أئمة التطرف يطلقون الفتاوى من داخل السجون البريطانية

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
تشهد بريطانيا انتقادات شديدة إزاء سياسة إدارة السجون، خاصة عندما يتعلق الأمر بإحكام السجناء من المسلمين والجماعات المتطرفة داخل بريطانيا. منظمة “هيومن رايتس” أطلقت تحذيراتها في هذا الخصوص أكثر من مرة، ووصفت السجون في بريطانيا بأنها متهالكة وغير آمنة وهناك الكثير من التجاوزات على السجناء، ولفتت المنظمة إلى ارتفاع مستوى العنف بين المساجين، المرتبط بمعظمه بالمخدّرات والديون.
 
تقارير الحكومة البريطانية نفسها، اعترفت بوجود مخاوف بل تحديات كبيرة لاحتواء أنشطة التطرف داخل السجون، ويشير التقرير إلى وجود (200) إمام معينين من الدولة لتقديم النصح والإرشاد للسجناء المسلمين، داعيا إياهم للقيام بدور أكثر محورية في مكافحة التطرف، ويوافق البروفيسور “جيفري هانز” الخبير في شؤون التطرف، ما ورد بالتقرير لافتا إلى مشكلة عدم سيطرة السجون على المواد الدينية والخطب التي تلقى على السجناء، وتبنى بعض الأئمة وجهات نظر تصنف بالمتشددة وفقًا للمعايير البريطانية.
 
كشف  تقرير رابطة “هوارد للإصلاح الجنائي” أنّ أكثر من 100 شخص ماتوا انتحاراً وراء قضبان السجون منذ بداية عام 2016، أي بمعدّل شخص كلّ ثلاثة أيّام، وهو في الواقع أكبر عدد للمنتحرين تبلغه السجون البريطانية منذ بدأت تسجيل حالات الانتحار عام 1978، بعدما سجّل عام 2004 أعلى عدد عمليات انتحار بـ96 حالة.
 
تزايدت وتيرة الاستقطاب والتطرف داخل السجون البريطانية، وأصبحت “أرضا خصبة” للجماعات الجهادية”، وتتوجه “الجماعات المتطرفة” بشكل متزايد إلى السجون لتجنيد أشخاص لهم ماض إجرامي، أظهرت سجلات وزارة الداخلية البريطانية في سبتمبر 2017، أن عدد المقبوض عليهم في بريطانيا للاشتباه في ضلوعهم في قضايا إرهاب ارتفع بنسبة (68 %) عن عام 2016، مسجلا أعلى مستوى على الإطلاق، وكشفت السجلات، اعتقال (379) مشتبها فيهم خلال عام حتى يونيو 2017 وهو أعلى معدل منذ بدء الإحصاء عام 2001، كما أظهرت البيانات الرسمية، أنه تم توجيه تهم بارتكاب جنحة إلى (123) من المعتقلين، و(105) منها على صلة بالإرهاب، في حين أفرجت السلطات عن (189) دون توجيه اتهامات.
 
وكشفت دراسة بريطانية ” في يوليو 2017 أن عددًا من السجناء الذين يتمتعون بحضور قوي، ينصبون أنفسهم “أمراء” ويمارسون نفوذا كبيرا يؤدي إلى التطرف، على بقية نزلاء السجن من المسلمين، وتظهر الأرقام للدراسة الرسمية وجود (186) معتقلا بتهم تتعلق بالإرهاب حتى نهاية مارس 2017، بارتفاع بنسبة (15 %)عن عام 2016.
 

انتقادات للحكومة البريطانية
 
منظمات بريطانية تعنى في حقوق السجناء، حذرت من أن يكون عزل  الجماعاة الاسلاموية المتطرفة تكون بداية بداية  الى انشاء معتقلات جديدة على غرار غوانتانامو. يذكر أن خطة عزل السجناء من الجماعات الاسلاموية المتطرفة قد تم اعتمادها في فرنسا وهولندا أيضاً.
 
وتعرضت وكالات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب البريطانية لضغوط وانتقادات كبيرة بعد أن اتضح أن الجهات الأمنية كانت على علم بهوية الجناة في الاعتداءات الأخيرة التى شهدتها لندن. وكان اثنان من المهاجمين في تلك العمليات من ذوي الأصول المغربية، أحدهما يوسف زغبة وكان اسمه على قائمة المراقبة الدولية بعد أن حاول وفشل في الوصول إلى سوريا قادماً من إيطاليا عام 2016 وتمكن من دخول المملكة المتحدة. ويقول “والكر” خبير القانون الدولي: “أظهر البحث الذي أجريته أكثر من 40 إرهابياً أجنبياً مداناً في المملكة المتحدة أفلتوا من الترحيل مستغلين قوانين حقوق الإنسان، وهو رقم أكبر بكثير مما كان يُعتَقَد في السابق”.
 
أبرز الإجراءات التي  اتخذتها بريطانيا في إدارة السجون
 
ـ وضع السجناء المتطرفين في مراكز منفصلة.
 
ـ فتح “مركز منفصل” جديد في “فرانكلاند”.
 
ـ تعزيز آليات مراقبة رجال الدين الذين يزورون السجون.
 
ـ مراجعة الإجراءات المطبقة في السجون البريطانية للتعامل مع المتطرفين الإسلامويين.
 
ـ عزل المتطرفين الذين يستخدمون العنف عن بقية السجناء.
 
ـ تدريب أفراد الشرطة وحراس السجون على منع المتطرفين من نشر أفكارهم.
 
ـ توسيع سلطة مدراء السجون لمنع وسحب أي منشورات تحريضية تحمل أفكارا خطرة ضد المجتمع.
 
ـ تشكيل مديرية جديدة للأمن ومكافحة الإرهاب معنية بتقديم الخطط لمكافحة الإرهابيين في السجون.
 
ـ إصلاح السجلات الجنائية بحيث يتم الكشف عن سجلات الأفراد المتطرفين.
 
ـ إزالة الكتب التي تدعو إلى التشدد من رفوف المكتبات التابعة للسجون.
 
الحكومة البريطانية اتخذت إجراءات جديدة بإنشاء وحدات خاصة منفصلة تحت الحراسة المشددة داخل السجون لعزل السجناء الذين يحملون أفكارًا إسلاموية متطرفة محاولة منها  للحد من نشر التطرف والعنف داخل السجون.
 
التوصيات تقول بأن الحكومة البريطانية، ينبغي عليها فهم مشكلة السجناء كل على انفراد، وعدم تعميم قضايا السجون على الآخرين. فصل الجماعات المتطرفة داخل السجون، هي خطوة مطلوبة، رغم الانتقادات، كون سجون دول أوروبا إلى جانب بريطانيا وفرنسا كانت تجربة بلجيكا في السجون قبل سنتين، غير ناجحة، وهذا ما كشفته اعترافات عناصر “فرسان العزة” التي تعتبر واحدة من أبرز الجماعات التي قدمت الدعم اللوجستي إلى تنظيم داعش. هذه الجماعات تستغل شعور السجناء بالقهر والعنصرية، وهذا ما يتطلب من الحكومة البريطانية التوقف عند هذا الشعور وإن كان غير صحيح.
 
وما يعقد المشكلة، هو عدم تعامل الحكومة البريطانية مع أنشطة أئمة التطرف خارج السجون وفي داخلها، رغم التهديدات والمخاطر التي تشهدها بريطانيا. ما ينبغي على بريطانيا مغادرة “سياسة مهادنة الجماعات المتطرفة” على أراضيها، وتجاوزها مخاوف ردود افعال تلك الجماعات وطرح سياسات اكثر وضوح في معالجات التطرف ومكافحة الإرهاب.
 
* باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات
 

ربما يعجبك أيضا