لأغراض انتخابية في كندا.. لماذا رقص جاستن ترودو في الهند؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

من المعروف أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لا يخفي ولعه بالقادة الأجانب. حيث يحتضنهم، ويرسل لهم تغريداته على تويتر، ويهنيهم في أعياد ميلادهم – كل ذلك في سعيه الدؤوب لجعل الهند لاعبًا عالميًا في الشئون الدولية. لذلك عندما وصل رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، ذو المظهر المتأنق والابتسامة العريضة، مع أسرته الجميلة إلى نيودلهي هذا الأسبوع في زيارة رسمية، وكانت تلك مناسبة مثالية لالتقاط الصور. ولكن على عكس المتوقع، لم يظهر مودي ولا أي من كبار وزرائه لاستقبال أسرة ترودو.

وقد تجاوز ترودو الأمر بابتسامته، ومع ذلك، فقد اجتمع برجال الأعمال، ووقَّع صفقات بمليارات الدولارات، وتوقف لالتقاط الصور مع ممثلي بوليوود، وارتدى زي الزفاف الهندي التقليدي. ومن جانبهم، نفى الهنود أن يكون رئيس الوزراء الكندي قد تم تجاهله. إلا أن ذلك لا يخفى على أحد، كما أن الجدل الدبلوماسي له جذوره في السياسة المحلية الكندية الحالية، وذلك من خلال حركة انفصالية هندية تنشط منذ الثمانينيات.

ففي الثمانينيات من القرن العشرين، ظهرت حركة انفصالية سيخية في ولاية البنجاب الهندية، التي كانت دائمًا، بصفتها سلة غذاء الهند، من بين أغنى الولايات. والسيخ أقلية في الهند. ويشكلون حوالي 2 % من سكان البلاد البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة. ولكن في البنجاب، يشكلون أغلبية، بنحو 60 % من 27 مليون نسمة في الولاية. وكان الصراع المسلح وحشيًّا، وكذلك كان قمع الحكومة. حيث قام مسلحون سيخ بتفجير قنابل في عدد من الأسواق المزدحمة، مما أدى إلى مقتل مدنيين. وجاء رد الحكومة الهندية عبر قواتها العادية وشبه العسكرية. وأشارت جماعات حقوق الإنسان إلى انتهاكات جسيمة. وقد قتل الانفصاليون العديد من المسؤولين الهنود البارزين، بمن فيهم السيخ الذين يشكلون عددًا غير متناسب من القوات العسكرية وقوات الشرطة. وقامت الحكومة في المقابل بقتل كبار القادة المسلحين.

وتبرز أربعة أحداث في أذهان من عاشوا تلك الحقبة:
ففي يونيو 1984، أمرت أنديرا غاندي، التي كانت رئيسة وزراء الهند في ذلك الوقت، قواتها بدخول المعبد الذهبي، أقدس ضريح لدى طائفة السيخ، لإخراج المسلحين الذين لجأوا إليه. وقد نجحت العملية العسكرية، التي كانت تسمى عملية النجم الأزرق (بلوستار)، والتي قتل فيها المتحدث باسم حركة خالصتان الانفصالية. لكن انتهاك الموقع المقدس الذي دمر في الهجوم أدى إلى إشعال المشاعر الدينية الساخطة لدى السيخ. وبعد أقل من خمسة أشهر، قام الحراس السيخ في طاقم حراسة غاندي باغتيالها في منزلها. وردًّا على ذلك ارتكبت مذابح بحق السيخ في جميع أنحاء الهند، وفي أجزاء من العاصمة نيودلهي، أشرف مسئولون حكوميون على عمليات القتل. (ولا تزال القضية حساسة في الهند؛ لأن بعض الأشخاص الذين أشرفوا على عمليات القتل ما زالوا في مناصبهم السياسية).

وما زال هناك المزيد من العنف: ففي يونيو 1985، انفجرت طائرة هندية متجهة من تورونتو إلى دلهي عبر المحيط الأطلسي، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 329 شخصًا. وكشف المحققون في وقت لاحق أن هناك مؤامرة دبرها السيخ في كندا كرد فعل انتقامي على اقتحام المعبد الذهبي.

قمعت الدولة الهندية في النهاية حركة خالصتان الانفصالية بوحشية. وقد تم دمج السيخ الذين قد يكونون متعاطفين مع القضية في التيار السياسي العام. وبحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يعد التمرد، ولا عملية بلو ستار، ولا اغتيال غاندي، ولا قصف طائرة الخطوط الهندية، يشكلان قوة دافعة في السياسة الهندية أو البنجابية. فقد تولي رئاسة وزراء الهند أحد السيخ، وهو مانموهان سينغ، الاقتصادي المحترم، الذي كان أحد مخططي برنامج تحرير الاقتصاد في البلاد. ورغم أن حركة خالصتان لم تعد جزءًا من الحوار السياسي في الهند، إلا أنها لا تزال قضية سياسية قوية في كندا.

وكان السيخ قد هاجروا الى كندا لعقود، لكن هذه الأرقام تضاعفت جراء قمع الحكومة الهندية للحركة الانفصالية في الثمانينيات. ولا تزال أقلية السيخ صغيرة نسبيًّا، حيث تمثل نحو 1.4 % من سكان كندا البالغ عددهم 36 مليون نسمة، ولكن السيخ يشكلون حضورًا كبيرًا في كولومبيا البريطانية (حوالي 5 % من السكان) وكذلك في أونتاريو وألبرتا (حوالي 1.5 % من السكان في كل مقاطعة) والعديد من السيخ نافذين ومؤثرين في السياسة الكندية والحياة العامة، مثل وزير الدفاع هارجيت سينغ ساجان وجاغميت سينغ، زعيم الحزب الديمقراطي الجديد اليساري. ولا يزال بعض هؤلاء السيخ – وليس جميعهم – يدعمون قيام دولة خالصتان مستقلة. والأهم من ذلك أنها تمثل كتلة انتخابية مؤثرة في الانتخابات الكندية؛ لدرجة أن أي سياسي كندي يزور الهند عليه أن يذهب إلى المعبد الذهبي ويصلي. (وتعد البنجاب أكبر مصدر للمهاجرين الهنود إلى كندا).

وقد طرح القادة الكنديون قضية خالصتان خلال زيارات سابقة للهند، ولكن دون تأثير يذكر في أي من البلدين.

يعكس تشكيل مجلس وزراء ترودو تنوع سكان كندا. فلديه أربعة وزراء من أصل هندي، وجميعهم من السيخ، ومن ضمنهم وزير الدفاع. وقد تفاخر ترودو أيضا بأن لديه وزراء سيخ أكثر من مودي. ولكن إذا كان الأمر كما يدعي المسؤولون السيخ في ولاية البنجاب، فإن الوزراء السيخ الكنديين الأربعة يتعاطفون مع الانفصاليين السيخ. (والأربعة جيمعهم يرافقون ترودو في زيارته للهند، وهم ينفون هذه الادعاءات) وقد أدى ذلك إلى عدم اكتساب ترودو للعديد من الأصدقاء السياسيين في الهند. ولكن كان هناك مزيد من التأزم سيظهر في هذه القضية. فقد تحول الاتجاه الهندي العام ليكون أكثر سلبية تجاه زيارة رئيس الوزراء الكندي، عندما تم الكشف عن أن الكنديين دعوا انفصاليًّا سيخيًّا أدين بمحاولة قتل سياسي هندي، لتناول العشاء مع ترودو في مقر المفوض السامي الكندي في نيودلهي. (وليس من الواضح كيف حصل على تأشيرة لدخول الهند). ولكن الدعوة سُحِبَت في وقت لاحق.

وقال ترودو “من الواضح اننا نأخذ هذا الأمر على محمل الجد.. لم يتلقَ الشخص المعني أي دعوة. وحالما اكتشفنا ذلك، ألغينا الدعوة فورًا”.

وفي ظاهر الأمر، ربما تكون زيارة ترودو قد حفزت أنواع من القضايا التي يخاف المخططون في كلا البلدين تناولها. ولكن كما كتب شيفام فيج في صحيفة (واشنطن بوست)، ” كان هدف ترودو من وراء هذه الزيارة هو أصوات السيخ في كندا”. والجدل حول الزيارة يساعد رئيس الوزراء الكندي في الفوز بالكتلة التصويتية التي يطمع فيها. ومن دون أن يفعل أو يعلن شيئا ​​أو حتى يدعم حركة خالصتان ضمنيًّا، فقد كشف ترودو للسيخ الكنديين أن ولائه الأساسي هو لكندا والكنديين – وليس وفقًا لما ترغب الحكومة الهندية أو تفكر فيه. من ناحية أخرى، تسير حكومة مودي على خط أكثر دقة، فقد تجاهلت ما يعتبره أنصارها احتضان ترودو للانفصاليين وظهورها ضعيفة، كما أنها لم تحتج علانية، وتذكر العديد من الهنود بالحركة الانفصالية التي دخلت طي النسيان منذ فترة طويلة.

المصدر – ذى أتلانتك 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا