فورين أفيرز | من المسؤول عن سباق التسلح في آسيا؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لا يمكن إغفال تعزيز الصين لقواتها العسكرية، فقد صنعت مئات الصواريخ الباليستية الدقيقة وطويلة المدى، وأطلقتها طوال السنوات الماضية مستهدفةً نماذج بالحجم الطبيعي لسفن وقواعد أمريكية في آسيا. كما أنها شيّدت أكبر قوة بحرية في العالم من حيث عدد السفن، وتجاوزت بشكل كبير معدل إنتاج البحرية الأمريكية للسفن الحربية في السنوات الأخيرة. ومع ازدياد قوة بكين، أصبحت عدوانية بشكل متزايد، فغَدَت تتنمر على جيرانها ممن يتجرأون على استخدام مواردهم الطبيعية، كما أن وسائلها الإعلامية تهدد تايوان بشكل مستمر بالغزو.

ولكن في مقال بعنوان: “أمريكا تحول آسيا إلى برميل بارود” (والمنشور في 22/10/2021)، يلقي “فان جاكسون” على نهج الولايات المتحدة “المفرط في العسكرة” مسؤولية زيادة مخاطر الحرب وتفاقم الاتجاهات الإقليمية السلبية. ورغم أن جاكسون يقر بأن واشنطن ليست “سبب هذه الاتجاهات المقلقة”، و”لا ينبغي إلقاء اللوم على تصرفات الصين وكوريا الشمالية”، إلا أن مقاله يترك انطباعًا معاكسًا. وإضافة إلى ذلك، فإنه يفرض جدليته من خلال تقديم حقائق مضللة أو غير صحيحة أو غير دقيقة في بعض الأحيان. إنه يتصور أن ردود الفعل الأمريكية تهوّر رغم أنها في الواقع رد عقلاني من الولايات المتحدة وحلفائها على التوسع الدراماتيكي للقدرات العسكرية الهجومية للصين.

ويبدأ جاكسون بإلقاء اللوم على واشنطن في “زيادة القوات والمعدات العسكرية في المنطقة”. وعلى الرغم من وجود عدد من المبادرات “للتركيز على المحيط الهادئ” وإعادة توازن الجيش الأمريكي إزاء آسيا، فإن التغيير في وجود القوات الأمريكية لم يكن دراماتيكيًّا كما يوحي هذا الطرح. فوفقًا لسجلات أفراد البنتاجون، تمركز حوالي 89 ألف جندي أمريكي في الخدمة الفعلية في مسرح المحيط الهندي والمحيط الهادئ اعتبارًا من هذا الصيف. وقبل عشر سنوات، كان العدد نحو 84 ألفًا. ولن تؤدي زيادة خمسة آلاف جندي – أي أقل من نصف في المائة من أفراد القوات المسلحة الأمريكية – إلى تفاقم التوترات في المنطقة، حتى لو أخذ المرء في الاعتبار بضعة آلاف من الجنود الإضافيين المحتمل وجودهم في أي وقت في المهام الدورية.

كذلك يلقي جاكسون باللوم على إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في الشروع في مبادرات دفاعية يزعم أنها تؤجّج سباق تسلح مع الصين. ويستشهد بتشجيعها لليابان على تطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت (وهو برنامج تم الكشف عنه في مارس 2020، قبل عشرة أشهر من تنصيب بايدن) وتوسيع نطاق صواريخها المضادة للسفن (وقد بدأت فيه أيضًا عام 2020).

وهذه السياسات لمواجهة تنامي الصين لا ينبغي أن ينسب التهديد العسكري إلى فريق بايدن فقط؛ وبدلًا من ذلك، فإنها تمثل جهودًا مشتركة بين الإدارة والحزبين للتعامل مع الواقع الواضح المتمثل في التدهور السريع للتوازن العسكري.

أما في عالم القوى النووية، يخطئ جاكسون أيضًا في توصيف الجدول الزمني للأحداث ويفهم بعض التفاصيل بشكل خاطئ. فهو يذكر– على سبيل المثال– أن “إدارة ترامب وضعت خططًا لجهود تحديث نووي لمدة ثلاثة عقود بتكلفة تبلغ ما بين 1.2 و1.7 تريليون دولار”، ويشير إلى أن توسيع الصين لترسانتها النووية كان أحد أسباب هذه المبادرة. وفي الواقع، ورث الرئيس “دونالد ترامب” تلك الخطط من سلفه “باراك أوباما”.

وعلى الرغم من أن أنشطة الصين تشكّل عاملًا واحدًا في حاجة واشنطن إلى الحفاظ على قوة ردع نووي، فإن السبب الأكبر لبرنامج التحديث هو تقادم عقود المنصات النووية الأمريكية، والتي تعتبر حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة لمجموعة من الأسباب، وكثير منها لا علاقة له بالصين.

كما أخطأ جاكسون في وصف خطط التحديث النووي الأمريكية على أنها “توسع”. في الواقع، ستقلل الخطط من عدد منصات الإطلاق الاستراتيجية النووية فقط – أي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ التي تُطلق من الغواصات – التي تحتفظ بها واشنطن. كما ستعيد القوات الجوية الأمريكية استخدام منشآت الإطلاق، وسينخفض عدد غواصات الصواريخ الباليستية من 14 إلى 12 غواصة ومن 20 إلى 16 أنبوبًا صاروخيًّا على كل واحدة.

كما سيزيد شراء سلاح الجو المخطط لقاذفات (B-21) من عدد الطائرات، ولكن القاذفات الجديدة مخصصة للأدوار النووية والتقليدية. وعلى الرغم من أن جاكسون يصف (B-21) على أنه يحل محل قاذفة B-2 الحالية بـ “أكثر من ستة أضعاف عدد الطائرات، فإن (B-21) ستحل في الواقع محل B-2 وأسطول B-1 الأكبر، وربما حتى القوة الموقرة لقاذفات (B-21) المبنية في الستينيات.

أخيرًا، يؤكد جاكسون أن التوسع النووي الصيني الأخير والمذهل هو “رد فعل واضح للسياسات النووية غير المبررة وغير المقيدة لإدارة ترامب”. وهذا بعيد كل البعد عن الوضوح. ربما تفسر عدة عوامل أخرى تحركات الصين، فربما ترغب بكين في أن تكون قادرة على التغلب على الدفاعات الصاروخية الأمريكية، أو ربما تحاول الهروب من الإكراه النووي الأمريكي، أو قد تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في حالة نشوب صراع تقليدي. وقد صرح قادة الصين في عام 2017 – قبل إصدار تقرير إدارة ترامب للوضع النووي واستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 – عن رغبتهم في الحصول على “جيش على مستوى عالمي بحلول منتصف القرن”. وقد يكون تطوير قوى نووية على مستوى عالمي جزءًا من هذا الجهد الأكبر، والذي سيحدث بغض النظر عن تصرفات إدارة ترامب أو بايدن.

وكان جاكسون محقًّا في أن الولايات المتحدة يجب أن تعمل بجدية أكبر لإيجاد سبل للتعاون والتنافس مع الصين في الساحات غير العسكرية. ولكنه يقدم واشنطن على أنها منشغلة “بمبيعات أسلحة جديدة وتوسيع وضع قوتها”، حيث أصبحت الصين عملاقًا اقتصاديًّا– كما لو أن الصين لم تبع أيضًا الأسلحة وتغير التوازن العسكري في المنطقة بشكل كبير أثناء قيامها بذلك. فالصين، مثل الولايات المتحدة، لديها القدرة على القيام بذلك في نفس الوقت.

بدأت واشنطن أخيرًا في إدراك الخطر الذي يشكّله النظام الصيني الاستبدادي التكنولوجي العدواني والقوي على المنطقة والعالم، ولذلك فهي تتخذ الإجراءات وفقًا لذلك. وإن الفشل في إدراك هذا الخطر ومتابعة الاستجابات المناسبة من شأنه أن يزيد من فرصة الصراع من خلال زيادة احتمالية أن يقرر قادة الحزب الشيوعي الصيني يومًا ما أن ميزان القوى العسكري قد انحاز لصالحهم، وأن عليهم الاستفادة من ذلك، من خلال التحول باللجوء إلى القوة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا