أوراسيا ريفيو | عقب الهزيمة في أفغانستان.. هل يستطيع الاتحاد الأوروبي الاستقلال عن الولايات المتحدة؟

آية سيد

ترجمة – آية سيد

فجأة، لم تعد الفكرة التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر العام الماضي تبدو بعيدة المنال أو صعب تحقيقها. فبعد الانسحاب المتعجل للولايات المتحدة والناتو من أفغانستان، أصبحت الدول الأوروبية مُجبرة الآن على التفكير فيما لم يكن واردًا من قبل: الابتعاد التدريجي عن الهيمنة الأمريكية.

عندما صرح ماكرون، في 29سبتمبر 2020، بهذه الكلمات: “نحن، بعض الدول أكثر من غيرها، تخلينا عن استقلالنا الاستراتيجي عبر الاعتماد الزائد على أنظمة الأسلحة الأمريكية”، كان سياق هذا التصريح لا يتعلق بأفغانستان. بدلًا من هذا، كانت أوروبا غاضبة من الأساليب التهديدية التي استخدمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبحثت عن بدائل للقيادة الأمريكية. لقد عامل ترامب الناتو – وفي الواقع كل أوروبا – بازدراء، للدرجة التي أجبرت أقرب حلفاء أمريكا على إعادة التفكير في آفاق سياستهم الخارجية والاستراتيجية العسكرية العالمية بأكملها.

حتى مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن وتأكيداته لأوروبا أن “أمريكا عادت” لم تفعل الكثير لطمأنة الدول الأوروبية، التي تخشى، على نحو مبرر، أن عدم الاستقرار السياسي الأمريكي ربما يظل قائمًا لفترة طويلة بعد انتهاء فترة بايدن في المنصب.

إن الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان – دون حتى التشاور مع أعضاء الناتو أو وضعهم في الاعتبار عند توقيع الولايات المتحدة لاتفاقية انسحاب مع طالبان تبدأ في يوليو 2020 – أقنع أوروبا أنه بالرغم من هزيمة ترامب، ظلت واشنطن كما هي: حليف أناني.

الآن بما أن الولايات المتحدة والناتو غادروا أفغانستان رسميًّا، يشتعل جدل سياسي في أوروبا في العديد من المنابر السياسية. لقد ظهرت مؤشرات قوية على أن أوروبا مستعدة للشروع في أجندة سياسة خارجية مستقلة واستراتيجية عسكرية تتمحور حول أوروبا في اجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في ليوبليانا، سلوفينيا.

وفي موقف يمثل بصورة متزايدة موقف الاتحاد الأوروبي الأوسع، أعرب الممثل السامي للاتحاد للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل فونتيليس، عن الشعور السائد في الاتحاد: “أظهرت تجربة أفغانستان أن عجزنا عن الرد له ثمن. ولذلك يجب على الاتحاد الأوروبي تعزيز استقلاله الاستراتيجي عن طريق إنشاء قوة رد سريع قادرة على ضمان استقرار منطقة جوار الاتحاد الأوروبي”.   

وبالرغم من التأكيدات على أن “قوة الرد السريع” هذه لن تمثل بديلًا للناتو، وإنما ستكمل دوره، الاحتمالات هي أن هذا الجيش الجديد سيخدم كنقطة انطلاق لاستقلال أوروبا المرغوب عن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. وقد أبدى كثيرون التعجب من تصريحات كبار المسئولين والمحللين الأوروبيين والبريطانيين، لتقدير حجم الأزمة الجارية في الناتو. تذكر أن 51 من أعضاء الناتو والدول الشريكة هرعوا لمساعدة الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001، بعد الاستناد إلى المادة 5، التي تنص على الدفاع المشترك.

قال يوهان فاديفول، نائب رئيس المجموعة البرلمانية للاتحاد الديمقراطي المسيحي لأنجيلا ميركل، “لم يسألنا أحد إذا كانت فكرة جيدة أن نغادر تلك الدولة بهذه … الطريقة”، في إشارة إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وغياب التنسيق مع حلفاء الناتو.

شككت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، تيريزا ماي، في كل شيء، مثل ولاء أوروبا الأعمى للولايات المتحدة: “هل كانت معلوماتنا الاستخباراتية ضعيفة لهذا الحد؟ هل كان فهمنا للحكومة الأفغانية سيئًا لهذه الدرجة؟ هل كانت خبرتنا على الأرض غير كافية لهذه الدرجة؟ أم أننا فكرنا أنه ينبغي علينا أن نتبع الولايات المتحدة ونأمل أن كل شيء سيصبح على ما يرام؟”.

قالت كاثرينا إمشيرمان، نائب مدير مركز الأمن الدولي بكلية هيرتي الكائن ببرلين، “لعل جزءًا من الخلاف الذي نشهده الآن متأصل في الإحساس بالقلق حيال كيف ستسير الأمور في المستقبل”.

هذا “القلق” يشير إلى السياسة الخارجية التقليدية لأوروبا، التي كانت رهينة للشراكة الأمريكية الأوروبية العابرة للأطلسي ما بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن أوروبا نفسها تتغير، إلى جانب العالم من حولها. علاوة على هذا، نما الاقتصاد الصيني نموًا هائلًا في السنوات الأخيرة. حتى العام الماضي، كانت بكين، وليست واشنطن، هي من لعبت دورًا حاسمًا كأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي.

لقد نما النفوذ الاقتصادي الصيني – وبالتالي، السياسي والعسكري – نموًا هائلًا، وتضاءل نصيب أوروبا من الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة، وليس فقط بسبب محنة البريكست. وفقًا لـ”إن بي سي نيوز”، نقلًا عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز البريطانية، “في 1960، كانت الدول التي شكلت الاتحاد الأوروبي تشكّل ثلث الاقتصاد العالمي. وبحلول 2050، من المتوقع أن يمثل الاتحاد 9% فقط”.

أصبح الإدراك المتزايد بين الدول الأوروبية بأنها يجب أن تنظم انفصالًا نهائيًّا عن الولايات المتحدة مترسخًا في المخاوف من أن مصالح الاتحاد الأوروبي لم تعد أولوية أمريكية. ومن ثم، تواصل الكثير من الدول الأوروبية مقاومة إنذارات واشنطن النهائية بخصوص الصين.

كان ماكرون أيضًا هو من رفض الأجندة الأمريكية للصين أثناء توضيح مفهوم الجيش الأوروبي، حيث قال: “لا يمكننا قبول العيش في عالم ثنائي القطب يتكون من الولايات المتحدة والصين”.

وأصبح رأي ماكرون الذي كان “مثيرًا للجدل” من قبل هو التفكير السائد في أوروبا، لا سيما وأن الكثير من صُناع السياسة في الاتحاد الأوروبي يشعرون بالتخلي، إن لم يكن بالخيانة، من الولايات المتحدة في أفغانستان. وإذا استمر هذا المسار من عدم الثقة، فإن الخطوة الأولى باتجاه تكوين جيش أوروبي قد تصبح واقعًا في المستقبل القريب.

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا