هل تنجح مساعي الصين لاختيار الدالاي لاما الجديد؟

آية سيد
هل تنجح مساعي الصين لاختيار الدالاي لاما الجديد؟

يستعد التبتيون لظهور خليفتين للدالاي لاما، واحد من اختيار الصين، والآخر من اختيار الدالاي لاما الحالي أو المقربين منه.


نشرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية تقريرًا للكاتب بروك لارمر، عن مساعي الصين للتدخل في اختيار القائد الروحي الجديد للتبت.

ولفت التقرير، المنشور في 27 يوليو 2023، إلى أن جهود الصين للتدخل في عملية اختيار القائد، الذي يُلقب بـ”الدالاي لاما”، تأتي ضمن حملتها المستمرة منذ عقود لضم التبت إلى الصين والسيطرة على البوذيين التبتيين.

عملية الاختيار

يؤمن البوذيون التبتيون بتناسخ الأرواح. ويمتلك الدالاي لاما القدرة على اختيار الجسد الذي تنتقل إليه روحه بعد وفاته. وحسب معتقداتهم، عادة ما يُولد الشخص المختار في نفس عام وفاة سلفه، ويجري تحديده وهو طفل، ما يترك فجوة من 15 أو 20 عامًا قبل بلوغه مرحلة النضوج.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن التبتيين يقلقون من استغلال الصين لتلك الفترة، ويستعدون لظهور خليفتين للدالاي لاما، واحد من اختيار الصين، والآخر من اختيار الدالاي لاما الحالي أو المقربين منه.

من يخلف الدالاي لاما؟

حسب “ذي إيكونوميست”، كان الدالاي لاما مراوغًا بشأن نواياه. ففي أوقات متعددة، ألمح إلى أن الدالاي لاما القادم قد يكون فتاة، أو شخصًا بالغًا، أو لا أحد على الإطلاق. وقد يختار “التجسد” بشخص في أثناء حياته، بدلًا من “إعادة التجسد” بعد وفاته.

لكن الأمرين اللذين شدد عليهما الدالاي لاما هما أن خليفته سيُولد في بلد “حر”، غير التبت، وأنه وحده لديه السلطة لاتخاذ القرار. ويقول الدالاي لاما: “هذه مسألة دينية. وبقدر ما يتعلق الأمر بولادتي الجديدة، فالسلطة النهائية هي أنا، وليس الشيوعيين الصينيين”.

قضية عالمية

يبلغ الدالاي لاما 88 عامًا. ومنذ فراره إلى دارامسالا الهندية من القوات الصينية الغازية في 1959، وحد الدالاي لاما قومه وحافظ عليهم، وحوّل صراعهم إلى قضية عالمية. ووفق “ذي إيكونوميست”، تطالب الصين بالسيادة على التبت، التي سيطرت عليها في 1950، وتصر على أن قواتها حررت التبتيين من الفقر والعبودية.

وردًّا على هذا، نشر الدالاي لاما رواية مضادة عن وطنه، يوضح فيها أنه غير عنيف، ونبيل، ويتعرض للاضطهاد. ومن شبه المستحيل للتبتيين، والعالم، تخيل التبت من دونه.

موت بالبطيء

أوضحت المجلة البريطانية أن القائد الروحي للتبت يعيش سنواته الأخيرة، في وقت تبدو فيه الصين أقوى، والتبت أضعف، من أي وقت مضى. ويعيش شعب التبت، البالغ عددهم ما بين 6 و7 ملايين، تحت الحكم الصيني القاسي.

وكانت الاستثمارات الصينية، المقدرة بمليارات الدولارات، مصحوبة بإضعاف ممنهج للديانة والثقافة التبتية، إلى جانب قيود صارمة على الحركة والاتصالات. ويُرغم ما يُقدر بمليون تلميذ تبتي على الالتحاق بمدارس داخلية صينية بعيدة عن منازلهم، ما يثير المخاوف بشأن اختفاء لغتهم قريبًا.

وفي الوقت ذاته، يعيش حوالي 150 ألف تبتي بالخارج، ويتعرضون لخطر فقدان هويتهم ووحدتهم مع ظهور جيل جديد لا يتذكر وطنه. وفي هذا الشأن، قال رئيس حكومة المنفى في دارامسالا، بينبا تسيرينج: “التبت تموت بالبطيء”.

مساعي صينية

أشار تقرير “ذي إيكونوميست” إلى أن محاولات الصين لتبرير دورها في اختيار الدالاي لاما القادم تبدو اعترافًا بأن العقود الـ6 ونصف الماضية من التنمية الاقتصادية والقمع الوحشي لم تُكسبها ولاء كل التبتيين، أو تزعزع إخلاصهم لقائدهم الروحي. ولهذا السبب، تحتاج الصين إلى دالاي لاما من اختيارها.

لكن تدخلها في تلك العملية قد يتسبب في فوضى أكثر من السيطرة. وستُقنع الصين الدول الأخرى، والتبتيين أنفسهم، بالاعتراف علنًا بالشخص الذي تختاره، معتبرةً تلك خطوة في مسيرة طويلة لدمج التبت في الصين. إلا أن الدالاي لاما لا يزال يحتفظ بشرعية أخلاقية ونفوذ دولي.

اقرأ أيضًا| انعقاد أول قمة بوذية عالمية في الهند.. وقلق صيني

مصدر الفوضى

بحلول التسعينات، حظرت السلطات الصينية عرض صور الدالاي لاما أو الصلاة له، وأجبرت عشرات الآلاف من الرهبان والراهبات في التبت على شجبه علنًا. وحسب “ذي إيكونوميست”، تهاجمه الصحافة الصينية باستمرار، وتصفه بالمحتال، والخائن، والانفصالي، و”مصدر كل الفوضى في المجتمع التبتي”.

وكان كل هذا مصحوبًا بتهديدات لأي حكومة تعترف به ممثلًا للتبت. ومع صعود الصين كقوة عظمى، تضاءلت حفلات العشاء والاستقبال الرسمية للدالاي لاما، خشية زعزعة العلاقات الاقتصادية مع الصين. ولم يلتقِه أي رئيس وزراء بريطاني منذ 2012، ولا رئيس أمريكي منذ 2016.

خطط متسارعة

تتسارع خطط الصين بشأن خلافة الدالاي لاما. ووفق ما نقلت المجلة البريطانية عن الباحث في شؤون التبت، روبرت بارنت، اجتمع مسؤولون صينيون سرًّا في يناير الماضي للبدء في التحضير لعملية الاختيار.

ومن جهتها، ردت أمريكا بقوة. وفي ديسمبر 2020، مرر الكونجرس قانون “سياسة التبت ودعمها”، الذي ينص على ترك خلافة الدالاي لاما للبوذيين التبتيين دون تدخل من الحكومة الصينية. وفي ديسمبر 2022، فرضت أمريكا عقوبات على مسؤولين صينيين اثنين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في التبت.

تكهنات متزايدة

يصبح أي مكان يزوره الدالاي لاما، الذي لم يغادر الهند منذ 2018، محل تكهنات بشأن اختيار خليفته. ومن المقرر أن يذهب هذا الصيف في عطلة ممتدة إلى ولاية لاداخ، الواقعة على الحدود الشمالية المتنازع عليها بين الهند والصين، والتي شهدت اشتباكات بين القوات الهندية والصينية في 2020.

ووفق “ذي إيكونوميست”، إذا جرى اكتشاف الدالاي لاما القادم هناك، ستغضب الصين وتعتبرها علامة على أن الهند، التي التزمت الصمت بشأن مسألة التبت، مستعدة لاتخاذ موقف صدامي.

ومن المتوقع أيضًا أن يزور مدينة تاوانج لاحقًا هذا العام، وهي موطن أكبر دير بوذي في الهند وسادس دالاي لاما. وشهدت اشتباكات بين القوات الصينية والهندية في ديسمبر 2022. وأثارت زيارة الدالاي لاما لتاوانج في 2017 احتجاجات غاضبة من الصين، ومن المرجح أن تزداد التوترات إذا زارها مجددًا.

اقرأ أيضًا| اشتباكات حدودية بين الهند والصين.. هل يتكرر سيناريو الستينات؟

ربما يعجبك أيضا