أوراسيا ريفيو| المعلومات في عصر الإنترنت – تحليل

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

إن المجتمع المستنير هو ذلك المجتمع الذي يسعى فيه البشر للمضي قدمًا؛ إذ إنه من خلال تبادل المعرفة فقط يمكننا بالفعل تجاوز حدود الزمن، وضمان الحفاظ على أي معرفة جديدة ونقلها تامةً إلى الجيل المقبل الذي يمكن أن يكتشف ابتكارات عديدة من خلالها.

وهناك طريقتان لنقل المعلومات أو المعرفة:

الأُولى: عبر نظام التعليم الأساسي، والذي يشمل الحصول على المعرفة من مختلف الهيئات، بما في ذلك الوحدات الاجتماعية مثل الأسرة أو النادي؛ حيث يتم تبادل المعلومات على نطاق أصغر.

والثانية: من خلال وسيط إرسال، أو وسائل الإعلام في هذا السياق. وهذا الأخير خاص بالبشر؛ نظرًا لأن معظم الثدييات الأخرى (مثل الحيتان) تظهر سلوك مشاركة أو نقل المعلومات في مجموعات أو بين أنواعها أيضًا.

يمكن الافتراض أن وسائل الإعلام هي الوسيلة الوحيدة للإنسان للحفاظ على المعرفة. ومع ذلك، تعكس الطريقة التي نحدد بها وسائل الإعلام، من خلال جمالياتها، فالطريقة التي نستهلك بها المعلومات والشكل الفريد الذي تفترضه؛ وكل هذا يتلخص في حقيقة أن قلة قليلة من الناس في المجتمع لديهم ما يلزم للذهاب خلال سنوات وسنوات من التعليم العالي طلبًا للمعرفة، ومن يقومون بذلك هم "النخب".

في الواقع، هناك عدد أقل من النخب التي ستواصل السعي وراء المعرفة المطلقة حتى سن الشيخوخة؛ لأنه– وبكل صراحة – لا يريد أحد أن يقضي حياته كلها في فعل ذلك. ومع هذا، فإن وصول الإنترنت خلال عصر المعلومات قد غيّر إلى حد كبير الطريقة التي يمكن بها استهلاك المعلومات. في الواقع، لقد بثت معنىً جديدًا تمامًا لكلمة "معلومات" لدرجة أن كونك فردًا مُلمًّا بالمعلومات يُعدّ معيارًا في هذه الأيام.

ولفترة طويلة، سواء من خلال وسائل الإعلام أو أنظمة التعليم القياسية، كان فن تلقي المعرفة دائمًا عملية منهجية. فما عليك سوى إلقاء نظرة على كيفية تقدمنا من خلال أنظمتنا التعليمية. نبدأ بست سنوات (تسعة لدى البعض) من التعليم الإلزامي، تليها ثلاث سنوات من المدرسة الثانوية ثم ننتقل إلى الجامعات وما بعدها للتعليم العالي أو أكثر. هناك بنية محددة لتمرير المعلومات والمعرفة، وهو ما يتم ذلك على مراحل. ولن يتخطى الشخص العادي أبدًا مستوى ويتقدم بشكل عشوائي إلى المستوى التالي دون الحصول على الأساسيات.

حتى أكثر الأدبيات "المبالغة" تروي قصصها باستخدام إطار معين لسرد القصص. فالدراما والبرامج الثقافية المعدلة في الأعمال الروائية الشعبية قد وُجِدَت لتثقيف الجمهور في عصر يكون فيه "الوعي العام" مهمًا. وقد عُرفت مجموعة كبيرة من الروايات الشهيرة بتقديم حكاياتها بطريقة فريدة وحيوية لإبقاء القراء مشدوهين، مثل: "حلم الغرفة الحمراء" و "الحرب والسلام" و"قصة مدينتين" و"93".  

وبينما يستمتع القراء بالحكايات التي خُلدت بمرور الزمن، فهم لا يقرأون قصصًا فحسب، بل يعيدون قراءة تاريخها أيضًا، ويطرح عليهم بعض الأسئلة المثيرة للتفكير فيها. باختصار، هذه الأعمال الفنية التي يتم دمجها بشكل كبير في وسائل الإعلام تخدم غرضًا وتشرح لماذا تحتوي معظم أعمال الأدب الكلاسيكي التي تحولت إلى أعمال سينمائية غالبًا على موضوعات حزينة ومأساوية، والسبب هو أن الأعمال الكوميدية ذات بعد واحد وليس لها أي موثوقية. وعلاوة على ذلك، فهي تفتقر إلى الجوهر وليست سوى مصدر للترفيه ليس أكثر.

وكما ذكرنا آنفًا، فإن عصر الإنترنت يغير بشدة طرق نقل الأخبار والمعلومات. وفي الوقت الحاضر، تميل المعلومات إلى أن تكون دقيقة ومجزأة للغاية. ومع ظهور الهواتف المحمولة، أصبح المستخدمون متشابكين بشكل متزايد في شبكة ضخمة من المعلومات، ما يسمح لهم بتشكيل مجموعات خاصة بهم.

وفي ظل خطر المبالغة في تقدير الأمور، لم يعد البشر بحاجة هذه الأيام لملء هذه المجموعات، لأنهم يمكن أن يعوضوا غيابهم بأي شيء رقمي أو معلوماتي، ونظرًا لأن الهواتف المحمولة باتت عنصرًا أساسيًّا بالنسبة لنا، فستصبح المعلومات والأخبار أيضًا مجزأة.

وعلى الرغم من صحتها، أو عدم وجودها في بعض المعلومات والأخبار، فقد ساعدت دون شك في المساهمة في تشكيل مجتمع مستنير، وبذلك، حطمت الحواجز بين الخبراء ومستخدمي المعلومات أيضًا. خذ مقطع فيديو على سبيل المثال، يمكن للأشخاص من جميع الأعمار والخلفية والمعرفة أن يتعلموا شيئًا أو شيئين فقط من خلال مشاهدة مقطع قصير عن "علم التنجيم" مثلاً!

ومع ذلك، فإن مثل هذا الظرف سيجعل من الصعب على الناس إنشاء نظام معرفي أيضًا، وذلك ببساطة لأن ما يعرفونه أو يكتسبونه لا يرقى بالضرورة إلى إطار المعرفة. ولكي يتمكن المرء من إنشاء نظام معرفي، سيتعين عليه تجميع معلومات إضافية فوق ما تعلمه مسبقًا، لتعزيز معرفته الموجودة مسبقًا بمعلومات أعمق.

ولسوء الحظ، فإن الأغلبية لا تمتلك هذه القدرة، لأنه كما ذكرنا من قبل، يأتي الناس من جميع مناحي الحياة، وهم من تخصصات أكاديمية مختلفة، وبالتالي، لديهم عقلية ووجهات نظر مختلفة بسبب تجربتهم الحياتية. وهذا يعني أيضًا أن الطريقة التي يختارونها لاستيعاب ومعالجة المعلومات تختلف كثيرًا أيضًا، وحتى الآن، أظهرت الإحصاءات والبيانات أن المجموعة الأساسية من مستخدمي الإنترنت هم في الغالب أفراد ينتمون إلى الفئة العمرية 21-30.

ومعظم الأشخاص الذين يقعون ضمن هذه الفئة العمرية لم يتطوروا بشكل كامل حتى الآن، على الأقل ليس معرفيًّا. ربما يكونون قد تخرجوا من الجامعة بنجاح، لكنهم لم يواجهوا بعد ما هو "خارج الجامعة". فخذ على سبيل المثال، معدل اختراق التعليم في الصين، حيث نصف مستخدمي الإنترنت فقط هم من المتعلمين وحاصلون على درجة علمية، والباقي من ناحية أخرى، يفتقرون إلى القدرة على فرز وتصفية المعلومات أو المعرفة التي اكتسبوها، وسيصدقون تمامًا تلك المعلومات التي يستقونها من الانترنت مهما كان مصدرها، ما يخلق مصدر قلق آخر.

لقد عطل عصر المعلومات بشدة الأنظمة التقليدية التي يتم من خلالها نقل الأخبار والمعلومات وشوّهها، وتسبب ذلك في تكوين فجوات معرفية في المجتمع، ما يعوقنا عن أن نصبح مجتمعًا مستنيرًا.

إن المجتمع السليم– أو في هذه الحالة، المجتمع المطّلع– هو ذلك المجتمع الذي يضع الراعي (النخب) في مقدمة قطيع الأغنام (الذين هم "غير النخب") ليوجهها نحو الاتجاه الصحيح. وفي مجتمع مثالي حيث يتم امتصاص المعلومات بطريقة صحية ومنظمة، حيث يعمل كل من الراعي والأغنام جنبًا إلى جنب لتشكيل علاقة تكافلية، بدلًا من تلك العلاقة المستقلة.

وهذا يعني أنه مع تمرير المزيد من المعرفة، فإن جزءًا من "غير النخب" سيصبحون في النهاية نخبًا بأنفسهم، ما يمكّن المجتمع من التقدم أخيرًا كوحدة واحدة لا تتجزأ. ولكن، لسوء الحظ، كل ذلك دمرته الأخبار المجزأة المصورة في وسائل الإعلام. وبالتالي، فإن هذا لا يخلق صدعًا أكبر بين الراعي والأغنام فحسب، بل يزيد أيضًا الفجوة بين الأطراف المعنية بشكل أكبر.

وهذا يعني أيضًا أن صوت من هم في القاع سوف يزيل أصوات من هم في القمة إلى الأبد؛ ما يؤدي إلى إحداث فقاعة لتكامل المعرفة والمعلومات بطريقة منظمة. وكما هو الحال، فهذا ليس سيناريو فريدًا للصين فقط. فحتى الولايات المتحدة وأوروبا تشهد زيادة في هذا الاتجاه بسبب الحركة الشعبوية التي تنمو يومًا بعد يوم.

ومن المفارقات أنه على الرغم من الافتقار إلى خبرة وحكمة الخبراء أنفسهم، لم يعد الناس يصدقون كلمات النخب، التي كانت في جوهرها تجسيدًا الحرفية (الخبرة) والمعرفة. وربما تكون اليابان هي الاستثناء الوحيد في هذه المسألة، كما يتضح من الطريقة التي تعاملت بها مع وباء فيروس كورونا، وذلك بفضل معدل اختراق التعليم بنسبة 80٪. بعبارات عامة، تعد إجراءات الوقاية من الوباء في اليابان فريدة من نوعها لهذا البلد ولا يمكن محاكاتها على الإطلاق.

خلاصة التحليل:

لقد غيّر ميلاد عصر المعلومات بشكل جذري الطرق التي يمكن من خلالها نقل المعلومات، وأن يتحول المجتمع إلى مجتمع واع وملم بالمعلومات، لم يعد شيئًا يجب علينا التفكير فيه، بل علينا قبوله. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يجب أن نكون مستعدين للتحدي الهائل الذي سيواجهنا، والمتمثل في طريقة لسد الفجوات بين الجمهور و"النخب".

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا