“ضريح طباطبا”.. عندما يذبح الإهمال تاريخ الأجداد

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل – عاطف عبد اللطيف

لا تزال منطقة مصر القديمة تنبض بالتراث والتاريخ ففي الطريق الفاصل بين مقابر الإمام الشافعي وبركة عين الصيرة تجد علي يمينك بعض الحشائش المنتشرة على البركة تختفي وراءها قبة قليل من يعرف عنها شيئًا، فمن سيجدها فهي محاطة بعشش سكنية ومياه الصرف الصحي بالإضافة إلى أنها مكان مناسب للخارجين عن القانون، لذلك نجد السؤال هل المياه المحيطة بالقبة هي مياه جوفية أم بكاء التاريخ على نفسه، لذا دعونا نتعرف على هذه القبة.

آل طباطبا

أنشأه “الأمير محمد بن طغج الإخشيد” مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر والذي تولي الحكم بين عامي 323هـ إلى 335هـ، ويعود تاريخ هذا الأثر إلى سنة 334 هجريًا و945 ميلادية، وهو الأثر المعروف بمشهد “آل طباطبا”، وتعود أهمية هذا الأثر إلى عودته لنسل الرسول عليه الصلاة والسلام.

أتى “آل طباطبا” إلى مصر منذ العهد الطولوني وعاشوا فيها 9 أجيال متصلة، فالمشهد تخطيطه فريد في العمارة الإسلامية ككل لأنه يتبع طراز الأروقة المتقاطعة، وقد دفن على باب هذا المشهد المؤرخ المصري “بن زولاق” صاحب كتاب تاريخ مصر، وكان هذا المشهد مخصص للزيارة يأتي إليه الناس من كافة الأماكن في مصر وخارجها، ويكاد يكون الأثر الوحيد بالفعل المتبقي من العصر الإخشيدي.

ملحق به مسجد يتكون من مربع يبلغ طوله 18 مترًا تقريبًا، وفي الجدار الشرقي يوجد المحراب، ويقسم المربع إلى ثلاثة أروقة صفان من الدعائم المتعامدة بأركانها أربعة عمد ملتصقة، ويغطي كل المسجد تسع قباب بكل رواق ثلاث منها، وقد كان لضريح “آل طباطبا” أو “مشهد الأطباء”، كما هو معروف لدى السكان 9 قباب لم يتبق منهم إلا اثنتان في نهايته الجنوبية وبعض الأساسات في شماله، وكان معروفاً لدى السكان أن به بئراً بها مياه تشفي المرضى حسب معتقدات أهل المنطقة الذين يرونها بذكرياتهم عن المشهد، إلا أن غرق الضريح في المياه قد أوقف هذا الأمر.

وهناك رواية شعبية متداولة عن الضريح لدى السكان أنه مدفن أطباء مشهورين عاشوا في زمن الإمام الشافعي وعددهم  سبعة، ويقال عنه أيضا إنه أقدم مستشفى أثرى في مصر، كان يأتي إليه السائحون والمشايخ من كل مكان وكانوا يقيمون فيه الحضرات والليالي كل خميس كانت مفروشة وكلها حصر وسجاجيد وكانوا الناس يأتون بالشموع والحنة ويبيتون طوال الليل، وكان المصابون بأمراض جلدية يستحمون بماء البئر كي يشفوا، ولكن الآن لم يعد أحد يأتي إليها.

النسب

ينسب المشهد إلى أبو إسحاق “إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبي طالب” رضي الله عنهم زوج السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمه هي السيدة محسنة بنت عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

وقد اشتهر بـلقب “طباطبا”، لأنّه كان يلفظ ” القاف” طاءً، للثغة في لسانه، ولذلك كان يلفظ “قَبا” “طَبا” وعُرف إثر تكرار هذه الكلمة بـ ” إبراهيم طباطبا”، وقد شرفت مصر بآل طباطبا أحفاد سيدنا الحسن كباقي آل البيت في كل زمان، حيث أحبوا مصر واستقروا بها وأوصوا بالبقاء فيها بعد الرحيل، وهم كانوا أهل زهد وعلم وإيمان، أحبهم أهل مصر وتقربوا منهم في حياتهم ومماتهم وأكثروا من زيارة مراقدهم الشريفة، وقد كانوا يقضون حوائج الناس ويتشفعوا لدى الحكام لرفع الظلم عن المظلومين، وقد شمل أحمد ابن طولون آل طباطبا برعايته، وكذلك كافور الإخشيدي اقسم ألا يرد طلباً لأي منهم.

والشريف إبراهيم طباطبا لم يمت في مصر، وأما من دُفن بهذا المشهد فهم من ذريته وذرية أخيه، وجماعة كثر من أهل العلم والصلاح والتقوى من خارج أسرة طباطبا .

المتاهة

تاهت آثارنا الإسلامية بين أروقة الجهات المسؤولة عنها من وزارة الأوقاف إلى الآثار والثقافة، بالإضافة إلى الزحف العمراني العشوائي والكثير من الإهمال قضى على آخر ما تبقى من آثارنا الإسلامية.

ربما يعجبك أيضا