فورين بوليسي| الصراع الأخير بين حماس وإسرائيل يزيد من تهميش دور «أبومازن»

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

في الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة، انتهت جولة عنف دامت 11 يومًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مع تطبيق الجانبين وقفًا لإطلاق النار تم بوساطة مصرية. صمتت الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس الفلسطينية الإسلامية والغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزه المحاصر، بعد أن حصدت أرواح 12 إسرائيليًّا ونحو 250 فلسطينيًّا. وبالرغم من أن ميزان القوى كان يميل بوضوح لصالح إسرائيل، المتفوقة عسكريًّا، إلا أن الكثير من الفلسطينيين شعروا أن هذه الجولة الأخيرة من الصراع جلبت لهم نصرًا صغيرًا ولكن مهمًّا بعد أن فشلت المفاوضات السلمية في تحقيق أي نتيجة تذكر.

لأول مرة منذ زمن طويل، شعر الفلسطينيون أنهم أظهروا بشكل فعّال امتعاضهم تجاه التجاوزات الإسرائيلية، عوضًا عن ابتلاعهم مجددًا كبرياءهم والاكتفاء بأن يهتم العالم بهم. كان الفلسطينيون متحدين ليس فقط في غضبهم تجاه استخدام إسرائيل المفرط للقوة على أهل غزة، لكن أيضًا على دعمهم لردّ حماس على إسرائيل. رأى الفلسطينيون أن دفعات الصواريخ التي تُطلق على إسرائيل هي ردّ مناسب بالنيابة عن شعب ساخط وليست استفزازًا. احتفل آلاف الفلسطينيين مع انتهاء المعركة دون تراجع أي طرف.

يقول خبراء إن الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، فضلًا عن الفلسطينيين الذين يعيشون كمواطنين إسرائيليين داخل إسرائيل، يفكرون في فوائد تنظيم مقاومة مسلحة مجددًا لتكثيف نضالهم للحصول على دولة فلسطينية مستقلة ولمواجهة الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل. قال العديد ممن تحدثت إليهم مجلة “فورين بوليسي” إنهم ببساطة سئموا من انتظار محادثات أو اتفاقيات تؤدي في النهاية لإقامة دولة مستقلة على طول حدود عام 1967- قبل ضمّ إسرائيل للقدس الشرقية. يقول هؤلاء إنهم سيدعمون انتفاضة مسلحة من أجل تذكير إسرائيل بأنهم لم يتخلوا عن حقهم بتقرير المصير، وأنهم لن يقبلوا بالوضع القائم الذي كانت إسرائيل تتمنى فرضه عليهم كأمر واقع.

إن السبب الجوهري لخيبة أمل الفلسطينيين يتمثل في إسرائيل العنيدة التي ترغب في إدارة الصراع وليس حلّه، لكن هناك أيضا سبب آخر وهو رئيسهم محمود عباس، الذي يعتبره معظم الفلسطينيين شخصية عاجزة وضعيفة، بل يعتقدون في بعض الأحيان أنه يراعي مصالح إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين. زادت الأزمة الأخيرة من تراجع مكانته، وهو ما يضرّ بإسرائيل، فيما من المتوقع أن تتصاعد شعبية حماس. يظن البعض أن المزيد من الشباب قد يلبّون دعوة حماس بحمل السلاح في حال شعورهم أنهم لا يملكون خيارًا آخر أو شيئًا يخسرونه. بينما يقول آخرون إن الأزمة قدّمت حافزًا لحركة فتح برئاسة عباس-أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية المكوّنة من عدة أحزاب- وحماس للتوحّد، وإعادة تنظيم المقاومة الفلسطينية، وللقول لإسرائيل إنه سيكون هناك ثمن في حال تلكأت في التوصل لحل مقبول للطرفين.

من الصعب القول ما إذا كان أيّ من هذا سيتحقق، لكن في نهاية الأزمة الحالية، لم تحقق إسرائيل سوى القليل من الإنجازات. لقد نجحت في إسقاط مزيد من الضحايا، لكن ما من سبب للاعتقاد أنها نجحت في ردع حماس عن إطلاق صواريخ مجددًا على مدن إسرائيلية. عوضًا عن هذا، أدّت سياساتها وصراعها الأخير الذي كان طويلًا بلا داعٍ لإضعاف “محمود عباس” الذي يعدّ أكثر أعداء إسرائيل برغماتية.

كان عباس، الذي يُنظر إليه على أنه معتدل، مُفضلًا من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ليحل محلّ ياسر عرفات، الذي كان شخصية مثيرة للجدل في الضفة الغربية، لكنه كان قائدًا يتمتع بشرعية لا نزاع عليها في المجتمع الفلسطيني. بعد موت عرفات في 2004، اُختير عباس قائدًا لحركة فتح، وفي ديسمبر من العام ذاته وأثناء خوضه انتخابات الرئاسة الفلسطينية، دعا لإنهاء العنف في الانتفاضة الثانية، التي كانت حينها مستمرة منذ عام 2000. منذ ذلك الوقت، بينما خاضت حماس والجهاد الإسلامي المتمركزتين في غزه بصورة متقطعة حروبًا مصغرة مع إسرائيل، إلا أن النهج العام للسلطة الفلسطينية بقيادة عباس-التي يعتبرها المجتمع الدولي الممثلة للشعب الفلسطيني- كان يتمثل في المشاركة في محادثات مع إسرائيل والغرب لحل الأمور سلميًّا.

لم تحقق المحادثات أي نتائج، ولو كان هناك أمل يتشبث به الفلسطينيون فقد سحقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي نقل في عام 2018 السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، تلك المدينة المقدسة المتنازع عليها. بعد أن اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى في شهر رمضان، كان ذلك بمثابة نقطة تحوّل. أطلقت حماس صواريخ ردًّا على ذلك، وشعر الكثير من الفلسطينيين بأنهم أقوياء، كما لو أن أحدًا ما يفعل شيئًا لأجلهم، في وقت لم يكن يدافع عنهم أحد. يقول كثيرون إن سياسة عباس القائمة على المفاوضات والاعتدال لم تكن ناجعة لسنوات. ويضيف هؤلاء أن التفاوض إلى ما لا نهاية أو التوسل من أجل التفاوض لم يكن عبثيًّا فقط، بل كان مهينًا أيضًا.

يتوقع خبراء فلسطينيون أن تتصاعد مكانة حماس في أعين الفلسطينيين في أعقاب الصراع الأخير، فيما سيخسر عباس ما تبقى له من مصداقية. يقول “علي الجرباوي”، وهو وزير سابق في حكومة السلطة الفلسطينية ومحلل سياسي، إن فقدان الأمل في عملية السلام الميتة وسط الناس كان ملموسًا، ومن المتوقع أن يزيد هذا من دعمهم لحماس. ويضيف: “أظن أنه سيكون هناك مزيد من الدعم لمقاومة حماس المسلحة، ويعود هذا أيضًا إلى أن الفلسطينيين المعتدلين من أمثال عباس ليس لديهم شريك جيد في إسرائيل”. وتابع الجبراوي قائلًا: ” بالتأكيد ستحشد حماس مزيدًا من الأشخاص. لكن ما هي خياراتنا؟ ما من سبيل أمامنا سوى المقاومة المسلحة. ليس هناك أمل في المفاوضات التي أصبحت عملية لا نهاية لها”. 

يقول “مصطفى البرغوثي”، وهو سياسي فلسطيني يتولى منصب الأمين العام لحزب فلسطيني يُسمى “المبادرة الوطنية الفلسطينية”، والذي كان عضوًا في المجلس التشريعي الفلسطيني منذ عام 2006، إن الفلسطينيين بعد الأزمة الأخيرة وجدوا أن المقاومة المسلحة أكثر نجاحًا من الدبلوماسية. وأضاف أن “آخر ما يريد الناس رؤيته هو تكرار الماضي، والاتفاقيات المؤقتة، وهكذا”. وتابع بالقول: “نحتاج أن نقرر ماذا ينبغي أن تكون استراتيجيتنا السياسية، وأيّ شكل من أشكال النضال – مسلح أو سلمي – يجب استخدامه. هناك توافق عام يتمثل في استخدام المقاومة الشعبية غير العنيفة والمقاومة المسلحة أيضًا عندما تكون دفاعًا عن النفس.

تقول “دانا الكرد” الأستاذة المساعدة في معهد الدوحة للدراسات العليا: إن افتقار عباس للشرعية كان بسبب إخفاقاته العديدة. وتضيف “لقد تجاوز الحد الأقصى لفترة ولايته” في إشارة منها إلى بقاء عباس في منصب الرئيس منذ عام 2005.

وتتابع “دانا الكرد” قائلة: “كونه يرأس السلطة الفلسطينية التي فشلت منذ عام 1994 في تحقيق أيّ من أهدافها، وظهوره كأنه عقبة أمام التحرر الفلسطيني” جعل الناس مستاءة منه حقًّا. عندما قرر عباس تأجيل الانتخابات، التي كان من المفترض انعقادها في الشهر الماضي بعد توقف دام 15 عامًا، قال كثيرون إنه كان يخشى من الخسارة. وتضيف “دانا الكرد”: “فوق كل هذا، فإن منع الشرطة الفلسطينية الناس من الاحتجاج في بداية الأزمة ردًّا على ما كان يحدث في القدس، أغضب الناس منه حقًّا”.

لكن “البرغوثي” متعاطف مع عباس ووصفه بأنه “ضحية” الإسرائيليين والأمريكيين، وبأنه رجل صدّق وعودهم وحشد كل طاقته من أجل تحقيق السلام عبر المفاوضات فقط. وأضاف “لقد خذله الإسرائيليون كما خذله المجتمع الدولي”. وتابع البرغوثي قائلًا: إن عباس بات الآن تحت ضغط لتشكيل قيادة موحّدة: “لقد بعثنا بالفعل خطابات للأحزاب الأربعة عشرة كافة للاجتماع والتوحّد ومناقشة استراتيجية”.

غير أن هناك من يقول إن عباس البالغ 85 عامًا ليس لديه ما يقلق بشأنه، وسيكون رئيسًا مدى الحياة، إذ لم يتم تجهيز أحد لاستلام السلطة منه أو تحدّيه. إن “مروان البرغوثي” (الذي تجمعه صلة قرابة من بعيد بـ “مصطفى البرغوثي”) والذي يُنظر إليه باعتباره قائدًا للانتفاضتين الأولى والثانية، هو منافس قوي لعباس، وبحسب استطلاع رأي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال، فإن “مروان” كان من الممكن أن يحصل على أصوات أكثر من عباس في حال انعقدت الانتخابات. لكنه معتقل منذ زمن طويل في سجن إسرائيلي، وحُكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات بالإضافة إلى 40 عامًا.

هناك أيضًا “محمد دحلان” ذلك الشخص الفلسطيني الذي يُقال إنه لعب دورًا في اتفاق التطبيع بين إسرائيل ودولة الإمارات، ويقيم حاليًا في الإمارات. إن دحلان مدعوم من الإماراتيين، وتقول تقارير إنه كان مدعومًا أيضا من إدارة ترامب، لكنه لا يتمتع بشرعية كبيرة داخل الأراضي الفلسطينية. تُصنف حماس على أنها جماعة إرهابية من جانب العديد من الدول من بينها الولايات المتحدة، ولا يمكن مطلقًا أن ينظر إليها المجتمع الدولي بوصفها ممثلًا عن الشعب الفلسطيني. حتى وسط الفلسطينيين، بالرغم من أن شعبيتها قد ترتفع، إلا أنه ما يزال هناك عدد كافٍ من الفلسطينيين ينتقدونها.

تحدثت “يارا” إلى مجلة “فورين بوليسي” عبر الهاتف من شارع في غزه تعرّض لقصف شديد. هي تخشى من تهديد على حياتها وطلبت عدم الكشف عن هويتها. تقول “إن ردّ حماس – بصرف النظر عن مدى فاعليته – جعل الفلسطينيين يشعرون أن هناك طرفًا يدافع عنهم”. مضيفة: “لكن هذا لا يعني أننا نرغب في التصويت لحماس أو أن تحكمنا. لا يريد الناس حركة حماس؛ لأنها حزب سياسي”.

لا زال من غير الواضح بعد ما إذا كان مزيد من الفلسطينيين سيلجأون للكفاح المسلح أو ما إذا كان هذا الحماس سيخمد مع تراجع حالة الغضب. وبالرغم من أن التأييد للحماس قد يرتفع، إلا أن العديد من الفلسطينيين مدركون لنواقص هذه الحركة ومعارضون لسياستها. مع هذا، فإن دعمهم لصواريخ حماس أظهر مدى يأسهم من الدبلوماسية وتوقهم إلى تغيير في المسار. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا