«ثوار ولكن لصوص».. سنوات من الثورة والفساد المستمر في إيران!

يوسف بنده

احتفلت إيران منذ أيام قليلة بالذكرى الثالثة والأربعين لثورة 1979، التي أوصلت الإسلاميين إلى رأس السلطة، ورغم الوعود بالعدالة والحرية؛ ما زالت الشعب الإيراني يعاني من الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.

وفي كل عام تتجدد الشعارات التي تغازل أحلام الشعب الإيراني، فقال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إن “البعض يحاول استغلال الأمور لإقلاق الناس”، والحكومة الإيرانية “جاءت لتحارب الفساد، وسنتصدى للمفسدين”، مشدداً على أنها ستعمل على تطبيق “النظام العادل في الإنتاج والتوزيع” في المجالات كافة.

لكن واقع الأمر، يكشف عن معاناة الشعب الإيراني، تحت حكم نظام ولاية الفقيه، الذي عزل إيران عن محيطها الخارجي. وأصبحت الشعارات والتقارير الرسمية، لا تتناسب مع ما يلمسه المواطن على أرض الواقع.

ويحذر الخبراء في إيران من تداعيات الإدلاء بتصريحات رسمية عن تحسن الوضع المعيشي في ضوء الغلاء والتضخم المستفحل في البلاد، مما قد يزلزل ثقة الرأي العام بالسلطات المعنية.

 

فساد النخبة

رغم أن حكومة “رئيسي” تقوم بجهود واسعة في سبيل تحسين الأوضاع الاقتصادي، وتراهن على دول الجوار في الشمال والجنوب، والانضمام لمنظمات مثل “مجموعة شنغهاي”؛ من أجل النهوض بالوضع الاقتصادي؛ إلا أن هناك نخبة من المحافظين والقادة العسكريين، لا سيما في الحرس الثوري، تسيطر على قطاعات الاقتصاد الإيراني، وعلى عائدات الحركة التجارية، بما لا يشعر المواطن بمردود العائدات الاقتصادية على تحسن أوضاعه.

فقد كشف عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام سعيد جليلي، أن “إيران تبيع الآن 1.2 مليون برميل من النفط وتتقاضى عائدات هذا البيع”. لكن التقارير تشير إلى أن عائدات هذه المبيعات لا تذهب إلى دعم الاقتصاد الإيراني المتضرر جراء العقوبات الغربية المفروضة عليه.

ويلعب رجال الدين المناصرين لنظام ولاية الفقيه دورًا في تبرير الأوضاع الصعبة للشعب الإيراني؛ فنجد إمام الجمعة في مدينة “شيراز”، أبو فاضل رضوي أردكاني، يقول: إن ارتفاع الأسعار يجب أن يتم حله، لكن هناك كثير من التقدم أيضًا، وإن “هناك مشكلة اقتصادية، ولكن لا ينبغي أن نضخم قضية ارتفاع الأسعار؛ ولا ننظر إلى إنجازات الثورة”، مدعيًا أن الدول التي تساومت مع أمريكا شهدت أزمات اقتصادية حادة. وهذا التبرير، يعبر عن خشية داخل أروقة النظام من غليان الشارع الإيراني؛ بما ينذر بوقوع ثورة جديدة على النظام الحاكم.

أيضًا، هناك تيار متشدد من رجال الدين، يظل يتعامل مع الحكومة الإيرانية المتعاقبة، لاسيما حكومات الإصلاحيين، على أنها حكومات بعيدة عن مبادئ الثورة، وعاجزة عن التطبيق الصحيح لمبادئها. فنجد عضو مجلس الخبراء، ورجل الدين المتشدد، أحمد خاتمي، يقول: “حتى لو كان هناك فقر، فإن سببه أولئك الذين تسلموا السلطة خلال معظم هذه السنوات الـ43، وهم سبب هذه العرقلة”.  وهذا التبرير هو محاولة لرمي تهمة الفشل والفساد على عاتق الحكومات وليس على النظام الحاكم الذي يرأسه الولي الفقيه، متمثلًا في المرشد الأعلى الحالي، علي أكبر خامنئي.

 

مافيا الحرس الثوري

يمثل الحرس الثوري، القوى المحركة للاقتصاد الإيراني والمهيمنة على مفاصله الأساسية، والموجه الحقيقي لأنشطته؛ فلقد ساعدت العقوبات الحرس الثوري على تضخم امبراطوريته الاقتصادية إلى درجة تشكيل كيان اقتصادي مواز داخل إيران؛ بل باتت هناك موانئ تجارية، المتحكم الرئيس فيها هو الحرس الثوري. وأصبح التنافس الاقتصادي في مواجهة امبراطوريته ومؤسساته شبه مستحيلة داخل إيران.

ونموذجًا لمافيا الحرس الثوري الذي تتضخم امبراطوريته الاقتصادية تحت اسم التصدي للعقوبات الغربية ودعم المقاومة الإسلامية في العالم؛ فنجد المتحدث باسم لجنة الميزانية لعام 1401 الإيراني (يبدأ 21 مارس 2022)، في البرلمان، يعلن أن “مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري الإيراني سيكمل قاعات الصلاة غير المكتملة في طهران ومدن أخرى مقابل مقايضة ألفي مليار تومان من النفط الخام”. أي يستحوذ على قطاع النفط مقابل تقديم الخدمات عبر مؤسساته.

وفي حادثة أخرى، كشف تقرير نشره موقع “راديو فردا” الناطق بالفارسية، عن فساد في المؤسسات التعاونية التابعة للحرس الثوري في طهران، ومنها شركة “ياس القابضة”. وقد كشف التقرير عن الدورَ المباشر لمحمد باقر قاليباف، رئيس بلدية “طهران” آنذاك، ورئيس البرلمان الحالي، وكذلك قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق “القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، وجمال الدين آبرومند، نائب الحرس الثوري الإيراني السابق، وحسين طائب، مسؤول الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني.

وكشف التقرير، أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، ونجله مجتبي، كانا وراء هذا الفساد المالي؛ بغرض مساعدة فيلق “القدس” الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، وكان ينبغي تخصيص 90٪ من الموارد المالية لهذه القوة العسكرية.

وبالنسبة للمحادثات الراهنة مع الغرب في فيينا، من أجل العودة للإتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، نجد المحافظين ورجال الحرس الثوري المتكسبين من العقوبات الغربية على بلادهم، يعارضون التوصل لإتفاق في فيينا. وأيضًا، يعارضون انضمام إيران إلى معاهدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف)؛ بذريعة عدم تقييد قدرة إيران على تخطي العقوبات؛ بينما واقع الأمر، هناك قلق على مصالحهم من الانفتاح على العالم وخروج إيران من نفق العقوبات.

وفي صحيفة  “اقتصاد بويا”، حذر الخبير الاقتصادي، مرتضى أفقه، من كارثة اقتصادية كبيرة، بسبب حجم الاستثمارات الضخمة التي تخرج من البلاد، حيث سجلت تركيا أكبر نسبة من توثيق الإيرانيين لشركاتهم في تركيا وهو ما ينذر بأزمة اقتصادية تلوح بوادرها في آفاق الاقتصاد الإيراني.

ويعزو الخبراء سبب نزوح الاستثمارات من داخل إيران؛ إلى وجود العقوبات المصرفية، وادراج إيران على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (فاتف)، التي يعارض الحرس الثوري انضمام بلاده إليها.

ربما يعجبك أيضا