د. عبد العزيز العويشق يكتب لـ«عرب نيوز»: حزب الله وتجارة المخدرات متعددة الأغراض

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

 كشفت وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم عن عمليات تهريب مخدرات واسعة النطاق يديرها حزب الله والجماعات والأفراد التابعون له. والهدف الرئيسي من انخراط الحزب في تجارة المخدرات هو تمويل أنشطته المتوسعة في سوريا والعراق واليمن ولبنان نفسه. ولكن في الآونة الأخيرة، يبدو أن هناك هدفًا آخر، ألا وهو تقويض التماسك الاجتماعي لخصومه. وهو ما يعني أيضًا خصوم إيران، حيث إن الحزب عمليًّا هو الذراع الإقليمية التنفيذية للحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس على وجه الخصوص.

كانت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية في طليعة هذه الجهود بسبب التاريخ الطويل لهجمات حزب الله ضد المصالح الأمريكية. وتتمتع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية بأكبر حضور لإنفاذ القانون في الولايات المتحدة في الخارج. ففي عام 2008، أطلقت مشروع “كاساندرا” بهدف تقويض تمويل الحزب من مصادر المخدرات غير المشروعة. كما تركز الوكالات الحكومية الأمريكية الأخرى – وتلك التابعة لحلفائها وشركائها – أيضًا على حزب الله، الذي أصبح قوة مهمة وإن كانت مدمرة على المستوى الإقليمي والعالمي، ويعمل إلى حد كبير كوكيل لإيران. ووفقًا لإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، فقد أصبح حزب الله متورطًا بشكل متزايد في تهريب المخدرات والجريمة المنظمة لتمويل أنشطته، حيث يتم غسل مبالغ كبيرة من أموال المخدرات من الأمريكتين وإفريقيا وأوروبا إلى لبنان ثم خزائن الحزب.

كما أنشأت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية مركز عمليات مكافحة الإرهاب، والذي يركز على العلاقات بين المخدرات والإرهاب. وبهذا التركيز، كان للإدارة دور فعال في إحباط المؤامرة الإيرانية عام 2011 لاغتيال “عادل الجبير”، سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة آنذاك، في واشنطن. حيث خرجت المؤامرة عن مسارها عندما حاول أحد المشتبه بهم، “منصور أربابسيار”، توظيف عضو عصابة الجريمة المنظمة المكسيكية، والذي كان في الواقع مخبرًا لإدارة مكافحة المخدرات.

لقد كان حزب الله هدفًا مهمًا لوكالات إنفاذ القانون؛ لأنه يعمل كجهة شبه حكومية، ولديه موارد هائلة، كما أنه نشط بشدة كمنظمة إرهابية متعددة الأغراض وميليشيا طائفية في لبنان، ويسيطر بشكل فعال على مساحات شاسعة من الأراضي في الجنوب. ويتمتع بنفوذ سياسي كبير في الحكومة اللبنانية وكذلك في البرلمان، حيث يمارس حق النقض الفعال من خلال تحالفاته مع الجماعات السياسية الأخرى.

ولكي يستطيع حزب الله تمويل التوسع الهائل في عملياته خارج لبنان خلال العقد الماضي، طور شبكة مالية كبيرة، بالإضافة إلى التمويل المباشر من الحكومة الإيرانية، وهو ما يقره الحزب صراحةً، إذ إنه يحصل على تمويل من الرسوم التي يفرضها على الأعمال التجارية المشروعة من العمليات الحكومية في الهيئات التي يتحكم فيها، مثل الموانئ والاتصالات. ومع ذلك، فإن الكثير من تمويله يأتي من الاتجار بالمخدرات.

لهذه الأسباب وحقيقة أنه أصبح قوة قتالية قاتلة لمغامرات إيران الإقليمية، أصبحت مواجهة أنشطة حزب الله أولوية أمنية وطنية عليا للعديد من الدول.

ما جرى الكشف عنه بشأن أنشطة المجموعة قد يكون غيضًا من فيض. ففي الولايات المتحدة، اعترضت عملية “تيتان” بيع شحنات كوكايين كثيرة الأطنان يديرها شركاء حزب الله بالتعاون مع كارتل مخدرات كولومبي. وحددت الحالات في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين أشخاصًا لبنانيين وكولومبيين إضافيين، وكذلك البنك اللبناني الكندي. وفي عام 2016، استهدفت عملية سيدار مخططًا دوليًّا لغسيل الأموال، حيث اعتُقل فيها عناصر حزب الله وعددٌ من المتعاونين معهم في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

وأدت تحقيقات أخرى إلى اعتقال أو تسليم العديد من الأفراد والجماعات المتورطة في مخططات تمويل حزب الله عبر القارات الست، ولكن بشكل رئيسي في أوروبا وغرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولحماية شبكته التمويلية العالمية غير المشروعة وتغطية مساراتها، لجأ حزب الله إلى اختطاف واغتيال الشهود وترهيب المسؤولين الحكوميين المشاركين في التحقيقات حول أنشطته. فعلى سبيل المثال، في عام 2014، اختطف خمسة ضباط عسكريين تشيكيين متمركزين في لبنان، ولم يُطلق سراحهم إلا بعد إطلاق سراح أحد عناصر حزب الله المحتجز في التشيك. وفي عام 2017، تم تسليم عنصر آخر من عناصر حزب الله من بلجيكا إلى الولايات المتحدة بعد إحباط خطط لاغتيال المدعين العامين الذين يحققون في قضيته، فيما خُطف ملحق دفاع بلجيكي في بيروت. ويستخدم حزب الله أمواله غير المشروعة لتمويل عملياته وعمليات شركائه وحلفائه، كما يُعتقد أن حزب الله، على سبيل المثال، استخدم هذه العائدات لشراء أسلحة لمقاتلين جندتهم إيران للقتال في سوريا ولصالح الحوثيين في اليمن.

وفي حين أن التمويل هو الهدف الرئيسي لتهريب حزب الله للمخدرات، إلا أن له هدفًا آخر أكثر شناعة، وهو يتمثل في إضعاف أعدائه بمحاولة تشجيع إدمان المخدرات بين الشباب في سن القتال. حيث وثقت تقارير واردة من سوريا من قناة “العربية” و”الحرة” و”الشرق الأوسط” وقنوات أخرى كيف عمل حزب الله والجماعات التابعة له على إضعاف معنويات المجتمعات في سوريا ولبنان من خلال تحويل الاقتصادات المحلية إلى مناطق لتصنيع الأدوية وتسهيل تعاطي الشباب للمخدرات.

وكثيرًا ما اعترضت الأجهزة الأمنية والجمارك في الدول المجاورة للبنان كميات كبيرة من المخدرات المصنوعة في لبنان أو سوريا. وربما ليس من قبيل الصدفة أن تستهدف عمليات تهريب المخدرات هذه أعداء حزب الله وإيران. وكانت المملكة العربية السعودية واحدة من الأهداف الرئيسية للحزب. ففي أبريل، غرد السفير السعودي لدى لبنان “وليد البخاري” أنه تم اعتراض أكثر من 50 مليون حبة كبتاغون منذ بداية عام 2020 في ميناء جدة الرئيسي، مخبأة في شحنات الفواكه والخضروات. وقال البخاري لقناة العربية في أبريل الماضي، إنه تم اعتراض حوالي 600 مليون حبة مخدرة خلال السنوات الست الماضية، لافتًا إلى أنها “كافية لإغراق العالم العربي كله بالمخدرات”. ونتيجة لذلك، أوقفت السعودية استيراد الفواكه والخضروات من لبنان.

وبينما دُمِّرَت المجتمعات الهشة في المناطق التي مزقتها الحرب بسبب مخدرات حزب الله، فإن دول الخليج هي أهداف أكثر صعوبة. ومن هنا يجب أن تدفع الإجراءات الاحترازية، مثل حظر الواردات من لبنان، السلطات اللبنانية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تجارة المخدرات المتنامية، وينبغي عليها الانضمام إلى وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم لمكافحتها؛ وإلا فإن الخراب الاقتصادي سيكون جزاء الإهمال، ناهيك عن مشكلة الإدمان الخطيرة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا