الصحافة الفرنسية| صدمة حرب الـ 11 يومًا تؤرق سكان غزة .. وهل أصبح التجمع الوطني حزبًا كباقي الأحزاب؟

ترجمات رؤية

ترجمة – فريق رؤية

كابوس مارين لوبن وماكرون.. هل يترشح إيريك زيمور للانتخابات الرئاسية؟

تنبأت صحيفة “أوبنيون إنترناسيونال” بسيناريوهات محتملة للانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث يمثل ترشيح الكاتب والمؤلف والمحاكم “إريك زيمور” للانتخابات الرئاسية المقبلة فكرة ظلت تكتسب أرضية منذ عدة أشهر. فعلى موقع “أصدقاء إريك زيمور”، خُصّصت صفحة بعنوان: “أنا أوقع لإريك زيمور” وذلك لمطالبته بالترشح. فكم عدد الموقعين عليه؟ من المستحيل أن تعرف. غير أن زيمور أكد لجريدة أوبنيون انترناسيونال أنه يؤيد هذه المبادرة، ما يعطي شبه تأكيد على الترشح. وكان زيمور قد أعطى زخمًا بالفعل في مقابلة مع وسائل الإعلام، حيث قال: “ربما يجب عليّ اتخاذ إجراء. إنني أتلقى المزيد والمزيد من المقترحات”.

وعندما طُرح هذا الاحتمال، تجاهله معظم المعلقين، لكنه سوف ينفجر أثناء الجولات، وربما فور تمكنه من جمع 500 توقيع للبدء في الحملة الانتخابية، إلا أن زيمور ليس جان ماري بيغارد، المهرّج الذي اعتقد أنه مفكر، والذي افتتحنا معه سلسلة “المدعون”! فهو لا يمتلك برنامجًا شاملًا حتى الآن، لكنه يمتلك بالفعل رأيًا مستنيرًا حول كل شيء تقريبًا.

إلى جانب ذلك، قد يردّد السياسيون أن المهم ليس المرشح، بل البرنامج، لكن الفرنسيين يعرفون أن الوعود لا تلزم إلا من يؤمن بها. ويجب فقط امتلاك بعض الأفكار الرئيسية والكاريزما لتوصيلها. وإذا احتكمنا إلى أدائه على شبكة تلفزيون “سي نيوز”، في البرنامج الحواري “Face àinfo” الذي قدّمته كريستين كيلي، أو في برنامج “زيمور ونولو” في باريس، نجد أن إريك زيمور قام بكلا الأمرين. على أي حال، الجمهور موجود، وأفكاره تنتشر في المجتمع وبين السياسيين والمثقفين كذلك. كما أن كتبه أيضًا حققت نجاحات كبيرة في المكتبات. فمن ذا الذي لم يسمع ناخبًا من اليسار أو حتى أقصى اليسار يقول: “أنا ضد زيمور، ولكن …” أو “أنا أتفق مع الطرح وليس مع الحلول”. يضاف إلى ذلك حقيقة أن زيمور مناظر هائل، وربما حتى الأفضل في فرنسا، وهذا الأمر بعيد كل البعد عن السياسية مارين لوبان، حيث يتدافع خصومه المتحمسون لمناظرة على قناة “سي نيوز”.

كل هذه العوامل يمكن أن تدفع زيمور إلى دخول الساحة السياسية، ما قد يؤدي إلى مزيد من الانهيار الداخلي للساحة السياسية، وعندها سيكون استبعاد مارين لوبان من جولة الإعادة الرئاسية هو أول نتيجة مباشرة لترشحه. ومن غير المحتمل أن يكون زيمور الرئيس القادم للجمهورية الفرنسية، كما لم يكن من المتصور أن يدخل إيمانويل ماكرون قصر الإليزيه قبل عام من انتخابات عام 2017، لكن أولئك الذين يتوقعون خروجه المبكر من الانتخابات، أو أولئك المقتنعون بأنه سيحصل فقط على أصوات ضئيلة، قد يندمون على تكهناتهم، فقد بين أحدث استطلاع تفاعلي أجرته جريدة “تشالينشج” حول نوايا التصويت في الجولة الأولى أن 28٪ صوّتوا للوبان، و25 إلى 27٪ لماكرون، الذي يربح بدوره في الجولة الثانية.

لكن اليمين الجمهوري، الذي يتوافق حديثه وموقعه الأيديولوجي مع حديث وموقع أغلبية الشعب الفرنسي، سيختار قريبًا مرشحًا من شأنه أن يخلق منافسة. ففي أقصى اليمين، يمكن لمرشحين آخرين، مثل نيكولا دوبون آينان، أو حتى رئيس بلدية بيزيرز روبرت مينارد، أن يكسبوا أصوات رئيس التجمع الوطني، كما أن ماكرون أدرك أن انعدام الأمن سيكون موضوعًا أساسيًّا لحملته، وأن الفرنسيين لم يعودوا يترددون في ربطه بالإسلام الراديكالي، وبالهجرة بالنسبة للبعض، وفي الجولة الأولى سيعرف كيف يكيّف حديثه مع هذا المعطى الجديد.

ولم تكن مارين لوبن مخطئة بدورها؛ ففي آخر مقابلة مشتركة لها مع كل من إر تي إل ولوفيجارو وإل سي إي، أعلنت أنه من حيث الموضوعية، يمكن لترشحها أن يساعد ماكرون في الوصول إلى قمة الانتخابات الرئاسية، وهو ما لم تظهره استطلاعات الرأي في الوقت الحالي”، قبل أن تضيف: “قلت له: أنت كاتب عمود وكاتب محترم وتحظى باستماع كبير. لا تضعف نفسك ولا المعسكر الوطني الذي تنتمي إليه، ولو حتى بشكل طفيف”.

وفي النهاية زيمور مثقف ومكانه ليس في الساحة السياسية. وفي أحسن الأحوال، يكون لرجال الدين مكانهم كمستشارين للأمراء. ومكيافيلي (بعيد عن مقارنة زيمور بهذا الفيلسوف العظيم) لم يحكم فلورنسا، لكنه أثّر في سياسات الجمهورية كما لم يفعل أي زعيم سياسي آخر. ومن المرجح أن يكون زيمور بالنسبة إلى لوبن مثلما كان عليه الفيلسوف فرانسوا إكزافييه بيلامي بالنسبة إلى المرشح لوران واكيز والجمهوريين في الانتخابات الأوروبية عام 2019.

هل أصبح التجمع الوطني حزبًا كباقي الأحزاب؟

وعلى صعيد اليمين المتطرف؛ تساءل موقع “فرانس كولتور” عن الوضع الحالي للتجمع الوطني، حيث تعاني حركة مارين لوبان من نفس الخلافات الداخلية التي تعاني منها الأحزاب التقليدية، بعد أن أوقف أحد أحزاب التجمع إحدى مرشحاته إثر نشرها رسائل معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي.

إنها المرشحة الخامسة في غضون أسبوعين التي يوقفها التجمع الوطني بسبب هذا النوع من الأسباب، وهذا يدل على أن الحزب لم يتغير من العمق، حتى لو ادّعى عكس ذلك. ولنقل إنه لم يتغير الكثير … لكن ثمة تطور يجب ملاحظته.

وما نراه في هذه الانتخابات على مستوى المقاطعات والأقاليم، هو أن الحركة التابعة لمارين لوبن تمكنت من إثقال نفسها، وهذا يعني أنها ترحّب بالمزيد والمزيد من الشخصيات البارزة، ويمكننا التفكير في جان بول جارو، القاضي السابق، نائب اليمين السابق، وهو الآن على رأس قائمة حزب لوبن في أوكسيتانيا.

ومن بين المرشحين، نجد أيضًا قياديًّا سابقًا في النقابة، وصحفيًّا، ومحامين، وأطباء، ورجال الأعمال، مثل جيروم ريفيير، وهو أيضًا نائب سابق في حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، وأصبح مديرًا تنفيذيًا للتجمع الوطني. ويمكن تفسير هذا التطور بسهولة تامة. فمن ناحية، وبفضل استراتيجية الشيطنة، أصبح الحزب أقل خطرًا في المخيلة الجماعية. وبالتالي فإن “التكلفة الاجتماعية” للانضمام إليها والمطالبة بها علنًا صارت أقل. وبالمثل، فإن الزيادة المستمرة تقريبًا في عدد الأصوات تبتعد بهذه الحركة عن الهامشية أكثر من أي وقت مضى.

والعامل الثالث يتمثل في أن الجبهة الوطنية باتت الآن قوية بما يكفي للادّعاء بضم عدد كبير من المسؤولين المنتخبين والمتعاونين مع المسؤولين المنتخبين. باختصار، باتت تضم ذوي المناصب؛ وبالتالي، فإن هذه المكافآت تجتذب الطموحين والأعيان، وأحيانًا كلاهما في نفس الوقت، حيث أصبحت معادلة “المخاطرة مقابل الفائدة” لعضوية التجمع الوطني أكثر ملاءمة. وهذه هي المفارقة الكاملة لحزب يريد أن يكون مناهضًا للنظام …

وعلاوة على ذلك، نلاحظ أن التجمع الوطني يقدّم نفسه بشكل متناقص على أنه “مناهض للنظام” وبشكل متزايد على أنه بديل له. البديل، كلمة ناعمة وحريرية، لا يمكن تعويضها ديمقراطيًّا، وللمبالغة بات لدى التجمع الوطني، من الآن فصاعدًا، تاريخ من اليمين المتطرف ومفردات رسمية شبه ديمقراطية اشتراكية.

ومرة أخرى هذا أيضًا هو من عملية الثقل. علاوة على ذلك، ومن سخرية الموقف يجد حزب مارين لوبن نفسه الآن يواجه نفس المشاكل الداخلية للأحزاب الكلاسيكية، وباتت مناصب النواب تثير الحسد؛ وبالتالي الخلافات. فلفترة طويلة، لم يكن لدى أتباع لوبن ما يكفي من المرشحين، والآن أصبح لديهم عدد كبير جدًّا منهم! ونتيجة لذلك يطلق المتنافسون داخل التجمع الوطني النار على بعضهم البعض للحصول على أفضل الأماكن، تمامًا كما هو الحال في الأحزاب الكلاسيكية، فيما يشكو المحبطون حالهم في الصحافة، كما في الأحزاب الكلاسيكية.

لقاحات كورونا.. فرنسا وماكرون في مواجهة السقف الزجاجي 

وحول تحديات أزمة كورونا؛ نشرت صحيفة “هوفينجتون بوست” بالفرنسية تقريرًا لفت إلى شعور بعض العلماء بالقلق حيال استراتيجية اللقاحات غير المناسبة للوصول إلى الجمهور اللازم لتحقيق المناعة الجماعية. ومع تطعيم أكثر من 16 مليون شخص ضد كورونا، تتجه فرنسا مباشرة نحو الارتطام بالحائط، أو بالأحرى نحو “السقف الزجاجي”. فمن خلال إعطاء الأولوية للسرعة والكفاءة على حساب معايير أخرى، تترك حملة التلقيح الحالية نحو 20 إلى 30٪ من السكان على الهامش، وفقًا للدراسات.

وكان أول من جرى تطعيمهم هم الأكثر حماسة، وكل ما تبقى الآن هو تطعيم أولئك الذين يجرون أقدامهم، أو أولئك الذين يؤجلون عمل اليوم إلى الغد، أو أولئك الذين يعترضون على الحقن، لكن المواطنين المعزولين، والبعيدين عن الرعاية، والأكثر خطورة، هم من يكافحون من أجل الحصول على الخدمات اللوجستية الحالية.

الإقناع بدلًا من الإكراه

وللتعامل مع هذه الفئات، يفضل الرئيس ماكرون سياسة “الإقناع” بدلًا من “الإكراه”، مراهنًا على اكتساب الزخم مع سير عملية التطعيم، حيث قال ماكرون: “الناس يرون الحقائق ويريدون العودة إلى الحياة الطبيعية. والإقبال على التطعيم في ازدياد”. لكن الخناق يضيق، مما أثار غضب أوليفييه فيران من انخفاض عدد الملقحين بين العاملين في دور رعاية المسنين ودفعه للتهديد بجعل التطعيم إلزاميًا في هذا القطاع.

كما أسف هنري بيرجيرون، مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي والأستاذ في كلية العلوم السياسية بباريس، قائلًا: “تحتل نظريات الاتصال والاقتصاد السلوكي مكانًا هيكليًّا للغاية في استراتيجية الحكومة”. ومن خلال تفضيل نهج يركز على إقناع الفرد، يعتقد الباحث أن ماكرون يخاطر بالابتعاد عن المشكلات الأعمق. وتابع بيرجيرون قائلًا: “إن محددات الوصول إلى الرعاية والوقاية متنوعة للغاية، ولا تتوقف عند إقناع المعارضات البسيطة”. فعلى سبيل المثال، عرفنا منذ فترة طويلة أن الوقاية والأدوية يتم استقبالهما بشكل أفضل في الطبقات الثرية”.

انتشار التطعيم مرتبط بمستوى المعيشة

في نهاية شهر مايو، نشرت مجموعة “خدماتنا العامة”، وهي مجموعة من الموظفين الإداريين والتمريض، مذكرة تتهم فيها الدولة بالتغاضي عن الفوارق الناتجة عن حملة التطعيم وقالت: “يعمل التنظيم المركزي الحالي بقوة على خلق حالة من عدم المساواة في الوصول إلى التطعيم، واختيار المراهنة على التغطية الأسرع والأكبر قدرًا أدى إلى التساؤل حول إغفال أخذ سمات الأشخاص الملقحين في الاعتبار”.

وفي الواقع، تختلف تغطية التطعيم وفقًا لمستوى المعيشة في الأقسام الفرنسية المختلفة، ففي 23 مايو 2021، تم تطعيم أولئك الذين تقل أعمارهم عن 55 عامًا في باريس مرتين مقارنةً بمنطقة سين سان دوني، وذلك فقًا لبيانات التأمين الطبي، وتلقيح 52٪ فقط من مرضى السكر في القسم، مقارنةً بالمعدل الوطني الذي بلغ 66٪.

من جانبه أعرب جيريمي وارد، عالم الاجتماع في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطيبة عن قلقه قائلًا: “يتم التركيز كثيرًا على قضايا الاتصال”. وكل شهر، يتم إجراء مسح حول نوايا الفرنسيين للخضوع إلى اللقاح، وتسلط النسخة الأخيرة لهذا المسح الضوء على أهمية السمات الاجتماعية والاقتصادية لغير الملقحين، فغالبًا ما يكون المترددون هم الأشخاص الذين يتمتعون بقد قليل من التعليم أو العمل، وليس لديهم دراية كافية بنظام الرعاية الصحية، ويتعرضون بشكل طفيف للإصابة بكوفيد-19، وتتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا.

عدم التقليل من شأن العوامل الأخرى

ويحذر الاستطلاع، المسمى Covireivac، أيضًا من خطر التقليل من العوامل بخلاف “الرأي القوي” الذي يستحق “الاقتناع”؛ حيث تُظهر الأدبيات المتعلقة بالتردد في اللقاح، على نحو متناقض، أنه في كثير من الأحيان ليس الفئات الواعية هي التي تفسر عدم الرغبة في التطعيم، بل يفسر ذلك صعوبات الحصول على اللقاحات، لا سيما الخاصة بالتكلفة في الوقت والجهد.

وإدراكًا منها لتلك المشكلة، أوضحت وزارة الصحة الفرنسية أن الحكومة أطلقت حملة تطعيم واسعة النطاق للسكان الأكثر ضعفًا حيث “انطلقت أولى الفرق المتنقلة في شهر فبراير الماضي. ونحن الآن في مرحلة أكثر ضخامة، ويتم نشر الحملة في كل منطقة للتكيف وفقًا لخصوصياته”.

القنبلة الموقوتة لاضطراب ما بعد الصدمة في غزة

من جانبها، ألقت جريدة “لاكروا” الضوء على الأحوال النفسية السيئة لسكان قطاع عزة؛ فبأعين منصبة على شاشة هاتفها المحمول، حيث صور أختها وأطفالها الذين أصيبوا في غارة إسرائيلية، تتحدث الشابة الفلسطينية “علا” عما تعرضت له لطبيب نفساني في غزة: “كنت أتمنى أن أجدهم أحياء تحت الأنقاض”. وتغلق علا، الفتاة الثلاثينية، هاتفها وتمسح بيديها عينيها المبللتين بالدموع، بينما يتساءل الطبيب النفسي عن مصيرها ومصير عائلات أكثر من 60 طفلًا ومراهقًا فلسطينيًّا قُتلوا في حرب الأحد عشر يومًا مع إسرائيل.

ففي الفترة من 10 إلى 21 مايو الماضي، قصف الجيش الإسرائيلي قطاع غزة ردًّا على إطلاق صواريخ من حركة حماس تجاه إسرائيل، ودمرت إحدى التفجيرات حي الرمال في مدينة غزة ودمرت مبنى عبير، شقيقة علا. وبعد عشر ساعات من التدمير، أنقذ رجال الإسعاف في أعجوبة، زوج أختها “رياض” وابنتها “سوزي” البالغة من العمر ثماني سنوات من بين الأنقاض. لكن أختها وأطفالها الأربعة الآخرين لم يتمكنوا من النجاة. تقول علا، التي ترفض تناول الأدوية المضادة للقلق: “ما زلت أفكر في أختي وأطفالها الذين ربما ظلوا على قيد الحياة لساعات تحت الأنقاض. وأنا الآن في حالة صدمة، وأخشى أن أفقد أطفالي!”.

وفي الغرفة المجاورة، يحمل رياض الطفلة سوزي على ركبتيه بينما يقترح الطبيب حسن الخواجة، المتخصص في الصحة العقلية، عليه أن يبدأ العلاج النفسي. لكن رياض، الذي ظل صامتًا بعد عدة أيام من المأساة، يقول: “أنا أختنق؛ حتى أنني فكرت في الذهاب للعيش معهم في المقبرة.. ولن أعود”، غير أن علا ورياض ليسا وحدهما ضحايا القصف الإسرائيلي، فقد أدت الحرب على غزة (الرابعة منذ عام 2008) إلى تدمير ألف شقة ومكاتب ومحل تجاري، لكن قلة من الأطباء النفسيين وعلماء النفس في القطاع لديهم مخاوف من أن يضطروا إلى “إعادة بناء” مئات الآلاف من الأرواح بعد هذه الضربات الجوية نادرة الشدة.

يقول الدكتور خواجة: “لدينا نسبة كبيرة من السكان الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب الحروب الماضية. لكن كل حرب تتسبب أيضًا بنصيب من “الانتكاسات” و”ردود الفعل الحادة بسبب التوتر”. ومع ذلك، فإنه إذا لم يتم الاهتمام بهذا الضغط الشديد، فقد يتحول إلى اضطراب ما بعد الصدمة، ومن هنا تأتي أهمية وجود فرق متخصصة الآن لمحاولة منع انفجار الحالات في الأشهر المقبلة.

ويلاحظ الاختصاصي النفسي قائلا: “بعد الحرب، علينا أن ننزل إلى الميدان، لكن لا يمكننا ببساطة تقييم معاناة الناس ثم نمضي (…) يجب أن نتمكن من مساعدتهم”.

وفي مستشفى العودة في جباليا، شمال قطاع غزة، أصيب بلال داية، 24 عامًا، بكسر في ذراعه اليمنى، وثقب في ربلة الساق، وساقه اليسرى مغطاة بجبائر. ومع ذلك، فإن إصاباته الجسدية ليست هي التي تقلق الطاقم الطبي؛ ففي إحدى الليالي من شهر مايو، كان بلال يشرب الشاي خارج منزل العائلة في شرق قطاع غزة عندما أصيب أحد الجيران في غارة، يقول بلال: “كان يصرخ طلبًا للمساعدة، حاولت حمله، لكن حدثت رشقة أخرى. شعرت بنوع من الانفجار الكبير في أذني، وحولي كانت هناك قطع من أجساد البشر والدخان، ولم أستطع الوقوف على ساقي لأنني أصبت بشظية”.

بلال، الذي يقول إنه ليس مقاتلًا، زحف لإنقاذهم، لكن سبعة أشخاص آخرين في الحي ماتوا. وباتت لديه نظرة سوداوية وهو على سريره في المستشفى، ولم تعد صورته تشبه صورة ذلك الشاب البراقة التي كان عليها والتي كان يحدق بها والده. ويتابع حالة بلال الذي يعاني “رد فعل حاد تجاه التوتر”، الطبيب النفساني الفلسطيني من منظمة أطباء بلا حدود “محمود عوض”، الذي يحاول منع الصدمة من تدميره. يقول عوض: “هذه هي أهم صدمة في حياته. نحاول منعه من الوقوع في اضطراب ما بعد الصدمة في غضون بضعة أشهر، وفي الوقت الحالي هو في حالة صدمة وفي حالة إنكار، ولديه ميل للتحدث عن غزة بشكل عام، دون الحديث كثيرًا عن نفسه”.

لا علاج!

وقال الطبيب النفسي ياسر أبو جامعي، مدير برنامج الصحة النفسية المجتمعية في غزة، إن حرب 2021 كانت أقصر من حرب 2014، وأسفرت عن عدد أقل من القتلى والنازحين، “لكن العواقب النفسية ستكون أكبر”. وهذه الحرب “كانت في جميع أرجاء غزة وبشدة غير مسبوقة، تشعركم أن الموت كان في كل مكان، وأنه لا يمكنك إخبار أطفالك أن كل شيء سيكون على ما يرام”.وفي غزة، حيث لا توجد جامعة تضم تخصصًا كاملًا للطب النفسي، تفشل خدمات الصحة النفسية في مواكبة الطلب، ويشك بعض المتخصصين في أن مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة هو الأنسب لتحديد حالة مرضاهم.

وأوضح الدكتور سمير زقوت، المتخصص في الصحة النفسية، أنه كانت “هناك صدمات الحياة الخاصة، في الماضي، وكان الحصار الإسرائيلي موجودًا، وكذلك القنابل، لذا لا توجد حالة ما بعد الصدمة بالمعنى الدقيق”. لكن الطبيب النفسي الآخر “فاضل عاشور” أكد أن الناس هنا يعيشون في ظروف مؤلمة في عملية مستمرة. حيث يحاولون التأقلم، لكنهم لا يستطيعون ذلك بالفعل، وهذا يؤدي أيضًا إلى ارتفاع معدل الاكتئاب والقلق. ولتحقيق الشفاء، أضاف الدكتور زقوت أنه يجب أن يتم ذلك في مكان آمن، لكن في غزة لا يوجد مكان آمن؛ لذا يمكننا التحدث عن التكيف والمرونة وليس الشفاء.

ربما يعجبك أيضا