كيف استغلت روسيا والصين الحرب الإسرائيلية في غزة لكسب دعم العالم النامي؟

شروق صبري
وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون

تطالب الصين وروسيا بموقف أخلاقي عاجل بشأن مقتل الفلسطينيين وهما يستغلان الغضب ضد واشنطن بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة لكسب الدعم في العالم النامي.


توفر الحرب الدموية في غزة للمنافسين الجيوسياسيين الرئيسيين لأمريكا، وهما الصين وروسيا، فرصة لحشد الدعم في جميع أنحاء العالم، ما يمكن النظامين من تسخير موجة من التعاطف مع الفلسطينيين ووضع نفسيهما كأبطال للقيم الإنسانية والسلام.

لعقود من الزمن، حافظت موسكو وبكين على علاقات وثيقة مع إسرائيل، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استخدم لوحات إعلانية لنفسه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال انتخابات العام الماضي، ومع ذلك رفضت القوتان انتقاد حماس بسبب هجوم 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل.

مستقبل الشعب الفلسطيني

ومنذ ذلك الحين، نأت روسيا والصين بنفسيهما عن إسرائيل، وركزتا على تأطير الحرب كجزء من صراع القوى العالمي ضد الولايات المتحدة، مع تقليص إسرائيل إلى ما يزيد قليلاً عن مجرد بيدق إقليمي لواشنطن. حسب ما نشرته “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم 8 نوفمبر 2023.

وقال بوتين، الذي سوت قواته عدة مدن أوكرانية بالأرض، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي، إن “قبضتيه تنقبضان وعيناه تدمعان” وهو يشاهد القصف الإسرائيلي على غزة. وأضاف أن الجنود الروس في أوكرانيا يقاتلون نفس “جذور الشر” الأمريكية، ومعاركهم “ستقرر مصير روسيا، والعالم أجمع، بما في ذلك مستقبل الشعب الفلسطيني”.

خطاب الصين

وترى الصحيفة الأمريكية أن خطاب الصين كان أكثر هدوءً، مع تجنب الرئيس الصيني شي جين بينج التعليق العلني على الشرق الأوسط منذ اندلاع الصراع. ومع ذلك، امتلأت وسائل الإعلام الرسمية الصينية بالتعليقات التي تنتقد “نفاق” الولايات المتحدة و”التحريض على الحرب” في الشرق الأوسط، وتقارنها بمطالب بكين بوقف فوري لإطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية.

قالت الصين إن موقفها بشأن القضية الفلسطينية هو نفس موقف روسيا والدولتين اللتين صوتتا معًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي لاستخدام حق النقض ضد قرار برعاية الولايات المتحدة بشأن الأزمة.

تخلى واشنطن عن موقفها العدائى

قال مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون: “يجب على الدول أن تتمسك بالضمير الأخلاقي، بدلا من التشبث بالحسابات الجيوسياسية، والمعايير المزدوجة، إلى جانب القانون الدولي، وإلى جانب التطلعات المشروعة للعالم العربي والإسلامي”.
وأضاف رئيس مركز الصين والعولمة البحثي في بكين والمستشار الحكومي السابق وانغ هوياو، أن المأزق في الشرق الأوسط يجب أن يدفع واشنطن إلى التخلي عن موقفها العدائي طويل الأمد تجاه الصين.

وتابع ” واشنطن تواجه تحديًا مع الحرب الروسية في أوكرانيا، والآن سيكون لديها تحدي آخر مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا ينبغي لها أن تواجه تحديًا مع الصين أيضًا، وعليها أن تعامل الصين كشريك، كصانع للسلام، وعليها أن تتعاون مع الصين في هذه القضايا العالمية”.

بايدن

بايدن

دعم القضية الفلسطينية

على صعيد متصل، أعربت حماس عن تقديرها لمثل هذه الإشارات، وقال خالد مشعل، أحد قادة الحركة الرئيسيين، في ظهور تلفزيوني مؤخرًا، إن حماس تسعى إلى “التعاون مع الصين وروسيا”. وأضاف أن روسيا استفادت من هجوم 7 أكتوبر 2023 لأنه حول انتباه الولايات المتحدة عن أوكرانيا، وأن الصين قد تستلهم غارة حماس لخططها الخاصة للاستيلاء على تايوان.

رغم الخطابات، لا تملك روسيا ولا الصين القدرة أو الرغبة في الانخراط في الشرق الأوسط في الوقت الذي تعود فيه الولايات المتحدة بقوة إلى المنطقة، وتنشر ثلاث مجموعات من حاملات الطائرات وأصولًا كبيرة من الطائرات والدفاع الجوي. لحماية شركائها وحلفائها.

المواقف الدبلوماسية

المواقف الدبلوماسية وحدها تعمل على تعزيز قوتها الناعمة في مختلف أنحاء العالم النامي، حيث يتصاعد الغضب منذ أسابيع بسبب سقوط الآلاف من الضحايا المدنيين نتيجة للقصف الإسرائيلي على غزة. ومن بين الدول التي استدعت سفراءها من إسرائيل احتجاجا على القرار، كولومبيا وتشيلي وجنوب أفريقيا. وقطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل نهائيا.

وقال خبير السياسة الخارجية الصينية لي مينغ جيانغ في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة: “بالنسبة للصين، فإن دعم القضية الفلسطينية سيخدم هدف توحيد الصين مع العالم النامي على المستوى العالمي”. وتستشعر الصين فرصة سياسية للوقوف إلى جانب غالبية دول العالم في معارضة الموقف الأمريكي. وروسيا، التي تخضع للعقوبات الغربية والانتقادات العالمية بسبب غزوها لأوكرانيا، أصبحت أكثر حرصًا على تغيير الخطاب واختراق عزلتها.

الجنوب العالمي

إن اختيار سياسة تجعل روسيا أقرب إلى العالم العربي أمر مفهوم. إذ قال الدبلوماسي الروسي السابق في طهران والأستاذ الحالي في جامعة قطر نيكولاي كوزانوف: “إن الجنوب العالمي في الوقت الحاضر مهم بالنسبة لموسكو بسبب الوضع المحيط بأوكرانيا، وتدرك روسيا أن الأحداث في غزة تدفع الجنوب العالمي بعيدًا عن الغرب، وبعيدًا عن الولايات المتحدة ويمكن أن تجعل مواقفها أكثر ترحيبًا بموسكو.

ولم تفتح روسيا والصين سفاراتهما في تل أبيب إلا بعد نهاية الحرب الباردة. وسرعان ما توسعت العلاقات مع استقرار مئات الآلاف من اليهود الروس في إسرائيل وأصبحت البلاد أيضًا قناة مهمة للتكنولوجيات الغربية إلى الصين. وفي عام 2018، ارتدى نتنياهو شريط سانت جورج، رمز المجد العسكري الروسي الذي أصبح أيضًا علامة دعم الهجوم الروسي في أوكرانيا، وسط توترات مع إدارة بايدن هذا العام بشأن الإصلاحات القضائية المخطط لها، نشر نتنياهو صورة لنفسه وهو يحمل كتابا لشي أهداه له السفير الصيني، وهي خطوة أثارت الدهشة في واشنطن.

حماية إسرائيل

وقالت الخبيرة في شؤون الصين في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، توفيا جيرينج، إن الأزمة الحالية والدعم الذي قدمته إدارة بايدن حتى الآن، يوضح أن التحالف القوي مع الولايات المتحدة هو وحده القادر على حماية إسرائيل.

بالنسبة لبوتين، الذي اعتاد على تقدير حياد إسرائيل ورفضها الانضمام إلى العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا، يمكن تفسير الصقيع الجديد مع إسرائيل جزئيا بالتغير في التركيبة السكانية في روسيا. وتشير التقديرات الآن إلى أن ما يقرب من ربع سكان روسيا هم من المسلمين، وهي النسبة التي تستمر في الارتفاع بسبب ارتفاع معدلات المواليد في المناطق الإسلامية والهجرة الجماعية من آسيا الوسطى.

ربما يعجبك أيضا