أوراسيا ريفيو | سياسة بايدن تجاه سوريا تجعل صورة الولايات المتحدة على المحك!

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

أصبحت سوريا عبارة عن فوضى، ولكنها ليست فوضى للجميع، فروسيا تبني قاعدة قوية من خلال تحالفها مع الرئيس “بشار الأسد”، بينما تختلق تركيا ذريعةً لوجود طويل الأمد في الوقت الذي تسعى فيه جاهدةً لمنع إقامة دولة كردية على حدودها. كذلك فإن لإيران أيضًا وجودًا قويًّا في سوريا، ولحزب الله وجود مسلح في البلاد، ما يوسّع قاعدته من المتشددين العنيفين.

وحتى تنظيم داعش تمكن من استخدام سوريا كقاعدة له، حيث مرت الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا من الزمان بتحولات سياسية مختلفة؛ ما سمح لهذا التنظيم بضرب أهداف في سوريا والعراق المجاور. وفي الأشهر الأخيرة، انخرطت الصين في الصراع السوري بالانضمام إلى روسيا في مطالبة الولايات المتحدة بـ”الالتزام بالقوانين الدولية”.

الدولة الوحيدة التي لا تنخرط في سوريا بشكل حقيقي هي الولايات المتحدة، التي تكتشف على مهلٍ ودأبٍ أن البلاد تُستخدم كأداة للضغط السياسي الدولي. وإذا كانت هذه إحدى ألعاب الفيديو للمراهقين، فربما نستنتج أن الولايات المتحدة كانت محاصرة في الزاوية، مع تضاؤل تأثيرها في بلاد الشام والشرق الأوسط الأوسع. ولكن سوريا ليست لعبة فيديو، رغم أن عدد الوفيات هناك وتزايد أعداد اللاجئين أشبه بإحصائيات ألعاب الفيديو، والذي يؤكد أن الحياة البشرية لا قيمة لها في الصراع السوري.

وبعد أسابيع من توليه منصبه، وجد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في فبراير نفسه مضطرًا للعمل عسكريًّا ضد الميليشيات التي تتخذ من سوريا مقرًّا لها والمدعومة من إيران والتي اتهمتها إدارته بالهجوم على القوات الأمريكية في العراق المجاور. وأمر القوات العسكرية الأمريكية باستهداف مجمع مباني صغير، ودمره بعدة قنابل تزن 500 رطل. وفي يونيو، قال المتحدث باسم البنتاجون “جون كيربي” إن الولايات المتحدة ستواصل ضرب أي أهداف “لحماية الأفراد الأمريكيين”.

وبدأت الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا في خريف عام 2019 بتوجيه من الرئيس السابق “دونالد ترامب”. وكان هذا الانسحاب بطيئًا وغير منظم، ومع ذلك لم يتبق الآن منه سوى 900 فرد، بما في ذلك عدد من القبعات الخضراء، والذين سيبقون في البلاد لتقديم المشورة لقوات سوريا الديمقراطية في قتالها ضد تنظيم داعش. ولم يرافق أي جندي أمريكي قوات المتمردين في عمليات عسكرية منذ أكثر من عام. وظل مستوى القوات هذا كما هو منذ تقديمه لأول مرة إلى سوريا، ولم تتغير الأجندة الأمريكية، والممثلة في مواجهة داعش، منذ عام 2014.

من جانبها، تَعتبر روسيا سوريا أساسًا رئيسيًّا لاستراتيجيتها طويلة المدى لانخراطها في الشرق الأوسط، وهي منطقة كانت تحت الهيمنة الأمريكية لعقود عديدة، منذ أن قطع العالم العربي تحالفاته مع الاتحاد السوفيتي القديم في أعقاب حرب 1973.

إن حصر وجود الولايات المتحدة في نطاق ضيق للغاية – وهو محاربة داعش– يشكّل العديد من المخاطر عليها. فكثيرًا ما أثرت العمليات العسكرية السورية على القوات الأمريكية، والأسوأ من ذلك الضغوط التي يتعرض لها المجتمع الدولي بسبب أزمة اللاجئين وهجرة المدنيين النازحين داخل سوريا، وهو ما خلق أزمة إنسانية.

وخلاصة القول هي أن جميع الدول الأخرى المنخرطة في سوريا تتشبث بمواقعها وتعيد ترسيمها، في حين تبدو الاستراتيجية الأمريكية وكأنها تتخذ موقفًا محايدًا، ملخصًا في مواجهة داعش فقط، وهذا لا معنى له، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة انسحبت في أغسطس الماضي من أفغانستان، وسلمت السيطرة على البلاد لحركة طالبان، عدوها اللدود، كما أن الموقف الأمريكي الضعيف في سوريا يدعو أيضًا الدول الأخرى إلى اقتناص المزيد من الفرص العسكرية.

ولذلك فإن بايدن أمامه خياران فقط: فيمكنه زيادة الوجود العسكري الأمريكي في محاولة لإبعاد مصالح الدول الأخرى، أو يمكنه أن يأمر بالانسحاب الكامل وإعادة التجمع في إسرائيل والأردن والخليج. كما أنّ ما لا يمكنه تحمله هو الحفاظ على وجود ضئيل لا يستطيع تقديم الكثير سوى ممارسة إجراءات عقابية ضد داعش والميليشيات المدعومة من إيران، وهي استراتيجية لا تربح؛ بل ربما تأتي بنتائج عكسية وينتج عنها وضع تجد فيه القوات الأمريكية نفسها تعاني من خسارة فادحة، وهو ما يمكن أن يزيد من تآكل صورتها كأقوى دولة في العالم.

لقد أصبحت المكانة الأمريكية على المحك ولا تستطيع الدولة السماح لأي شيء، سواء كان مقصودًا أو عرضيًا، بتقويض صورتها باعتبارها المفترس الأعلى في السلسلة الغذائية. فجميع دول العالم تراقب كيف تتصرف الولايات المتحدة في سوريا، وأي علامات ضعف يمكن أن تؤثر على هذه الدول، سواء لتصبح أكثر طلبًا لدعم واشنطن أو أقل تعاملاً معها. وإذا فقدت الولايات المتحدة نفوذها في سوريا، خاصةً من خلال إخفاقها في اتخاذ إجراء حاسم وقوي، ربما تفقد نفوذها في نهاية المطاف في العالم أجمع.

من الواضح أن المتمردين المناهضين للأسد الذين تدعمهم أمريكا يفقدون الأرض، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تبدو في صورة الضعيف، وهي صورة لا يمكنها تحمل تكاليف تصويرها.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا