ذا هيل | السياسة الأمريكية الصينية ما بعد 11 سبتمبر.. ابحث عن الإلهاء الجيوسياسي

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

في العاشر من سبتمبر 2001، كانت الولايات المتحدة والصين تتجهان نحو علاقة تصادمية متزايدة، فبعد ثماني سنوات من سياسات “بيل كلينتون” الموائمة تجاه الصين، شن “جورج دبليو بوش” حملته الانتخابية لاتخاذ نهج أكثر صرامة وواقعية ضد الصين، وبهذا حان الوقت الذي تتخلي فيه واشنطن عن سياسة الغموض الاستراتيجي التي تنتهجها والإعلان بشكل لا لبس فيه عن نية الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان ضد العدوان الصيني.

وأثناء المناظرة الرئاسية في مارس 2000، حذر بوش من أنه “إذا قررت الصين استخدام القوة، فيجب على الولايات المتحدة مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها. والآن، يمكن للصينيين معرفة ما يعنيه ذلك، ولكن هذا سيعني موقفًا حازمًا من جانبي”. كان وزير دفاع بوش، “دونالد رامسفيلد”، و”بول وولفويتز”، نائب رامسفيلد، صريحين أيضًا في الدعوة إلى الوضوح الاستراتيجي بشأن الموقف من تايوان.

وفي 1 أبريل 2001، فوق بحر الصين الجنوبي، قامت طائرة مقاتلة صينية باعتراض طائرة استطلاع أمريكية غير مسلحة من نوع (بي إي 3)، واصطدمت بها؛ ما تسبب في تحطم الطائرة الصينية وموت ملاحها، بينما هبطت الطائرة الأمريكية المتضررة بشدة اضطراريًّا في جزيرة هاينان الصينية. وبالطبع ألقت الصين باللوم على الأمريكيين في الحادث بالكامل، واستولت على الطائرة ومعداتها شديدة السرية، واستجوبت طاقمًا مكونًا من 24 رجلًا وامرأة على مدار 11 يومًا، ومنعتهم في البداية من الاتصال بعائلاتهم أو المسؤولين الأمريكيين، كما رفضت بكين مساعي السفير الأمريكي المتكررة لتجنب تصعيد الأزمة، وانتزعت اعتذارين علنيين من واشنطن قبل الموافقة على إطلاق سراح الطاقم.

وعلى الرغم من أن الطائرة كانت قابلة للإصلاح ويمكن نقلها من هاينان، أصرّ الصينيون على تفكيكها وشحنها في صناديق لزيادة إذلال الولايات المتحدة، ونفّذت طائرات شحن روسية عملية النقل منتصف يونيو.

وبعد أسبوعين من إطلاق سراح الطاقم، ومع إنكارها أي صلة بحادثة الطائرة (بي إي 3)، روّجت إدارة بوش لأكبر صفقة بيع أسلحة لتايوان منذ عام 1992، بما في ذلك المدمرات والغواصات والمروحيات وغيرها من المعدات العسكرية التي منعها كلينتون عن تايوان، كما ألمحت إلى مبيعات أسلحة أكثر تقدمًا، مثل المدمرات المجهزة بنظام إيجيس، اعتمادًا على التهديد من الصين، كما تعهد بوش بإنهاء عملية المراجعة السنوية والنظر في طلبات أسلحة تايوان “على أساس الحاجة”.

وفي مقابلة مع قناة “إيه بي سي” في اليوم التالي، سُئل بوش عما إذا كان على واشنطن أن تلتزم بالدفاع عن تايوان ضد أي هجوم صيني. أجاب: “نعم، إننا ملتزمون بذلك… وعلى الصينيين أن يفهموا ذلك”. وبعد الضغط عليه عمَّا إذا كان ذلك يعني أنه سيستخدم “القوة الكاملة للجيش الأمريكي”، قال بوش: “مهما تطلّب الأمر لمساعدة تايوان للدفاع عن نفسها”.

وتسببت تلك التصريحات في حدوث اضطرابات فورية في مؤسسة السياسة الخارجية، بما في ذلك بين بعض العاملين في إدارته الذين سارعوا إلى إصدار التأكيدات المعتادة بشأن سياسة الولايات المتحدة غير المتغيرة بشأن الصين وتايوان.

وبعد ساعات قليلة، أجرى بوش مقابلة مع شبكة “سي إن إن” وسُئل عن استعداده لإرسال قوات عسكرية للدفاع عن تايوان: “ماذا لو أعلنت تايوان الاستقلال أولًا؟” وأجاب بوش: “أولًا: لقد قلت إنني سأفعل ما يلزم لمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها بموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، وعلى الصينيين أن يتفهموا ذلك. ثانيًا: آمل بالتأكيد أن تلتزم تايوان بسياسة الصين الواحدة. وإعلان الاستقلال ليس سياسة الصين الواحدة، وسنعمل مع تايوان للتأكد من عدم حدوث ذلك، إننا نحتاج إلى حل سلمي لهذه القضية”.

ربما تكون اللهجة قد خفتت، ولكن بوش أعطى تحذيرًا واضحًا بشأن أولويات إدارته، وأصبح تهديد الصين الشيوعية الآن على رأس القائمة. ومع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تغير كل ذلك فجأة، إذ تشتت انتباه الغرب عن الصين، وتحول إلى خطر وجودي محسوس أطل برأسه حديثًا. ومع ذلك فقد انخرطت بكين بشغف في الحرب على الإرهاب التي حلت محل تهديد الصين بشكل ملائم، ودون تقديم أي مساهمة كبيرة في الجهد العالمي الواسع، بل حرَّفتها لتحقيق أهدافها في حربها على الأويجور.

كما أنها – أي الصين – استغلت العقدين التاليين من الإهمال الغربي النسبي لها، وعززت سيطرتها الداخلية من خلال تطوير مواردها الاقتصادية والعسكرية، مع توسيع نطاقها الجغرافي الاستراتيجي. وطوال هذا الوقت، كانت تمثل الشريك المفاوض حسن النية للغرب وأصحاب المصلحة المسؤولين بشأن انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية بشكل عام، وكوريا الشمالية على وجه التحديد؛ بشأن تغير المناخ؛ ومؤخرًا عن الوباء.

وفي الوقت الذي تسارع فيه واشنطن وعواصم غربية أخرى في جهودها للتصدي لتحديات الصين متعددة الأبعاد للنظام الدولي، أتقنت بكين ممارسة الإلهاء الجيوسياسي، والتلاعب بقضية حاسمة مقابل أخرى. وكانت الممارسات التجارية غير العادلة، والتلاعب بالعملة، وسرقة الملكية الفكرية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتهديدات ضد تايوان، والعدوان البحري والإقليمي في بحر الصين الشرقي والجنوبي، والورقة الرابحة المفيدة دائمًا لكوريا الشمالية النووية، بمثابة أولويات متنافسة غالبًا ما يتم الخلط بينها وبين الغرب المتخبط.

وتعتقد إدارة بايدن أنها خلقت مواجهة فعّالة للتحدي الاستراتيجي لبكين، والتي تتمثل في “تجزئة السياسة”. وكما قال وزير الخارجية “أنتوني بلينكين”، سيتم تجميع القضايا في ثلاث فئات تقريبًا: التعاون، والمنافسة، والمواجهة أو الخصومة.

ولتجنب تفكك العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بالكامل في مواجهة حرب باردة جديدة، ستتعاون واشنطن وبكين في المجالات ذات الاهتمام المشترك المفترض، والتي تشمل: تغير المناخ والوباء والانتشار النووي. ولن يتم التضحية بهذه التحديات الوجودية في المناطق التي تتعارض فيها الطموحات الصينية حتمًا مع المصالح والقيم الغربية، والتي تشمل: الإبادة الجماعية في شينجيانج، والإبادة الجماعية الثقافية في التبت، والقمع في هونج كونج، والعدوان على تايوان والتعديات في بحر الصين الجنوبي والشرقي. ولكن بكين رفضت بشكل قاطع ومتكرر فصل القضايا على أنها لا أساس لها؛ فالتعاون بشأن تغير المناخ أو الاهتمامات المشتركة الأخرى غير مقبول، كما تقول، بينما تستمر واشنطن في “تشويه سمعة” الصين و “احتوائها”.

وبعد طرد نائب وزير الخارجية ويندي شيرمان وجون كيري “قيصر المناخ” بوقاحة خلال زيارتهما الأخيرة، قرر بايدن أن يتولى مهمة الحد من الأضرار بإجراء مكالمة هاتفية لمدة 90 دقيقة مع الزعيم الصيني “شي جين بينج”. وبعد كل شيء، تباهى خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، بأنه التقى كثيرًا كنائب للرئيس مع الإمبراطور الصيني المعين: “إنني أعرفه جيدًا وهو يعرفني جيدًا”. فالجزء الأول من ادعاء بايدن مشكوك فيه، أما الجزء الثاني فهو صحيح ولكنه ينذر بالسوء، خاصة بعد أداء بايدن الكارثي فيما يتعلق بملف أفغانستان.

هناك سبب كاف لإثارة القلق إزاء المصالح الأمريكية التي سيتم التنازل عنها أو تقويضها بسبب رغبة بايدن في العودة إلى سنوات كلينتون الأكثر توافقًا مع الصين، وبعد ذلك بوش وأوباما. وبالنظر إلى فقدان مصداقية الولايات المتحدة من نهاية أمريكا القاسية وغير الجيدة لعشرين عامًا من الإلهاء في أفغانستان، فمن الأفضل أن يُنصح بإحياء نهج بوش المبكر قبل 11 سبتمبر من الوضوح الاستراتيجي تجاه الصين.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا