانون الجديد، الذي يحتوي على 19 مادة بشكل أساسي، إلى تحديث أو تعزيز العديد من أحكام قانون المخابرات الصادر في يوليو 2015 وقانون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب الصادر في أكتوبر 2017، وإعطاء المزيد من الوسائل للسلطات للتكيف مع الممارسات الجديدة للإرهابيين.

في كثير من الأحيان.. الإرهابيون غير معروفين لأجهزة المخابرات

ووفقًا لجيرالد دارمانين وإريك دوبوند موريتي اللذين قاما بتفصيل الخطوط العريضة للقانون، من المقرر أن يسمح هذا النص بمراقبة أفضل للأشخاص المدانين بالإرهاب بعد إطلاق سراحهم من السجن، وأن تُمنح أجهزة المخابرات الأدوات اللازمة للتكيف مع تقنيات الاتصال الجديدة لدى الإرهابيين.

وبعد أقل من أسبوع على الهجوم المميت الذي تعرضت له ضابطة شرطة في رامبوييه، شدّد كاستيكس على أن “الجمهورية تعتزم الاستمرار في امتلاك كافة الوسائل لمحاربة الإرهاب الإسلاموي وجهًا لوجه”.

وأضاف رئيس الوزراء الفرنسي، أنه “في مواجهة هذا التهديد الذي يصعب اكتشافه، يجب على الدولة ووزارة العدل أن يمتلكا وسائل معززة للكشف والمراقبة والعمل، بما في ذلك زيادة المراقبة على شبكات التواصل الاجتماعي”، مؤكدًا أن مشروع القانون جاء “نتيجة العمل الذي من الواضح أنه بدأ قبل وقت طويل من الحادث الإرهابي الأخير برامبوييه”.

اتساع الهوة داخل الطبقة السياسية الفرنسية حول الهجرة والإرهاب

من جانبها، استعرضت النسخة الفرنسية من موقع سبوتنيك الإخباري الروسي حالة الخلاف بين الساسة الفرنسيين. فمنذ هجوم رامبوييه الإرهابي، انقسم السياسيون حول الصلة بين الإرهاب والهجرة. فمن ناحية، يشير جوردان بارديلا النائب في البرلمان الأوروبي ونائب رئيس التجمع الوطني برئاسة اليمينية المتطرفة مارين لوبن، إلى أنه في غضون عام نفذ المهاجرون سلسلة من الهجمات الإرهابية. ومن ناحية أخرى، يعتقد لوران نونيز، المنسق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، أن الغالبية العظمى من الأعمال الإرهابية يرتكبها “مواطنون فرنسيون”.

وبعد الهجوم على مركز شرطة رامبوييه عاد موضوع الإرهاب والهجرة بقوة للطفو على السطح من جديد، بالرغم من عدم غيابه منذ سنوات عن المناقشات. وبينما ترفض السلطة التنفيذية واليسار الربط بين الإرهاب والهجرة، يصر اليمين على بناء علاقة بينهما.

وأوضح جوردان بارديلا سبب احتياج فرنسا حاليًا إلى وقف الهجرة؛ حيث قال معلقا على حادث رامبوييه: “لو كان هذا الشخص طُرد من التراب الوطني، ولو طُبقت قوانيننا، لكانت هذه الشرطية لا تزال على قيد الحياة.. هذه هي المأساة الحقيقة”.

وبالنسبة له، يجب أن نتذكر سلسلة الاعتداءات التي ارتكبها رعايا أجانب في غضون عام، ويقول: “إنها الحرب التي تشنها الأصولية الإسلاموية علينا منذ عام 2012 … ونحن بحاجة إلى وقف الهجرة. لقد شهدت الأشهر الاثنا عشر الماضية سلسلة متتابعة من الهجمات الإرهابية”.

وتابع بارديلا: “صمويل باتي أُعدم على يد شيشاني ليس لديه ما يفعله في بلادنا. وهجوم نيس الذي وقع في كنيسة حيث أُعدم ثلاثة من مواطنينا بخسة على يد تونسي ليس لديه ما يفعله على أرضنا. وهنا، مرة أخرى، يعيد التاريخ نفسه، نحن نتعامل مع شخص لا علاقة له ببلادنا، ولو راجعنا سياسة الهجرة الخاصة بنا في وقت مبكر بكثير كما طلبنا، فربما كنا نجحنا في الحد من عدد الهجمات على أراضينا”.

ووفقًا له أيضًا، فإن تطرف مرتكب حادث رامبوييه الإرهابي حدث بتشجيع من خطاب “تيار اليساريين تجاه الإسلام الذي يهدف إلى توضيح أن الدولة الفرنسية عنصرية ومعادية للإسلام، وتضطهد المسلمين عند تصورها للقوانين الفرنسية”، وأشار بارديلا إلى أن هذا النوع من الخطاب “يعمل جنبًا إلى جنب مع الإسلاموية”.

لكن لوران نونيز، المنسق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، يقدّم إجابة أخرى حول هذه التساؤلات، ويوضح أن “مواطنين فرنسيين” يقفون وراء غالبية الهجمات. ووفقا له: “منذ عام 2015، فإن أربعة من كل خمسة من منفذي الهجمات الإرهابية على التراب الوطني مواطنون فرنسيون”. وتابع: “لذا يجب أن نتوقف فورًا عن الحديث عن هذا الهراء، وإعطاء الأولوية لطرد الراديكاليين المقيمين بشكل غير قانوني، حتى الأجانب الذين هم في وضع عادي والذين قد يكونون حاملين لتهديدات خطيرة للنظام العام يجب أن يُطردوا أيضًا”.

كما أنه دحض في الوقت نفسه، فكرة نقص المراقبة، وأشار بأصابع الاتهام إلى الصحة العقلية للمهاجمين، وقال: “صدرت الهجمات الثماني الأخيرة عن أشخاص منعزلين إلى حد كبير، وغير معلومين لدى أجهزة المخابرات، ولم يصدر عنهم سمات”. وأردف: “أضيف إلى ذلك أيضًا عيوبًا في النظام النفساني، وحتى في نظام العلاج العقلي”.

وفي مقابلة مع جريدة “لوجورنال دي ديمانش”، شرح جيرالد دارمانين كيف جعلت شبكات التواصل الاجتماعي اكتشاف الأشخاص المتطرفين أكثر صعوبة.

ومن ناحية أخرى، رفض برونو لومير وزير الاقتصاد الفرنسي “إقامة صلة بين الهجرة والإرهاب”، وقال “هناك حقيقة وهي أن: الهجمات التي ارتُكبت على الأراضي الفرنسية منذ عدة أشهر نفّذها مهاجرون. وليس من الجيد إنكار الحقائق في هذا النوع من الموضوعات، بل إنه سيكون أمرًا ظالمًا للغالبية العظمى من المهاجرين في فرنسا الذين قدموا إليها بحثًا عن السلام والعمل والهدوء، ويحترمون قيمنا وقوانيننا. نعم، الهجمات الأخيرة التي ارتُكبت في فرنسا كانت على يد مهاجرين، وهذا يطرح تساؤلات حقيقية حول الحاجة المطلقة لإدارة حدودنا بشكل أفضل ويثير قضية حقوق الهجرة على المستويين الأوروبي والوطني”.

الإرهاب والهجرة.. الوضوح هو السلاح في مواجهة أنواع التطرف

من جهتها، حذرت جريدة ماريان من احتمالية انجراف الفرنسيين نحو اليمين المتطرف؛ حيث إنهم لم ينتظروا بيانًا إعلاميًّا أو سياسيًّا ليعرفوا أن الهجمات الأخيرة ارتكبها أجانب، وهذا لا يعني أنهم يمتلكون رد فعل عنصريًّا، لكن سينتهي بهم الأمر يومًا بالاستسلام لصفارات إنذار اليمين المتطرف إذا استمرت العقول الراشدة في إخبارهم أنه لا يوجد شيء يمكن فعله. فهناك حاجة ماسة للخروج من حالة الشلل القائمة في اتخاذ الإجراءات والنظر في بعض الحقائق وجههًا لوجه.

ومرة أخرى، شهدت فرنسا مأساة مروعة لاغتيال ضابطة شرطة، أم تبلغ من العمر 49 عامًا، ودار نقاش حول ما إذا كان من حق المرء أن يجمع بين كلمتي “الهجرة” و”الإرهاب” في جملة واحدة. الأسوأ من ذلك، كتابتهما معًا على الصفحة الأولى من إحدى الصحف! يا لها من مخالفة! في عام 1997، أسس جان فرانسوا كان جريدة ماريان لمواجهة ما أسماه “الفكر الفردي” الصحفي، ولفرض مواضيع مثل الأمن أو الهجرة بعيدًا عن حزب الجبهة الوطنية؛ تغيرت الخطوط منذ ذلك الحين، في كل مكان تقريبًا، فيما عدا الصحافة …

وكالعادة، يصب اليمين واليمين المتطرف الزيت على النار دفعة واحدة ويطلقون مقترحات غبية أو غير عملية. وكالعادة أيضًا، يلعب اليسار دور العذراء الخائفة بحجة أن إجراء النقاش حول الهجرة بعد هذا الهجوم يعني تعريف أي مهاجر باعتباره إرهابيًّا محتملًا.

مواجهة الأمور

دعونا نواجه الأمر: لم ينتظر الفرنسيون إذنًا من وسائل الإعلام أو السياسيين ليروا أن الهجمات الأخيرة نفذها أجانب يعيشون في فرنسا بشكل غير قانوني في بعض الأحيان، أو جرى تقنينه مؤخرًا، وفي بعض الأحيان ينفذها جناة متمرسون. “لم يتم عمل أي شيء لمنع دخول بعض الأفراد ممن يقدم لهم الجهاد تعويضًا نرجسيًّا”.

وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الفرنسيين لديهم رد فعل عنصري تجاه جميع المهاجرين. فمن ناحية أخرى، سينتهي بهم الأمر بالاستسلام لصفارات الإنذار التي يطلقها اليمين المتطرف ورسومه الكاريكاتورية إذا استمرت العقول الراشدة في إخبارهم، ليس فقط أنه لا يوجد شيء يمكن فعله، ولكن لأنهم مذنبون إذا تجرأوا على التفكير في أن قبول أشخاص على أراضينا يكرهوننا لسبب أو لآخر هو عمل أحمق.

سلطة إزعاج الدعاة الراديكاليين

يقترح البعض أن جميع المهاجرين قد يكونون إرهابيين وأن جميع المسلمين في نهاية المطاف من المهاجرين، وبالتالي هم من خارج الأمة الفرنسية. ولكن لن تتم مكافحة عمليات الخلط هذه بشكل فعال إلا إذا نظرنا إلى بعض الحقائق: من إصدار تصاريح الإقامة دون التحقق الكافي من ملف المتقدمين في غياب الوسائل المتاحة للمرحلين إلى بلدهم من المتقدمين غير الناجحين، مرورًا بالقصور المزمن في المتابعة النفسية للأشخاص الذين عاشوا بين المنفى والعبور عالي المخاطر، واكتشاف حقيقة الوضع غير القانوني، والصدمات والإحباطات الكبيرة. لا شيء يتم فعله لتجنب شروع القليل من الأفراد إلى تنفيذ الأعمال الإرهابية في مواجهة ما يقدمه لهم الجهاديون من تعويض للنرجسية.

أما العنصر الأساسي الآخر في الانتقال من الشلل الإجرائي إلى الفعل فهو: تقييم القوة الضارة للدعاة الراديكاليين المنحدرين من بلاد أصلية أكثر قسوة من فرنسا. فبينما يسيطر اليأس على الشباب التونسي، لا يبدو أن فرنسا قد قامت بتقييم الخطر، ولا عندما انفجر عدد الوافدين غير الشرعيين من هذا البلد منذ عامين. إن ثمة حاجة ملحة إلى الانخراط في تعاون نشط لمحاربة النفوذ الإسلاموي في كل مكان.

استقبال محبي فرنسا بكرامة

إن فهم الكيفية التي يتم بها الشروع في العمل الإرهابي، ومن هم الأفراد الذين يمكنهم الانجراف نحوه، لا يعني توجيه أصابع الاتهام إلى كل مهاجر، بل على العكس، ضمان ألا يخلط أحد الغالبية العظمى من المهاجرين وأطفالهم مع أولئك الذين يكرهون ما نحن عليه وليس لديهم ما يفعلونه على أرضنا. وهذا الأمر يتحقق عبر الترحيب بكرامة بأي شخص يأتي إلى فرنسا لاحتضان حضارتها؛ لأن هذه الحضارة وهذه الطريقة للوجود في العالم، هي التي جعلت من الممكن بناء جمهورية قادرة على حماية الأشخاص الأكثر ضعفًا ومنحهم ظروفًا معيشية كريمة.

إن الضرورة ملحة؛ حيث أصبح العديد من الفرنسيين لا يطيقون مشهد العجز. وعندما يستطيع البعض أن يدعو بهدوء إلى التمرد، كما فعل مؤخرًا فيليب دي فيلييه العضو السابق بالبرلمان الأوروبي ورئيس حزب حركة من أجل فرنسا، أو يطالب بوضع الأسلحة مثل الموقّعين على الوثيقة التي نشرتها جريدة فالور أكتويل، فذلك لأنهم يأملون في السيطرة على حالة السخط والقلق.

“يمكننا العمل لحماية المواطنين الفرنسيين وأولئك الذين يطمحون بشكل شرعي إلى الحصول على الجنسية الفرنسية. ولا يوجد حل آخر لأولئك الذين يريدون تجنب انزلاق الأمور وابتعادها إلى أقصى الحدود”.

لقد فشلوا حتى الآن. مرة أخرى، يجب ألا نعطي السلاح لجميع الديماغوجيين في البلاد من خلال الاستمرار في تكديس قوانين مكافحة الإرهاب دون إجراء التشخيص الصحيح، أي الغياب التام لسياسة الهجرة على المستويين الفرنسي والأوروبي، والتدمير المأساوي لآليات الاندماج لدينا تحت وطأة منظري الذنب الغربيين والشيوعية الصريحة.

الطاهر بن جلون.. مقاربة خارج المنطق بين الإرهاب والهجرة

ونشرت جريدة “لوبوان” مقالًا للكاتب الفرنسي من أصل مغربي، الطاهر بن جلون، أوضح من خلاله خطورة اتهام المهاجرين بالإرهاب. وتساءل بن جلون: كيف نحارب موجة الاعتداءات التي ما زالت تضرب فرنسا؟ ليس من خلال الربط بين الإرهاب الفردي والهجرة.

المتعصب صامت، انسحب من العالم ودخل عام آخر. استمع إلى الخطب والخطابات، رأى رؤوسًا مقطوعة، رأى دماء كثيرة. لم ينظر بعيدًا، سمع نوعًا من الموسيقى المصاحبة لهذه الممارسات فبات مستعدًا للتخلي عن جسده وحياته. وللقيام بذلك، كل ما عليه أن يغرس سكينًا في جسد العدو. وقد يكون هذا العدو مُعلّمًا أو ضابط شرطة أو يهوديًّا أو مسلمًا سيئًا يمر في طريقه… وبعد أن كان وحيدًا في البداية، ومهووسًا بفكرة الانضمام إلى حشد أولئك الذين سلكوا نفس الطريق الذي سلكه بعدهم، يشعر الإرهابي باقتراب الدخول في غمرة الموت الذي لم يعد يخشاه.

فالصور وتكرارها والكلمات وإيقاعها، نجحت في تغيير غريزة الحياة واستبدالها بإرادة الموت، سواء الخاصة به أو بالآخرين، الكفار، وكل أولئك الذين يعتبرونهم في الفيديوهات أعداءً يجب إهلاكهم. وفي الواقع، يصعب تحديد هذا النوع من الأفراد. فعمله حميمي للغاية لا يتحدث عنه لا لأقاربه ولا لجيرانه، وهو بالفعل في مكان آخر حيث إنه لم يعد من هذا البلد، ولا من هذا المجتمع؛ فهو يشعر بأنه عميل في مهمة، وإحدى تلك المهمات ستجعله “بطلاً” غير متوقع في عالم العقل والقانون.. إنه شخص غريب عن نفسه وعن العالم.

وعندما يغادر منزله مسلحًا بسلاح، لم يكن قد اختار ضحيته بعد. يمشي كما لو كان في نوع من الخيال يخاطبه فيه مخرج من خلال سماعة أذن. إنه ليس خائفًا، وانتصر على عواطفه ولم يعد لديه أي مشاعر. إنه مليء بالخطب المتداخلة، والصور التي تندمج معًا، والضوضاء التي تدفعها إلى الأمام.

ولن ينسى أن يصرخ “الله أكبر” في اللحظة الحاسمة لإنجاز جريمته. إنه توقيع، على الولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية” الشبحية التي تدمر وتواصل العمل وتسبب البؤس.

خطأ سياسي ووقائعي

يبقى أن نرى كيف نحارب هذا الإرهاب الخفي؟ فأساليب الشرطة الحالية تفعل ما في وسعها. لكن ضد هذا النوع من الأفراد الذين يتقدمون في صمت مطلق وبدون أدنى علامة تدل على نيته، فلا يوجد شيء يمكن القيام به. ما لم يحشد المسلمون الذين يشعرون بالقلق من مصيبة هذا الإرهاب المنفرد من حولهم ويراقبون من حولهم.

والغالبية العظمى من المسلمين في فرنسا مرعوبة من هذه الأعمال البربرية. إنهم يعرفون بطريقة أو بأخرى، حتى لو اتخذ بعض المعلقين لغة احترازية، إنهم مُشبهون بهذا الإرهاب المجهول الهوية. فالخلط يتم بسرعة وأسوأ شيء هو أنه عقلاني، ومستقر جيدًا في اللاوعي الجماعي. ويصعب تحرير الإسلام والمسلمين من هذه الصورة التي لا تزال قائمة في كثير من العقليات.

والآن ربطت السياسات هذا الإرهاب الانفرادي بالهجرة. وهذا خطأ سياسي ووقائعي؛ فالمهاجرون الذين يحلمون بأوروبا هربوا من الديكتاتوريات، والدول الخارجة عن القانون. إنهم لا يأتون إلى فرنسا لقتل الأبرياء، أولئك الذين اختاروا الإرهاب هم أقلية صغيرة، وفي معظم الحالات هم من الفرنسيين. وبالتأكيد كانت هناك حالة الشيشاني الذي ذبح المعلم صمويل باتي، ثم التونسي الذي قتل الضابطة ستيفاني في رامبوييه بعد أن حصل للتو على تصريح إقامة لمدة عام. لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال تشبيههم بمجمل السكان المهاجرين الذين يعملون ويدفعون ضرائبهم ويأملون في تأمين مستقبل لأطفالهم. فأن يكون هناك عناصر متأثرة بجنون معين، غير مرئي، وتهدف إلى ارتكاب جرائم، فهذا ليس بأي حال من الأحوال ليس عيبًا أصيلًا في جميع المهاجرين.

وهكذا، فإن الخوف من الإسلام والهجرة يشكل باقة مثالية لكسب أصوات الفرنسيين القلقين بشكل مشروع خلال الانتخابات؛ فكلاهما متورط بطريقة أو بأخرى، دون قيد ودون موضوعية في الإرهاب.

وينبغي أن تحظى مكافحة هذا الإرهاب الذي لا يمكن التنبؤ به باهتمام الجميع، كما يجب على الشرطة أيضًا أن تبتكر طرقًا جديدة للقبض على هؤلاء المجرمين المحتملين قبل أن يشرعوا في تنفيذ العمل الإرهابي. ففي 3 أبريل الماضي، استطاعت الشرطة بفضل المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة المغربية بصعوبة إحباط الهجوم في بيزييه. حيث حذرت الأجهزة المغربية الشرطة الفرنسية من الإعداد لهجوم على كنيسة في بيزييه كان من المفترض أن تدخل فتاة تبلغ من العمر 18 عامًا بسيف وتقطع رؤوس أكبر عدد ممكن من المصلين في هذه الكنيسة. ومن غير المعروف كيف حصل المغاربة على هذه المعلومات القيمة، لكن المهم أنها كانت مفيدة للغاية، وليس من خلال الخلط بين الهجرة والإرهاب تتم محاربة هذا الرعب بطريقة موضوعية وفعّالة؛ فالمهاجرون في غالبيتهم الساحقة، يجب أن يشعروا بالسب والإهانة لمثل هذه المقاربة.

بعد هجوم رامبوييه الإرهابي.. حالة من العار والقلق تعتري تونس

ونقلًا عن جريدة “لابريس تونس”، سلطت جريدة ” كورييه انترناسيونال” الضوء على الوضع في الداخل التونسي بعد تورط أكثر من مواطن تونسي في هجمات إرهابية في فرنسا. وخلال خمسة أشهر، يعد هجوم رامبوييه الإرهابي الذي أودى بحياة شرطية الشهر الماضي، المرة الثانية التي يرتكب فيها مواطن تونسي عملًا إرهابيًّا في فرنسا. وعلى تونس تحمل مسئولية الإشراف على مواطنيها.

والآن، نحن أمام ثاني مواطن تونسي ينفّذ هجومًا إرهابيًّا على الأراضي الفرنسية، فبينما قام إبراهيم عويساوي، المهاجر الذي يبلغ من العمر 21 عامًا والذي كان قد وصل لتوه إلى فرنسا، بذبح ثلاثة أشخاص في كنيسة نيس في شهر أكتوبر الماضي، فإن جمال جورشين، الإرهابي منفّذ الهجوم على مركز شرطة رامبوييه، من جانبه، هو مهاجر وصل إلى فرنسا في عام 2009 وقام للتو بتسوية وضعه القانوني. ويثير تكرار الأعمال الإرهابية التي يرتكبها التونسيون اشمئزاز التونسيين والسلطات التونسية. لقد حان الوقت بالفعل للتساؤل عن هذا النوع من الإرهابيين الذي يتطور خارج حدود بلادنا.

فرائس سهلة

ويجب ألا نكتفي بالتعاون بين جهازي المخابرات التونسية والفرنسية بعد كل مأساة إرهابية أو بفتح تحقيق في هذا الصدد يقتصر على بضع جلسات استماع واعتقال أقارب أو أصدقاء الإرهابيين الذين سيتم إطلاق سراحهم خلال ساعات من القبض عليهم.

ومع ذلك، فإن هؤلاء المهاجرين الذين هم عبارة عن مشاريع لإرهابيين في حالة سبات، يحملون سمات شخصية مطلوبة بشدة لدى مجنّدي الجهاديين؛ حيث يشجع الانفصال الاجتماعي – السياسي المكاني على تطرف المهاجرين، سواء كانوا في وضع نظامي أو غير نظامي. ويُعدّ هؤلاء المهاجرون، المهجورون اجتماعيًّا، وضعاف التعليم، وغير المسيسين، والغرباء عن القيم الاجتماعية التقليدية والمفتقرون إلى المعرفة الدينية الجادة، فريسة سهلة لأولئك الذين يعرضون عليهم إعادة بناء الهوية الشخصية والاجتماعية من خلال القدوة والسعي للفوز بالشهادة في سبيل الله.

واجب تونس في الوقاية من الأعمال الإرهابية

ويعد العمل الوقائي ضد تطرف التونسيين في الخارج أمرًا ضروريًّا، وهذه المسئولية تقع على عاتق الدولة التونسية أيضًا، ويجب أن يُترجم هذا الواجب إلى استراتيجية لتوجيه التونسيين في الخارج، وحملات توعية للتغلب على فراغ الهوية والفجوات الاجتماعية والاقتصادية التي تُغذيها الهجرة. ولأن كل هجوم شنيع يرتكبه أحد التونسيين في أوروبا لا يزرع العار على المجتمع التونسي فحسب، بل يضر أيضًا بصورة البلاد كوجهة سياحية وموقع استثماري؛ لهذا فإن الاستثمار في الإشراف على التونسيين بالخارج وتوعيتهم يهدف أيضًا للحفاظ على صورة بلد مضيف ومضياف حيث تطيب الحياة.

ربما يعجبك أيضا