لماذا يجب على الولايات المتحدة ألا تخشى عودة العالم متعدد الأقطاب؟

آية سيد
فورين بوليسي: الولايات المتحدة تخشى عودة العالم متعدد الأقطاب

تريد بعض القوى الناشئة عودة النظام العالمي متعدد الأقطاب، لكن الولايات المتحدة تفضل ألا تواجه أي منافسين.


انتهت الحرب الباردة بظهور عالم أحادي القطب، تهيمن عليه الولايات المتحدة، لكن زعماء كثير عبّروا عن رغبتهم بعودة النظام متعدد الأقطاب.

لكن هذه الرغبة العالمية لا يتفق معها القادة الأمريكيون، الذين يفضلون الفرص الموسعة والمكانة، التي تمنحها لهم الهيمنة المطلقة، وفق ما جاء في مقال لأستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، ستيفن والت، نشرته مجلة فورين بوليسي، أمس الثلاثاء 7 مارس 2023.

العودة إلى تعددية الأقطاب

في مقاله، لفت والت إلى أن زعماء روسيا والصين، وكذلك زعماء بعض القوى الناشئة، مثل الهند والبرازيل، أعربوا عن رغبتهم في عودة النظام متعدد الأقطاب، والأكثر إثارة للاهتمام، على حد وصفه، أن بعض الحلفاء المهمين للولايات المتحدة تتملكهم الرغبة نفسها.

وهنا أشار الكاتب إلى تحذير المستشار الألماني الأسبق، جيرهارد شرودر، من “الخطر الذي لا يمكن إنكاره” للأحادية الأمريكية، وتصريح وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، هوبيرت فيدرين، بأن السياسة الخارجية لبلاده تهدف إلى “جعل عالم الغد يتكون من عدة أقطاب”، لافتًا إلى أن دعم الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، للوحدة الأوروبية والاستقلال الاستراتيجي يعكش وجود دافع مماثل.

السيادة الأمريكية

أشار عالم السياسة الأمريكي إلى أنه منذ عهد إدارة الرئيس جورج بوش الأب، سلطت وثائق استراتيجية الأمن القومي الضوء على الحاجة إلى الحفاظ على الهيمنة الأمريكية، حتى مع اعترافها بعودة منافسة القوى العظمى.

وأضاف أن إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، تشعر بحنين إلى العصر عندما لم تواجه الولايات المتحدة أي منافسين، ما يفسر تمسكها القوي بـ”القيادة الأمريكية”، ورغبتها في إلحاق هزيمة عسكرية بروسيا، لتجعلها أضعف من أن تُسبب متاعب في المستقبل، وكذلك جهودها لعرقلة صعود الصين، عبر تقييد وصولها إلى التكنولوجيات الحيوية، وفق والت

اقرأ أيضًا: حظر أمريكي لـ22 شركة صينية تصنع الرقائق الإلكترونية.. حرب التكنولوجيا مستمرة

حلم بعيد المنال

رأى والت، في مقاله، أن استعادة العالم أحادي القطب قد تكون مستحيلة، حتى لو نجحت الجهود الحالية. ورجح أن تؤدي الجهود الأمريكية إلى أحد خيارين، الأول هو عالم ثنائي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة والصين.

والخيار الثاني نسخة غير متوازنة من تعددية الأقطاب، تكون بموجبه الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، وسط مجموعة من القوى الكبرى المهمة، لكن غير المتكافئة، وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل، وربما اليابان وألمانيا، بعد إعادة التسلح.

سلبيات العالم أحادي القطب

لم تحمل أحادية القطب مزايا كبيرة للولايات المتحدة، حسب والت، لأن هذا العصر شهد هجمات 11 سبتمبر، وحربين فاشلتين في العراق وأفغانستان، وبعض التغييرات غير المدروسة للأنظمة، التي نتج عنها دول فاشلة، وأزمة مالية غيّرت السياسة الداخلية الأمريكية، وظهور الصين الطموحة، التي سهلت الأفعال الأمريكية صعودها، لى حد قوله.

إلا أن الولايات المتحدة لم تتعلم من التجربة، من وجهة نظره، لأنها لا تزال تستمع إلى نصائح الخبراء الاستراتيجيين، الذين قال إنهم أهدروا انتصار واشنطن في الحرب الباردة، وعجلوا بنهاية أحادية القطب. وأوضح أن “ضبط النفس” هو الرادع الوحيد لأفعال القوة أحادية القطب، وهو شيء لا تجيده الولايات المتحدة.

مزايا تعددية الأقطاب

قال والت إن العودة إلى تعددية الأقطاب ستعيد خلق عالم تضم فيه أوراسيا عدة قوى كبرى، بدرجات متباينة من القوة. ورجح أن تنظر هذه الدول لبعضها بحذر، نظرًا لقربها الجغرافي، موضحًا أن هذا الوضع يمنح الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من المرونة لمواءمة تحالفاتها، حسب الحاجة.

وفي العالم متعدد الأقطاب، حسب ما يراه والت، ستتولى القوى الكبرى الأخرى تدريجيًّا المزيد من المسؤولية عن أمنها، ما يقلل بدوره من الأعباء على الولايات المتحدة. ولفت إلى أن الهند تعزز قوتها العسكرية مع نمو اقتصادها، واليابان تعهدت بمضاعفة إنفاقها الدفاعي بحلول 2027.

دور الدبلوماسية في النظام العالمي الجديد

نوّه أستاذ العلاقات الدولية بأن سباق التسلح الإقليمي له مخاطره أيضًا، وقد تتصرف بعض هذه الدول بطرق تتسم بالخطورة أو الاستفزاز. لكنه قال إن محاولة منع تعددية الأقطاب، رغم سلبياتها المحتملة، ستكون مكلفة وعقيمة، وأن على الأمريكيين الاستعداد لمستقبل متعدد الأقطاب.

وأضاف أن تعددية الأقطاب غير المتوازنة تشجع الولايات المتحدة على الابتعاد عن اعتمادها الغريزي على القوة الخشنة والقسر، ووضع المزيد من الثقل في الدبلوماسية الحقيقية، موضحًا أنه في العالم متعدد الأقطاب، يجب أن تولي القوى العظمى المزيد من الانتباه إلى ما يريده الآخرون، وتعمل بجد لإقناع بعضهم بعقد صفقات تعود بالنفع على الطرفين.

وشدد والت على أن الدبلوماسية يجب أن تفسح المجال لنهج أكثر براعة ولمزيد من الأخذ والعطاء. وحذر من أن الاعتماد على القوة فقط، يدفع الآخرين إلى إبعاد نفسهم، وربما إلى الاصطفاف في تكتل معارضة.

السلبيات المحتملة للتعددية القطبية

عدّد أستاذ العلاقات الدولية بعض السلبيات، التي قد يحملها المستقبل متعدد الأقطاب. ففي عالم يشهد منافسة بين القوى العظمى، قد تتعاون الدول الأضعف مع بعضها، ما يعني أن النفوذ الأمريكي على بعض الدول الصغيرة قد يتراجع.

وحذر والت من أن المنافسة بين القوى العظمى في أوراسيا قد تعزز فرص الحسابات الخاطئة والحرب، كما حدث قبل عام 1945. وقد تقرر المزيد من الدول السعي لامتلاك الأسلحة النووية.

لكنه شدد على ضرورة أن لا يبالغ القادة الأمريكيون في القلق، بافتراض أن الولايات المتحدة ستظل في المرتبة الأولى ضمن القوى الأخرى غير المتكافئة في النظام الجديد. ووفق والت، ستكون واشنطن في وضع مثالي لإثارة القوى العظمى ضد بعضها البعض، ويمكنها ترك شركاءها في أوراسيا يتحملون المزيد من أعباء أمنهم.

ربما يعجبك أيضا