أزمة المياه.. هل تُشعل حربًا في فرنسا؟

آية سيد
«أزمة المياه».. هل تشعل حربًا في فرنسا؟

تزداد التوترات في فرنسا، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الجفاف ونقص احتياطيات المياه.


تصارع فرنسا مع درجات الحرارة المرتفعة وحالات الجفاف الشديد، في ظل موجات الحر التي تتعرض لها أوروبا.

وفي هذا السياق، حذرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أول من أمس الاثنين 25 سبتمبر 2023، من اندلاع حرب شاملة على المياه، في ظل الاشتباكات العنيفة، والإصابات، وحالات الاعتقال التي تشهدها البلاد.

تصاعد التوترات                                 

ترتفع التوترات بشأن استخدام الخزانات الصناعية الضخمة للري، التي يعتمد عليها بعض المزارعين للتكيف مع شح المياه، في حين يقول النقاد إنها تفاقم المشكلة، لأنها تسرّع نضوب موارد المياه الجوفية المحدودة من أجل منفعة مجموعة من المنتجين الكبار.

«أزمة المياه».. هل تشعل حربًا في فرنسا؟

انخفاض منسوب المياه

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن هذا واحد من صراعات كثيرة على الوصول للمياه، التي تندلع بوتيرة متنامية في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي يتسبب تغير المناخ في جفاف التربة، وارتفاع درجات الحرارة، وتعطيش المحاصيل، وتراجع الكتل الثلجية السنوية التي تجدد تدفقات المياه العذبة.

اقرأ أيضًا| الموجة الأسوأ منذ 500 عام.. لماذا يضرب الجفاف أوروبا؟

انتشار التظاهرات

حسب فورين بوليسي، انتشرت التظاهرات في فرنسا احتجاجًا على إنشاء أحواض تخزين ضخمة جديدة. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم إحدى الجماعات المعارضة لإنشاء الخزانات، جوليان لوجويت، إن “المياه منفعة عامة، ولا يمكن لأحد الادعاء أنها ملكه”.

وخضع لوجويت وآخرون للمحاكمة هذا الشهر بسبب التظاهر دون تصريح ضد إنشاء خزان جديد في سانت سولين، غربي فرنسا. وفي مارس الماضي، تحولت مسيرة إلى مواجهة عنيفة مع الشرطة، ما أسفر عن إصابة 47 ضابطًا و200 متظاهر. وندد بعض المزارعين المحليين بتلف محاصيلهم والأنابيب التي تربط حقولهم بحوض التخزين الجديد.

ووقعت احتجاجات جديدة بالقرب من موقع الإنشاء وفي باريس في الأسابيع الماضية، مع وجود خطط لمزيد من الإجراءات في المستقبل القريب.

أحواض التخزين

تتراوح تقديرات أحواض التخزين في فرنسا بين 100 وعدة مئات، وهي عبارة عن بركة اصطناعية مبطنة بالبلاستيك وممتدة على مساحة 20 فدان تقريبًا، وتُملأ عبر ضخ المياه الجوفية في الشتاء من أجل استخدامها في أشهر الصيف الحارة. وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن أعدادها في زيادة.

ويقول مؤيدو الأحواض إنه في ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، تصبح أحواض التخزين لا غنى عنها للمزارعين، وطريقة لتقليل الضغط على الموارد المائية عندما تكون في أدنى مستوياتها.

«أزمة المياه».. هل تشعل حربًا في فرنسا؟

الجفاف في أوروبا

وشهدت فرنسا مؤخرًا أسوأ حالات جفاف. وفي يوليو الماضي، كان أكثر من ثلثي احتياطيات المياه الجوفية أدنى من المستويات الطبيعية. وفي هذا الشأن، قال العضو في أحد اتحادات المزارعين، لوران ديفو: “الري دون الأحواض يعني مواصلة ضخ المياه الجوفية، حتى عندما توجد كميات قليلة منها”.

اقرأ أيضًا| حوار| باحث بيئي يوضح لـ«رؤية» أسباب أزمة الجفاف في أوروبا وتداعياتها

أين المشكلة؟

يقول النقاد إن المشكلة هي أن أحواض التخزين تسحب المياه الجوفية الثمينة من أجل مصلحة أقلية صغيرة. ووفق فورين بوليسي، 7% فقط من الأراضي الزراعية الفرنسية مجهزة بقنوات ري، والقليل فقط من المزارع المحيطة بالأحواض متصلة بها.

وقالت المتحدثة باسم اتحاد المزارعين، الذي يعارض أحواض التخزين، لورانس ماراندولا: “هذا ليس صراعًا بين المزارعين والجماعات البيئية. نحن المزارعون نحتاج إلى المياه”.

إلا أنه على مدار العقود الأخيرة، تناقصت موارد المياه الجوفية في أوروبا بسبب آثار الاحتباس الحراري والضخ الزائد، مثلما يحدث في بقية أنحاء العالم، حسب المجلة الأمريكية.

إهدار المياه

يهاجم النقاد أحواض التخزين لكونها طريقة تخزين تهدر المياه. وحسب مدير الأبحاث الفخري بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، كريستيان أمبلارد، فإن وجود المياه في أحواض مكشوفة يعني أن جزءًا منها يتبخر، والباقي ترتفع حرارته، ما يملأه بالبكتيريا السامة، وهذا يؤدي إلى “خسارة الكم والجودة”.

وأشارت فورين بوليسي إلى أن هذه الأحواض متهمة أيضًا بإدامة نموذج الزراعة غير المستدامة، الذي يستهلك الكثير من المياه ويسرّع الاحتباس الحراري. هذا لأن أكثر من 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في أوروبا تُستخدم لإطعام الماشية، التي تُعد مسؤولة عن أكثر من 30% من انبعاثات الميثان عالميًا.

وتشمل المحاصيل المستخدمة لإطعام الحيوانات الذرة، الذي يشغل ثلث الأراضي الزراعية في فرنسا ويحتاج إلى الكثير من المياه في الصيف. وقال أمبلارد: “الأحواض الضخمة تؤخر التحول إلى الزراعة المسؤولة والمرنة والفاعلة من حيث استهلاك المياه”.

موقف الحكومة

حسب الخبراء، يتطلب هذا التحول العمل على جعل التربة أكثر قدرة على الاحتفاظ بالمياه والابتعاد عن إنتاج اللحوم ومنتجات الألبان. إلا أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة لم تُظهر رغبة في ذلك، وقدمت دعمًا كبيرًا للخزانات. ووصفت المجلة الأمريكية المزارعين في فرنسا بأنهم “قوة سياسية في حد ذاتهم”.

وكذلك تضيّق السلطات الفرنسية الخناق على الحركة المناهضة لأحواض التخزين. وتعرضت الشرطة الفرنسية لانتقادات لاذعة بسبب تعاملها مع احتجاجات سانت سولين. ووصف وزير داخلية فرنسا، جيرالد دارمانان، بعض المشاركين في الاحتجاجات بأنهم “إرهابيون بيئيون”.

وقال لوجويت: “نحن نصبح هدفًا للإجراءات القانونية، والتحقيقات، والمراقبة. وعلى مدار العام الماضي، انهمرت علينا استدعاءات المحكمة”، مضيفًا أن حركته ستواصل عرقلة بناء أحواض جديدة.

ربما يعجبك أيضا