بوليتيكو | هل ستتردد أصداء يوغوسلافيا في إثيوبيا؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

قال رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” مؤخرًا إن بلاده “تواجه عدوًّا وهو سرطان إثيوبيا”. لقد ميز بشكل مخيف بين الإثيوبيين التيجرايين وغيرهم في البلاد، واصفًا “أطفال إثيوبيا” بأنهم “قمح” وخصومه التيجرايين بـ “الأعشاب الضارة”، التي “يجب اجتثاثها بطريقة لا تنمو بعدها أبدًا”.

قبل ثلاثين عامًا، في يوغوسلافيا، كانت اللغة اللاإنسانية المماثلة مقدمة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية. لا البلدين ولا الصراعات ذاتها. ولكن أوجه التشابه مع يوغوسلافيا تُشعر بالخوف على شعب إثيوبيا: على من يعانون من العنف، وعلى من يُنفَّذ هذا العنف باسمهم.

مثل إثيوبيا اليوم، كانت يوغوسلافيا دولة كبيرة متعددة الأعراق لها تاريخ حديث من الدكتاتورية، وتمر بفترة من التغيير السياسي. وقد فشلت محاولات تحويل يوغوسلافيا إلى صربيا الكبرى (وبعضها إلى كرواتيا الكبرى) بالقوة، ولكن فقط بعد أربع سنوات من الحرب والإبادة الجماعية وتفكك البلاد. وبعد مرور ثلاثين عامًا، تخرج علينا إثيوبيا مع خشية أن يعيد التاريخ نفسه.

بدأت الحرب في يوغوسلافيا ببطء، ولكن بشكل متعمد، قام السياسيون بضرب النزعة القومية لتعزيز مكانتهم المهنية، معتنقين الحرب والإبادة الجماعية من أجل “حماية” شعوبهم باعتبارها التعبير النهائي عن تلك القومية. وتحولت آلية الدولة اليوغوسلافية الفيدرالية ضد قسم من السكان اعتبروا “مخطئين”، واستخدمت القوات المسلحة لقتل نفس الأفراد الذين كان من المفترض أن تحميهم.

بدأ القتال في منطقة وامتد إلى مناطق أخرى. وجرَّت الفظائع مزيدًا من الفظائع. وظل المجتمع الدولي صامتًا في البداية، ولكنه تدخل في النهاية وأوقف الحرب، ولكن بعد أن أثبت أنه غير قادر على فعل شيء، في أحسن الأحوال، وفي أسوأها فهو ضارٌ فعليًّا، طوال السنوات الأربع السابقة تفككت يوغوسلافيا إلى خمس دول. واليوم، وبعد مزيد من الصراع، انقسمت المنطقة إلى سبع دول، وما زالت تمزقها التوترات والتطلعات القومية.

والآن يدور قتال مستعر في تيجراي منذ تسعة أشهر. وطوال هذه الفترة سمعنا تقارير مروعة عن الفظائع والمذابح والنهب والعنف الجنسي الممنهج. كما تعرقل عمليات وصول المساعدات الإنسانية عمدًا، وهناك دلائل على عمليات تجويع متعمدة لكسر عرقية التيجراي وإجباره على الخضوع.

وتأتي كلمات “آبي” نذيرًا بأن الصراع يزداد سوءًا. فكلماته تحرّض الإثيوبيين على الانقلاب على عرقية التيجراي – “لاجتثاثهم من جذورهم”. إنه يستهدف انتقاداته في “المجلس العسكري”، ولكن يبدو أن لغته القائمة على القمح والأعشاب تجعل كل التيجراي أقل شأنًا.

إنه يعرف أن ما يقوم به أمر وحشي، فهو يقول: “رغم أننا متحدون فيما يتعلق بأهدافنا، ربما تكون هناك اختلافات حول الوسائل”، وتابع: “لقد حدد أطفال إثيوبيا عدوهم. وهم يعرفون ماذا يفعلون. وسوف يفعلون ذلك”. لم يعد يتم تقديم العملية العسكرية في تيجراي على أنها مجرد عملية بوليسية، ولكن باعتبارها جهدًا شاملاً للأمة بأكملها للقضاء على تهديد مميت… تهديد على أساس العرق.

مثلما انتشر القتال في يوغوسلافيا ليشمل الولايات المختلفة التي تتكون منها الدولة، كذلك هناك مؤشرات على انجذاب مناطق إثيوبية أخرى ودول مجاورة إلى الصراع هناك، حيث نشط الجنود الإريتريون وميليشيات الأمهرة العرقية في تيجراي مؤججين الصراع، وربما ارتكبوا هناك أسوأ الفظائع.

ومن جانبها، دخلت القوات التيجراية مؤخرًا منطقة عفار المجاورة بهدف معلن هو “إضعاف قدرات العدو القتالية”. وكما كشفت يوغوسلافيا، فإنه يصعب احتواء الحرب بمجرد بدئها. فعدوك هو عدوك أينما كان.  وقد نجم الصراع في يوغوسلافيا من نزاعاتٍ على السلطة في دولة منهارة. أما في إثيوبيا، فالعنف بين الأعراق غير معروف، وليس من الصعب تخيل الحرب في تيجراي، وإضعاف الدولة المركزية التي تسببها؛ ما يفتح المجال لمزيد من الصراع.

في التسعينيات، عندما تمزقت يوغوسلافيا، أثبتت الدول الغربية عدم استعدادها للعمل حتى فوات الأوان. وفي إثيوبيا اليوم، يمكننا أن نرى علامات على نفس التقاعس عن العمل. إن حجم البلد وأهميته – وهو السبب في احتمال أن يكون الصراع هناك مدمرًا للغاية – يعيق الجميع، حيث يبدو أن الحكومات، بما في ذلك حكومة المملكة المتحدة، تنأى بنفسها عن مخاطر الإضرار بالعلاقات التجارية أو العلاقات مع شريك مهم ودعامة إقليمية.

وبالمثل، لم يتمكن الاتحاد الإفريقي من التحدث أو التصرف بشكل فعال كما تستحقه الأزمة؛ فمقره الرئيس في أديس أبابا، وإثيوبيا لها نفوذ كبير على الهيئات الحاسمة مثل مجلس السلام والأمن. وربما لا تزال الذكريات الأثرية للحصول “آبي” على جائزة نوبل للسلام منذ عامين فقط تجعل بعض الناس يأملون في التوصل إلى حل سلمي.

ولكن عندما يصف رئيس الوزراء خصومه بأنهم أعشاب وسرطان، وعندما يستخدم الاغتصاب والمجاعة أسلحة لتركيع مجموعة من الشعب، وعندما يبدو أن دولة ما على طريق الانهيار، فمن غير الممكن الحفاظ على العلاقات الطبيعية. يجب على حكومات العالم والمجتمع الدولي أن يضعوا جانبًا، في الوقت الحالي، السعي إلى إقامة روابط تجارية أعمق مع حكومة آبي وقبول أن العمل الجاد لدبلوماسية الصراع مطلوب.

يجب أن ندعم الاتحاد الإفريقي، ويجب أن نسعى إلى صياغة موقف مشترك وراءه مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من أجل مساعدة الأطراف المتحاربة المختلفة نحو السلام، وابعاد إثيوبيا عن حافة الهاوية. يجب أن نكون مستعدين لاستخدام العقوبات لدعم تلك الدبلوماسية، إذا لم تسفر عن نتائج، كما فعلت الولايات المتحدة بالفعل.

بدأت الحرب في يوغوسلافيا بالخطب والخلافات السياسية والاشتباكات الصغيرة. واستمرت ونمت جزئيًّا بسبب التقاعس الدولي. لقد حان الوقت لأن يتكاتف المجتمع الدولي ويبذل جهودًا دبلوماسية أكثر تضافرًا لتأمين السلام في إثيوبيا. لم يفت الأوان أبدًا لنتعلم دروس التاريخ.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا