ألم ذوي الشهداء الفلسطينيين المحتجزين يتعمق مع كل يوم‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – انطلقت بالأمس، فعاليات اليوم الوطني لاسترداد جثامين 304 من الشهداء الفلسطينيين التي لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجزهم سواء في الثلاجات الباردة، أو في مقابر مجهولة تحمل شاخصات أرقام، كعقاب جماعي أو انتقام لعائلات الشهداء.

وشهدت مراكز المحافظات الفلسطينية وقفات جماهيرية وفعاليات واسعة، بالتزامن مع حملة الكترونية نشطة تحت عنوان “بدنا أولادنا”، فضلا عن نشاط إعلامي مفتوح لكل وسائل الإعلام، إضافة لتخصيص يوم لمراكز التعليم للتعريف بقضية الجثامين المحتجزة، ومشاركة أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم.

ويحرم الاحتلال عائلات الشهداء وداع أبنائهم، فيحتفظ بجثامين بعضهم في مقابر الأرقام حيث تتحلّل، فيما يُبقي بعضًا آخر في الثلاجات، والتعرّف إلى شهيد بعد احتجاز جثمانه في ظروف سيئة (في مقابر الأرقام) أمر صعب مع مرور الوقت، لذا يبقى الأمل الوحيد لدى أهله فحص الحمض النووي ومطابقته مع رفات ابنهم.

وقد سمّيت المقابر بـ”مقابر الأرقام”؛ لأن سلطات الاحتلال تضع أمام كل قبر لافتة حديدية صغيرة تحمل رقما يرمز للشهيد من دون اسمه. وتعتبر مقابر الأرقام مناطق عسكرية مغلقة، إذ تمنع سلطات الاحتلال الوصول إليها من دون موافقة مسبقة.

في السياق منسّقة الحملة الوطنية الفلسطينية لاسترداد جثامين الشهداء، سلوى حماد، إن “وفاة والدة الشهيد ووالده وإخوته وأخواته تؤثّر على المطالبة باسترداده، فالأمر يصير مرتبطاً بأشخاص من دائرة أبعد، كذلك فإنّ احتمال التعرّف إلى الجثمان يصير صعباً مع غياب أفراد العائلة الأقرب، لا سيّما الإناث اللواتي يخضعنَ لفحص الحمض النووي عادة”.

وبينما تقوم دولة الاحتلال بالمستحيل من أجل قتلاها، فإنّها غير معنيّة بكلّ ما يتعلّق بجثامين الفلسطينيين الذي قتلتهم، لا بل تسيء التعامل مع ملفّ هؤلاء.

وتقول حماد: إنّ “الاحتفاظ بالجثامين يتمّ في مقابر أرقام تقع في مناطق معرّضة إلى عوامل مختلفة، منها انجراف التربة نتيجة مياه الأمطار وارتفاع حرارة الصيف، علماً أنّ عدداً منها يقع في منطقة غور الأردن وعلى عمق سطحيّ، الأمر الذي يسهل الانجراف”، لافتة إلى أنّ المسافة بين الجثامين لا تتجاوز 20 سنتيمترًا، فيما تُدفَن في أكياس نايلون سوداء في معظم الأحيان”.

وحماد التي توضح أنّه “لم يسبق للحملة الوطنية أن دخلت مقابر أرقام ولا تتوفّر لديها أيّ معلومات دقيقة حولها، غير أنّها تقدّر عدد تلك المقابر بأربع تقام في معظم الأحيان بمناطق عسكرية مغلقة”.

وتشير حماد إلى “شهادة وصلت الحملة من أحد سكان قرية الجفتلك في الأغوار بالقرب من أريحا، شرقي الضفة الغربية، أفاد فيها بأنّه اصطدم بألواح معدنية مرقمة في أثناء مروره في المكان”. ويختلف تعامل الاحتلال ما بين جثمان يحمل هويّة القدس وآخر يحمل هويّة قطاع غزة أو الأراضي المحتلة عام 1948 أو مناطق الضفة الغربية، فيما يؤدّي مكان استشهادهم أو تنفيذ عملياتهم الاستشهادية دوراً في السياق.

من يحمل هوية الضفة الغربية مثلاً يوكّل قرار تسليمه لقوات الاحتلال أو لقائد المنطقة العسكرية المباشر، أمّا من يحمل الهويّة الزرقاء (الأراضي المحتلة عام 1948) فتقرّر الشرطة الإسرائيلية في ملفه. وفي ما يتعلّق بآلية دفن الشهيد، فإنّ قوات الاحتلال تستلم جثمانه في معظم الأحيان وتحوّله إلى الطب العدلي الإسرائيلي (أبو كبير)، ومن هناك إلى مقابر الأرقام (قبل عام 2015) أو إلى الثلاجات (بعد عام 2015).

الاحتلال صرّح في عام 2003 في معرض ردّه على رسالة وجهتها له مؤسسة حقوقية إسرائيلية، أنّ هناك مقبرتين فقط هما “مقبرة عميعاد” قرب صفد، ومقبرة جسر آدم في غور الأردن.

ولا ينفي هذا التصريح وجود مقابر أخرى غير معلن عنها. ففي عام 2013، عندما تمّ الإفراج عن بعض الجثامين، تبيّن أن هناك 5 مقابر على الأقل، واحدة منها في منطقة بئر السّبع، لم يكن وجودها معلناً.

ومن مقابر الأرقام الشهيرة، مقبرة “جسر بنات يعقوب” الواقعة بالقرب من جسر بنات يعقوب التاريخي القريب من الحدود السّورية الفلسطينية. وقد استخدمت هذه المقبرة لاحتجاز جثامين الفدائيين المتسللين من سورية ولبنان، وبعض شهداء حرب لبنان الأولى.
وبحسب تقرير رسمي صادر عن جيش الاحتلال في عام 2000، فقد بلغ عدد الجثامين التي احتجزت فيها 243 جثماناً، وقد أغلقت نهائيًا في عام 2001 بعد نقل الجثامين المتبقية فيها إلى مقبرة “عميعاد”.

وبحسب تقارير فلسطينية، فإنّ سلطات الاحتلال تقوم بهذا الأمر لهدفين أساسيين: الأول يتمثل في تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولة لمنعهم من تنفيذ عمليات فدائية، أما الهدف الثاني فهو استخدام الجثامين كورقة مساومة في أي صفقات تبادل مستقبلية مع حركات المقاومة.

وقد جرت منذ عام 1996 وحتى عام 2008 أربع صفقات لتبادل الأسرى والجثامين بين الاحتلال وحزب الله اللبناني، وكان من المفترض أن يكون جثمان الشهيدة دلال المغربي من بين الجثامين المطلق سراحها في صفقة عام 2008، إلا أن الجثمان لم يسلم.

وادعت سلطات الاحتلال يومها أنها لم تعثر عليه، وأنه قد يكون انجرف بفعل انهيار التربة إلى خارج حدود المقبرة. وفي عامي 2013 و2014، جرى تسليم جثامين بعض الشهداء الفلسطينيين، فيما عرف حينها بأنه بادرة حسن نيّة من جانب الاحتلال قبيل استئناف المفاوضات مع السّلطة الفلسطينية.

ومن المقرر أن ترسل الخارجية الفلسطينية، شكاوى للمقررين الخاصين في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأول تلك الشكاوى سيكون ملف الشهيد الطفل نسيم أبو رومي الذي قتله جنود الاحتلال عند باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى، في 16 أغسطس الجاري.

وقد صعدت سلطات الاحتلال من عمليات احتجاز جثامين الشهداء منذ عام 2015، بعد أن قامت بإعدام الكثير من الشبان على الحواجز العسكرية، لينضموا إلى آخرين متواجدين في “مقابر الأرقام”، وتحتجز إسرائيل جثامين بعضهم منذ عشرات السنين.

وتنص اتفاقية جنيف الأولى في المادة (17) بإلزام الدول المتعاقدة باحترام جثامين ضحايا الحرب من الاقليم المحتل وتمكين ذويهم من دفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية والوطنية.

وفي تموز 2015 أعلنت وزارة جيش الاحتلال أمام “العليا الإسرائيلية”، أنها ستتوقف عن احتجاز الجثامين، وستشرع بتأسيس بنك للحمض النووي تمهيدا لتحرير كافة الجثامين المحتجزة، لكن حتى هذه اللحظة لم تف بالتزامها.

ربما يعجبك أيضا