بعد الغضب الشعبي.. كيف ينقذ ماكرون رئاسته؟

آية سيد
بعد الغضب الشعبي.. كيف ينقذ ماكرون رئاسته؟

إذا كان ماكرون يرغب في إنقاذ حكومته، يجب أن يغير طريقة حكمه ويُشرك المزيد من المواطنين في عملية صنع القرار.


عشية 23 مارس الماضي، اتخذت الاحتجاجات المناهضة لإصلاح قانون التقاعد في فرنسا منعطفًا خطيرًا، فاشتبك المحتجون مع قوات الشرطة.

وفي مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الاثنين 1 مايو 2023، لفت الباحث المتخصص في الشعبوية، أندرو سوروتا، إلى أن الآلية التي اتبعها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لسن التشريع الجديد، هي ما صعدت الموقف.

القانون المثير للجدل

يهدف مشروع القانون الذي أثار غضب الفرنسيين إلى رفع سن التقاعد في فرنسا من 62 إلى 64 عامًا بحلول 2030. ومع ارتفاع متوسط العمر المتوقع في فرنسا، ارتفع الضغط كذلك على نظام تقاعدها السخي. ولذلك يجادل مؤيدو القانون الجديد، وعلى رأسهم ماكرون، بأن الإصلاح ضروري لاستمرار نظام التقاعد.

وبينما يعارض أكثر من ثلثي الفرنسيين إصلاح قانون التقاعد، أشار سوروتا إلى أن تمرير ماكرون لمشروع القانون دون تصويت البرلمان، بموجب المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، أشعل غضب الفرنسيين، الذين يعدونها مادة “غير ديمقراطية”.

ولفت الباحث إلى أن 82% من الشعب الفرنسي يرفضون استخدام ماكرون للمادة 49.3. ويطالب المحتجون باستقالة الحكومة الفرنسية. ولذلك، قال سوروتا إنه إذا كان ماكرون يرغب في إنقاذ حكومته، فيجب أن يغير طريقة حكمه ويُشرك المزيد من المواطنين في عملية صنع القرار.

اقرأ أيضًا| ماكرون خسر فرنسا.. مظاهرات غاضبة وشعبية منهارة

عجز الديمقراطية

تراجعت شعبية ماكرون إلى أقل من 30%، وهي نسبة قريبة من آخر مرة واجه فيها اضطرابات شعبية، في أثناء احتجاجات “السترات الصفراء” التي بدأت 2018. ولفت الباحث إلى وجود تشابهات بين احتجاجات السترات الصفراء والاحتجاجات الحالية.

وفي المناسبتين، ثار المواطنون الذين يشعرون بالظلم ضد السياسات التي عدوها غير عادلة، والنظام الذي رأوه غير ديمقراطي، والنخبة المنفصلة عنهم. وقال سوروتا إن مطالبهم بالاعتراف تعكس كيف أن الديمقراطية تفشل، ليس فقط في فرنسا، بل في العالم الغربي.

اقرأ أيضًا| ماكرون في مواجهة فرنسا الغاضبة بمفرده.. وقلق من التظاهرات

سيطرة النخبة

حسب دراسة أجراها عالما السياسة، مارتن جيلنس وبنيامين بيدج، في الولايات المتحدة في 2014، تمتلك النخب السياسية والمصالح الاقتصادية نفوذًا ضخمًا في السياسة العامة. وظهرت نتائج مماثلة في 30 دولة أوروبية.

ولذلك، وفق سوروتا، فإن استخدام ماكرون للمادة 49.3 كان مثالًا صارخًا على عرقلة سلطة الشعب، ولكن هذه الاتجاهات كانت تتراكم تحت السطح على مدار العقود الماضية.

الغاية تبرر الوسيلة؟

بالنسبة إلى الكثير من مؤيدي ماكرون العالميين، فإن السياسات التي أثارت رد الفعل الشعبي العنيف هي بالضبط السياسات المطلوبة لتحديث فرنسا. ولكن بالنسبة إلى الشعب الفرنسي، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة، والوسيلة نفسها جزء مهم من العملية، حسب سوروتا.

وعلى الرغم من أن ماكرون محق في أن الكثير من الدول، بما فيها فرنسا، تحتاج إلى تحديثات سياسية جذرية للتغلب على أزمات اليوم المعقدة والمتشابكة في أكثر الأحيان، فإن تمرير الإصلاحات يتطلب عمليات حوكمة توسع مشاركة المواطنين، ولا تقيدها.

التعلم من تجارب الماضي

في 2019، بدا أن ماكرون تعلم الدرس بعد احتجاجات السترات الصفراء. ووفق سوروتا، أطلق ماكرون مبادرة “النقاش الوطني الكبير” للتشاور مع المواطنين بشأن كيفية حل مشكلات فرنسا. وأدت المبادرة إلى إنشاء 21 مجلسًا إقليميًّا للمواطنين.

ولكن هذه الهيئات التشاورية تحتاج إلى إضفاء الطابع المؤسسي عليها بنحو دائم، وتوسيع نطاق عملها، ودمجها مع الشعب بطريقة أفضل. وحذر سوروتا من أنه بخلاف هذا، ستواصل الحركات الشعبوية الانتشار.

توسيع المشاركة الديمقراطية

أشار سوروتا إلى أن التكنولوجيا الحديثة تجعل من الأسهل توسيع المشاركة الديمقراطية وضمان استجابة الحكومة لجميع المواطنين. وضرب مثالًا بتايوان، التي أنشأت منصة رقمية لتعقب الاتجاهات في الرأي العام، موضحًا أن 80% من التوصيات عبر المنصة أدت إلى تحرك حكومي، ما ساعد في التغلب على الحزبية وبناء ثقة العامة.

وقال الباحث المتخصص في الشعبوية إن المجتمع الديمقراطي الحقيقي في القرن الحادي والعشرين يجب أن يتضمن في جوهره مشاركة معززة تكنولوجيًّا من المواطنين.

واختتم سوروتا مقاله بالإشارة إلى أن الوضع في فرنسا يخدم كدرس للعالم بشأن مخاطر ووعود الحوكمة الديمقراطية الحديثة. وإذا كان ماكرون جادًّا بشأن رؤيته لتحديث فرنسا، يجب أن يقنع المواطنين بأنه يرغب أيضًا في المساواة.

ربما يعجبك أيضا